لا يتوقف الهاتف عن الرنين، والاتصالات تنهال من كل مكان عبر الرقمين المجانيين 14 و1021. بين نداءات استغاثة حقيقية وبلاغات كاذبة، تجد فرق الحماية المدنية نفسها في سباق مع الزمن، حيث لا تتوقف الحوادث لحظة واحدة، والتدخلات مستمرة على مدار الساعة، حرائق، فيضانات، حوادث مرور، إلى جانب حالات اختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون، وإغماءات تتطلب تدخلا سريعًا لإنقاذ الأرواح.
الصيام لا يؤثر على رجال الحماية المدنية، فهم في الميدان أشبه بالمجاهدين، لا يبالي أحدهم بالجوع أو العطش عندما يكون الواجب في المقدمة، رجل الحماية يعمل بإصرار وتفان، حتى لو استمر تدخله لأكثر من ثماني أو تسع ساعات دون انقطاع.
رنّ جرس الهاتف في قاعة العمليات، بنداء استغاثة عاجل، طفل صغير اختفى في منطقة عمورة بالجلفة، وعائلته مذعورة، لا أثر له منذ ساعات. لم يكن هناك وقت للتردد، تحرّكت فرق الحماية المدنية بسرعة، مستنفرة كل إمكانياتها، وانطلقت عمليات التمشيط تحت جنح الليل، بمساعدة الدرك الوطني.
الساعات تمر بطيئة، والأمل يمتزج بالقلق، لم يتوقف الأعوان عن البحث، رغم التعب والجوع وموعد الإفطار قد مر منذ زمن. وأخيرا، عند الواحدة ليلا، انطلق النداء عبر أجهزة اللاسلكي: «عثرنا عليه»، عادت الحياة إلى وجوه المنهكين، لكنهم لم يفكروا في أنفسهم، بل في الفرحة التي ستغمر قلب أمّه حين تضمه من جديد، هذا هو واجبهم، هذه هي التضحية التي لا تحتكم إلى وقت أو راحة، بل إلى نداء الإنسانية أولا وأخيرا.
وفي الساعة الخامسة مساء من يوم الثامن من مارس الجاري، رنّ الهاتف في قاعة العمليات ببلاغ استغاثة عاجل. قطيع أغنام محاصر وسط مياه وادي الطويل بمنطقة الخرايسية، الخطر يداهم الراعي، وكل دقيقة تمر قد تعني خسارة فادحة، على الفور، تحركت فرق الحماية المدنية من الوحدة الثانوية بسيدي لعجال، تخترق المسافات بسرعة، متجاوزة وعورة الطريق وصعوبة التضاريس، لحظات توتر، دقائق حرجة، ثم جاء النداء عبر اللاسلكي، «تمّ إنقاذ الراعي وقطيعه بالكامل».
تنفّست قاعة العمليات الصعداء، لكن لم يكن هناك وقت للراحة، اتصال آخر يقطع اللحظة، صوت مرتجف على الطرف الآخر، امرأة شابة فقدت وعيها بسبب تسمم بغاز البوتان في منطقة روس العيون، لم يكن أمام فرق الإسعاف سوى الاستجابة الفورية، في دقائق، وصلت إلى الموقع، قدمت الإسعافات الأولية، ونقلتها بسرعة إلى المستشفى حيث استقرت حالتها.
وفي بلدية عين الإبل، رنّ الهاتف مجددا، حادث مرور في الساعة 16:03، ثلاثة مصابون بحاجة إلى تدخل عاجل. في سباق مع الزمن، انطلقت الفرق، أنقذت المصابين وقدمت لهم الإسعافات الضرورية قبل نقلهم إلى العيادة متعددة الخدمات.
لكن الحوادث لا تعرف التوقف، ففي الولاية المنتدبة مسعد تصاعد الدخان في الأفق، نداء جديد في الساعة الحادية عشرة صباحا، حريق في بستان بمنطقة ختالة، الأشجار تلتهمها النيران بسرعة، والمزارع يراقب بخوف خسارته المحتملة، اندفعت فرق الحماية المدنية نحو الموقع، قاتلت ألسنة اللهب حتى أخمدتها، لكن الحريق خلف وراءه خسائر، 15 شجرة مشمش، 10 أشجار زيتون، 8 أشجار رمان، صناديق نحل، وأنابيب ري احترقت بالكامل.وفي مكان آخر، اشتعل سياج قصب بطول 60 مترا في مسعد، بينما اندلع حريق آخر في بلدية سيدي لعجال، حيث تمكنت الوحدة الثانوية لعين وسارة من احتوائه قبل أن يتمدد.
هذه ليست سوى نماذج من الحوادث الرمضانية التي تواجهها فرق الحماية المدنية يوميا، حيث يبقى الاستنفار هو القاعدة، والراحة استثناء بعيد المنال.
كادت تقتله..»الشمة»!
لم يكن يخطر ببال أحد أن «الشمة» قد تكون سببا في حادث خطير، لكن هذا ما حدث بالفعل في إحدى الحوادث الغريبة التي تعاملت معها فرق الحماية المدنية بالجلفة، فبينما كان أحد المواطنين يستعد للإفطار، أدرك فجأة أنه نسي علبة «الشمة»، فاندفع بسيارته مسرعا لجلبها قبل أذان المغرب، وكأن حياته تتوقف على تلك العلبة، وفي لحظة تسرع وقلة تركيز، انتهى به الأمر في حادث مرور كاد أن يكلفه حياته.
المكالمات الكاذبة..مشكلة عجيبة
قال رئيس مركز التنسيق العملي، النقيب زروق عبد الله «المداومة مستمرة 24/24 ساعة، ونتعامل مع مختلف البلاغات، من حوادث المرور إلى الحرائق والفيضانات، لكن المشكلة أن عدد المكالمات الكاذبة يفوق الصحيحة، مما يتسبب في كثير من الأحيان في خروج الفرق دون جدوى، بينما قد يكون هناك شخص آخر في خطر حقيقي»، وأضاف أن «ذروة البلاغات تكون قبل الإفطار مباشرة، حيث يتسابق السائقون للوصول إلى منازلهم، مما يؤدي إلى حوادث مرورية متكررة، وهو ما يستدعي مزيدا من الحيطة والحذر، خاصة في ظل ارتفاع معدل الحوادث خلال هذه الفترة».
وأشار «إلى أن هناك تنسيقا دائما مع مصالح الأمن، حيث يتم تبادل المعلومات حول الحوادث والتدخلات، باستثناء الحالات العادية المتعلقة بإسعاف المرضى»، ودعا المتحدث المواطنين قائلا «كل بلاغ كاذب يعطّلنا عن إنقاذ حياة شخص قد يكون في خطر حقيقي، لذلك أرجو من التحلي بالمسؤولية وعدم التلاعب بأرقام الطوارئ».
خطّة لمواجهة حوادث رمضان
وأكّد المقدم محمد شهب العين، مدير الحماية المدنية لولاية الجلفة، أنه مع حلول شهر رمضان تضع الحماية المدنية خطة تدخل خاصة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، المحور الأول يتعلق بحوادث المرور، التي تزداد بشكل ملحوظ خلال الساعة التي تسبق موعد الإفطار، حيث يعمد بعض السائقين إلى القيادة بتهور في محاولة للوصول إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى وقوع حوادث خطيرة تشمل انحراف المركبات وانقلابها، مخلفة ضحايا بين قتلى وجرحى.
ولمواجهة هذه المخاطر - يضيف - تكون فرق الحماية المدنية في حالة تأهب قصوى، حيث تبقى سيارات الإسعاف وشاحنات التدخل على أهبة الاستعداد في حالة إنذار من الدرجة الأولى، خاصة في الفترة ما قبل الإفطار.