يروي المجاهد فلاح بوجمعة من مدينة عين الصفراء ولاية النعامة، مراحل تطور مدينة النعامة بعد 63 من الاستقلال، ليقول في حديث لـ «الشّعب»، أنّ الوضعية الاقتصادية للمنطقة كانت منعدمة مع خروج الاستعمار الفرنسي واسترجاع الجزائر سيادتها في الخامس جويلية 1962، ففرنسا لم تترك للسكان شيئا لا مصانع ولا إمكانات بل خراب ودمار خاصة وأنّ معظم السكان كانوا بدو رحّل يعتمدون في معيشتهم على تربية الماشية، والسكان المتواجدون بالقصر ببعض السكنات متمركز في ثلاث أحياء كوسط المدينة، يمتهنون الفلاحة.
يؤكّد بوجمعة فلاح وهو مجاهد، وأحد أعضاء الكشافة الاسلامية الجزائرية خلال وبعد الاستعمار وعضو في شبيبة جبهة التحرير الوطني منتخب سابق ومن أعيان المنطقة، أنّ الثورة في عين الصفراء بدأت في 20 جوان من سنة 1956 بعد رمي قنابل في المقهى المتواجد بوسط المدينة (مقهى شني حاليا)، وقد دفع الجزائريون الثمن غاليا بعد هذه الحادثة حيث تم أسر الكثير من السكان ونكل بهم أشد التنكيل، في المعتقلات التي كانت متواجدة خاصة المكتب الثاني ومعتقل الدزيرة.
فيما تم إعدام البعض يضيف قائلا: «وأذكر أول من تم إعدامهم هم مسلك محمد، بن عمارة قدور، حضري أحمد وهدفي أحمد وذلك بعد أحداث 23 ديسمبر 1956، وبعدها بدأت الثورة تتوسّع شيئا فشيئا»، كما تم إنشاء معتقلات العار منها معتقل المكتب الثاني داخل الثكنة العسكرية، الذي شهد فيه الجزائريّون أبشع أنواع التعذيب، وكذلك معتقل الدزيرة ومعتقل جنين بورزق. وحينما خرج المستعمر من البلاد بعد الاستقلال، ترك كل شيء مخرّب، لا طرقات لا أرصفة لا أشجار باستثناء الأشجار، التي كانت بالإدارات الفرنسية أو مساكن المستوطنين فقط. وهذا الشيء حفزنا كسكان يقول: لنتوحّد جماعيا والتطوّع، للخروج من هذه المرحلة عن طريق التعاون أو ما يعرف بالتويزة، كنا يدا واحدة من أجل تغيير واجهة المدينة بغرس الأشجار وتعميم النظافة وإنجاز الأرصفة وهذا تحت إشراف جبهة التحرير الوطني، والتي كانت كذلك هي من تتكفّل بمنح الإعانات والمساعدات للسكان معدومي الدخل».
ومعيشة السكان كانت من المحاصيل الفلاحية المحلية، كما كان هناك تضامن بين السكان خاصة في مواسم جني المحاصيل الفلاحية وبالأخص موسم الحصاد حيث كانت الزكاة للفقراء من المنطقة، وما أزّم الوضع أكثر هو عودة بعض اللاجئين للمنطقة حيث تكفّلت جبهة التحرير بمساعدتهم وكنت أنا، يقول: «ضمن شبيبة جبهة التحرير حيث كانت مهمتنا توزيع هذه المساعدات على الفقراء واللاجئين، المساعدات هذه تمثلت في الزيت، السكر، الحليب والسميد خاصة للعائلات التي لها أطفال صغار كانوا يستفيدون من حليب الأطفال كل يوم في قاعة مخصّصة لذلك».
وبعدها تم تأسيس لجنة الهلال الأحمر الجزائري، فكانت مهمتنا جمع التبرعات للمعوزين من أغذية وأفرشة، ملابس، نقود وأواني وكان يرأس الهلال الأحمر الجزائري قاضي من المحكمة اسمه باصي الطاهر من الأغواط، وقد ساهمنا حتى في جمع التبرعات لولايات أخرى خاصة في الصّحراء، ففترة الاستقلال عرفت تضامن الشعب الجزائري 100%.
وأكّد بوجمعة فلاح، وهو يروي لنا مسيرة إعادة ولاية النعامة بعد الاستقلال، أنها كانت تابعة إداريا لولاية سعيدة إلى غاية سنة 1984، والنعامة كبلدية آنذاك كانت بلدية صغيرة جدا بها فرع إداري، وكانت هناك ثلاث بلديات كبريات لولاية سعيدة وهما عين الصفراء، المشرية والبيض، وبعض الإدارات أو الهياكل والمرافق العمومية كانت تعد على الأصابع بهذه البلديات باستثناء عين الصفراء باعتبارها كانت منطقة عسكرية وقت الاستعمار وعاصمة الولاية الثامنة للمنطقة التاريخية الخامسة. فكانت بها مدرسة الآباء البيض ومركزا للتكوين المهني والذي تم إنشاؤه من طرف المستعمر الفرنسي بعد إنجاز خط السكة الحديدية وفتح محطة للسكة الحديدية بالمدينة، إلى جانب فروع للتدريس عبارة عن براريك تم إنجازها بعد الاستقلال وهي خاصة بالتعليم الابتدائي فقط، بينما التعليم المتوسط والثانوي فكان بولاية سعيدة بالإضافة إلى مستشفى. أما مدرسة الآباء البيض وقت الاستعمار فكان من يتحصل على الشهادة بالمرحلة الابتدائية يدخل إلى هذه المدرسة، ولكن عليه دفع مبالغ مالية لأنها ليست مجانية والقليل جدّا من يتمكّن من دفع تكاليف الدراسة، وتم إغلاقها بعد الاستقلال مباشرة.
وكانت البلديات، تسير بمندوبيات إدارية عقب الاستقلال مباشرة إلى غاية إجراء أول انتخابات بلدية على المستوى الوطني في 07 فيفري 1967، فكانت أول مجالس بلدية لمدة خمس سنوات حيث بدأت الحركة التنموية بهذه المنطقة، لكن التنمية الحقيقية للمنطقة بدأت مع المجالس الثانية سنة 1972 يضيف المجاهد بوجمعة فلاح، والمشاريع الكبرى للمنطقة جاءت بعد سنوات الثمانينات خاصة بعد أن أصبحت النعامة ولاية سنة 1984.
النعامة اليوم وبعد 63 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، قد تغير كل شيء فيها، فالنمو الديمغرافي ارتفع كثيرا، المنطقة توسّعت وكبرت، بلديات كانت عبارة عن فروع إدارية وسكنات متفرّقة أصبحت بلديات كبيرة بإداراتها سواء من حيث الهياكل أو المرافق العمومية، خاصة ما يتعلق بالتربية والصحة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى خاصة من سنة 1990 إلى اليوم من حيث المشاريع السكنية، فقد شهدت تقدّما كبيرا في مختلف الميادين.