رؤيـة طموحة لتحويـل الفضــاءات الساحليـة إلى مراكــز حيويــة
تخطو ولاية مستغانم خلال السنوات الأخيرة خطوات ثابتة نحو إحداث نقلة نوعية في مجال التنمية السياحية المستدامة، من خلال تبني سياسات واستراتيجيات طموحة تعزّز مكانتها كوجهة سياحية مميّزة. وقد تجسد ذلك في تطوير البنى التحتية، وترويج المنتجات السياحية، وتهيئة مناخ محفّز للاستثمار في هذا القطاع الحيوي الذي يشكل رافعة اقتصادية مهمة وواجهة مشرقة تعكس الصورة الإيجابية للولاية. ويأتي ذلك في إطار مسار التنمية المستدامة الذي أكّد عليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لتحقيق تنمية متوازنة ومستقبل واعد للمنطقة.
شهد القطاع السياحي بولاية مستغانم خلال السنوات الأخيرة حركية غير مسبوقة ونهضة لافتة، بفضل الاستراتيجية الطموحة التي تبنتها السلطات الولائية لجعل السياحة رافدًا أساسيًا للنمو الاقتصادي. ويأتي ذلك انسجامًا مع توجهات الدولة الرامية إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز مقوّمات الاقتصاد الوطني، إذ تسعى مستغانم، بما تزخر به من مؤهلات سياحية واعدة وطبيعة خلابة، إلى أن تصبح واحدة من أبرز الوجهات السياحية في البلاد، وقطبًا اقتصاديًا متميزًا يعكس صورتها المشرقة ويعزز مكانتها على الخريطة السياحية الوطنية.
رفعت السلطات الولائية تحدّيات خلال موسم الاصطياف بتهيئة الواجهات البحرية في إطار سعيها المتواصل لترقية النشاط السياحي وتعزيز الجاذبية العمرانية، الذي يجسد رؤية طموحة لتحويل الفضاءات الساحلية إلى مراكز حيوية ووجهات سياحية ترتقي إلى تطلعات المواطن والزائر على حد سواء.
فضاءات ترفيهية جذابة
واعتبر مدير السياحة والصناعة التقليدية محمد شريف زلماطي الواجهات البحرية كمواقع سياحية بامتياز وعنصر جذب سياحي هام من خلال تحويل الواجهات إلى فضاءات ترفيهية جذابة ومتكاملة الخدمات مع مراعاة الجوانب الجمالية، والتي تهدف إلى إعادة تأهيل الشريط الساحلي من خلال تصميم عمراني حديث، يوفر مساحات للترفيه، ومرافق خدماتية عصرية، ومسارات للمشي في انسجام تام مع المحيط البيئي والطابع الطبيعي للمكان، كما تعد لبنة جديدة ضمن الجهود المبذولة لترسيخ مقومات السياحة المستدامة بالولاية.
وأشار محدثنا إلى تخصيص ما قيمته 18 مليار سنتيم لتهيئة الواجهة البحرية صابلات و16 مليار سنتيم لتهيئة الواجهة البحرية ليفالاز خلال هذا الموسم، لتتحوّل هذه الواجهات إلى نقاط جذب جديدة تستقطب العائلات التي ترغب في قضاء عطلة صيفية تجمع بين الراحة والترفيه، ما يمنحها بعدا حضريا يليق بعراقة المدينة ومكانتها السياحية، فهي ليست مجرد مشاريع تهيئة، بل رسالة واضحة مفادها أن مستغانم ماضية بخطى واثقة نحو الريادة السياحية، من خلال الاستثمار الذكي في فضاءاتها الطبيعية، وتحويلها إلى معالم حقيقية تنبض بالحياة وتستقطب الزوار على مدار السنة.
كما تعدّ هذه التحدّيات من أبرز المشاريع السياحية الجديدة لهذا الموسم والتي تواكب نمط الحياة العصري للعائلات، إذ حرصت الجهات المنفذة للمشروع على تهيئتها وفق مقاييس عمرانية وجمالية حديثة، تمثل إضافة راقية إلى الفضاءات الساحلية للولاية، وتعد نقطة جذب سياحي جديدة بفضل موقعها الفريد الذي يطل على قلب مدينة مستغانم من زاوية بانورامية ساحرة، فهي ليست مجرد واجهة على البحر، بل شرفة مفتوحة على لوحة فنية تجمع بين زرقة المتوسط وأناقة البنايات المقابلة، وهدوء الأمواج خاصة عند الغروب وسكون الليل.
هذا وتواصل السلطات الولائية سعيها لترقية النشاط السياحي وتعزيز الجاذبية العمرانية بتنفيذ رؤيتها التطويرية للواجهات البحرية، من خلال العمل على تحويلها إلى فضاءات حضرية مفعمة بالحيوية، ومجهزة بأحدث الوسائل الترفيهية والمرافق الخدماتية العصرية التي ترتقي إلى تطلعات المواطن والزائر على حد سواء.
كما تشمل هذه الرؤية توسعة المساحات المخصصة للتنزه والأنشطة الترفيهية، وإضافة عناصر جمالية تحاكي طابع المدينة الساحلي عبر مشروعات متكاملة تمزج بين الجمال الطبيعي والتصاميم العصرية، إلى جانب تحسين البنية التحتية لضمان استدامة الخدمات المقدمة.
وتبرز تجربة تهيئة الواجهات البحرية كنماذج ناجحة للاستثمار فيها بطريقة ذكية ومستدامة، يعكس التوجه العام نحو تنويع الاقتصاد المحلي وتعزيز السياحة الداخلية في الجزائر، ويؤكد مرة أخرى أن ولاية مستغانم بعناصرها الجغرافية ومقوماتها السياحية، قادرة على أن تتحول إلى مركز جذب ووجهة سياحية بامتياز.
فتح 06 شواطئ جديدة
أشار المدير إلى فتح ستة شواطئ جديدة على مستوى بلديات عشعاشة شاطئ المرجان وشاطئ النسيم بسيدي لخضر، وفتح ثلاثة شواطئ النورس والامل وعروس البحر بحجاج وشاطئ البلور باستيديا، إلى جانب ذلك تم تهيئة وتجهيز شواطئ قديمة كشاطئ مرسى الشيخ، استيديا وسيدي منصور لإعطائها أكثر جاذبية برصد مبالغ هامة قدرت بـ 50 مليار سنتيم، ليرتفع عدد الشواطئ المسموحة للسباحة الى 57 شاطئا، بهدف خلق حركية على مستوى الشواطئ الجديدة وتخفيف الضغط على الشواطئ.
وفي ذات السياق، وقصد بعث روح جديدة للشريط الساحلي وتحويل الشواطئ إلى فضاءات حقيقية للتنفس والترفيه فتح شاطئ سيدي المنصور 2 أبوابه بحلة جديدة أمام الزوار والمصطافين، بعد انتهاء أشغال التهيئة التي جعلت منها فضاء ساحليا يزاوج بين الراحة والجاذبية، ويشكل واجهة بحرية تليق بالمدخل الغربي لعاصمة الولاية.
كما تم إنجاز ملعب رياضي جديد داخل نفس الفضاء، موجه لشباب المنطقة وزوار الشاطئ، وذلك تنفيذاً لتعليمات والي الولاية، احمد بودوح، الرامية إلى دمج الرياضة ضمن المرافق القاعدية للمواقع السياحية، كما تم تخصيص فضاءات مهيأة للأطفال والعائلات، تضاف إلى المكونات الجمالية والوظيفية للفضاء.
وجاءت عملية إعادة تأهيل شاطئ سيدي المنصور 2 لتضفي على المكان طابعا حضريا مريحا، بغلاف مالي قدره 2.8 مليار سنتيم، تعبيد المسالك الداخلية بكمية 800 طن من الزفت، وإنجاز ممرات للمشاة على مساحة تفوق 1.400 متر مربع، إلى جانب تثبيت 27 عمود إنارة عمومية، تسمح باستغلال الشاطئ ليلا في أجواء آمنة ومضيئة.
الميناء الصغير
كما فتح شاطئ “الميناء الصغير” هو الآخر أبوابه بعد استكمال أشغال إعادة التهيئة وتحويله إلى فضاء سياحي متكامل، بغلاف مالي قدره 3.5 مليار سنتيم، شملت تحسين البنية التحتية، تهيئة الأرصفة، تركيب الإنارة العمومية الجمالية وإنشاء فضاءات للراحة والاستجمام.
ويمثّل هذا المشروع نقلة نوعية في مجال استغلال الواجهات البحرية للولاية، حيث تم تحويل طريق مهترئ كان في وضعية متدهورة إلى شرفة سياحية مفتوحة تطل مباشرة على البحر، قابلة للاستغلال ليلا ونهارا، ومهيأة لاستقبال الزوار في أفضل الظروف.
وتأتي هذه الإنجازات في سياق الجهود المبذولة لتعزيز جاذبية المدينة الساحلية، ودعم النشاط السياحي المحلي، بما يتماشى وتوجيهات السلطات العليا للبلاد المتعلقة بتفعيل السياحة كرافد من روافد التنمية الاقتصادية المستدامة.
إقامة فندقية جديدة
وكشف المدير عن تعزيز الحضيرة الفندقية بدخول مؤسستين فندقيتين حيز الاستغلال بـ 336 سرير مع توفير ما يقارب 59 منصب شغل، والأولى عبارة عن إقامة سياحية بصابلات والمصنفة ثلاث نجوم بسعة 190 سرير و65 شقة فندقية مجهزة بمعايير حديثة، ما يجعلها إضافة نوعية للخريطة الفندقية لمستغانم، التي تشهد تطورا مستمرا في ظل تزايد الطلب على خدمات الإيواء الراقي.
وتعد هاته الإقامة الفندقية الجديدة محطة من محطات بعث الحركية السياحية بالولاية، تم افتتاحها بعد سنوات من الترقب، لتدخل المنشأة رسميا حيز الخدمة كأحد أبرز المشاريع التي رفع عنها القيود في إطار جهود اللجنة الولائية المكلفة برفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية العالقة.
إلى جانب ذلك من المنتظر دخول إقامة سياحية حيز الاستغلال مطلع شهر سبتمبر بسعة تقدر بـ 146 سرير ليرتفع العدد إلى 43 مؤسسة فندقية، بحسب ذات المصدر.
من فضاء مهمل إلى وجهة واعدة
وفي إطار رؤية جديدة لتثمين الفضاءات الساحلية وتحويلها إلى وجهات تخدم الشباب والعائلات، دخل المخيم الصيفي بمنطقة الميناء الصغير حيز الخدمة، والتابع لمؤسسة موستالاند ببلدية سيدي لخض بعد أن طاله الإهمال لسنوات طويلة قبل ان يعاد له الاعتبار من خلال تهيئته وتجهيزه كليا، حيث يمتد على مساحة تقدر بـ هكتارين ليتم استغلاله كمرفق سياحي هام.
هذا وشملت عمليات التهيئة والتجهيز مختلف المرافق القاعدية والترفيهية من إنارة ومساحات خضراء ومرافق للأنشطة ومبيت بتكلفة إجمالية بلغت 11 مليار سنتيم، وجاء المشروع استجابة لتعليمات صارمة كان قد أسداها والي الوالي خلال زيارة فجائية سابقة للموقع، وقف خلالها على حالة الإهمال التي كان عليها الفضاء، وأمر فورا بإطلاق عملية استعجالية لإعادة تهيئته واستغلاله في إطار المخيمات الصيفية.
وفي سياق متصل، ومن أجل الارتقاء بالسياحة الدينية بالولاية، كشفت السلطات الولائية عن تسجيل عملية لتهيئة الزوايا والمقامات الدينية على عاتق ميزانية الولاية الأولية لسنة 2026 مع استكمال أشغال مسجد القدس بصلامندر ومسجد الخلفاء الراشدين بعين تادلس، إلى جانب ذلك ستكون الأولوية لبلدية بن عبد المالك رمضان التاريخية قصد التهيئة الحضرية باعتبارها واحدة من بين أفضل وأجمل البلديات السياحية بالولاية.
رفع القيود على 08 مشاريع استثمارية
وافقت اللجنة الولائية المكلفة برفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية المستكملة العالقة رفع القيود عن 08 ملفات استثمارية، وذلك في سياق تنفيذ السلطات العليا الرامية إلى دعم الاستثمار المحلي، ومرافقة المشاريع الجادة ورفع مختلف القيود الإدارية التي تحول دون دخولها الفعلي حيز النشاط، بحسب مصالح الولاية.
وأوضح ذات المصدر، أنه تم دراسة عشرة ملفات استثمارية مستكملة، تخص مشاريع في قطاع السياحة، من بينها مخيمات صيفية وفنادق ومركبات سياحية وكذا إقامات فندقية، تم قبول ثمانية مشاريع منها ومنح أصحابها رخص استغلال استثنائية، في حين تم إلغاء ورفض آخر لحصولهما على رخصة الاستغلال الاستثنائية نظرا لعدم توفرهما على الشروط القانونية اللازمة.
وحرصا على تعزيز الشفافية وضمان التواصل المباشر، تم استقبال كافة المستثمرين المعنيين، الذين قدّموا عروضا موجزة حول مشاريعهم، مع طرح الانشغالات التي تعيق انطلاق نشاطاتهم، حيث تم الإنصات إليهم وتسجيل ملاحظاتهم.
وقد اعتبر هذا اللقاء بمثابة ورشة عمل فعلية، تم خلالها فتح باب النقاش الجاد والعملي بين المستثمرين والإدارة، بهدف إيجاد حلول عاجلة وفعالة للملفات العالقة، بما يسمح بتجسيد المشاريع على أرض الواقع.
كما شدّد الوالي على ضرورة تسهيل الإجراءات الإدارية من طرف المديرين التنفيذيين المعنيين، داعيا إلى تسريع وتيرة استصدار رخص الاستغلال للمشاريع الجاهزة، إيمانا منه بأهمية الاستثمار في دفع عجلة الاقتصاد المحلي وتوفير مناصب شغل جديدة.
وأكد في السياق ذاته على التزام الولاية التام بمواصلة الجهود الرامية إلى تنفيذ توجهات الدولة في ترقية الاستثمار، وخلق مناخ أعمال شفاف ومرن يخدم تطلعات المستثمرين الجادين.