تعزيـز مكانــــة المجتمـع المدني كشريك في تعميق التنمية المستدامـة
شكّل التعديل الدستوري في الفاتح من نوفمبر 2020 محطة مفصلية في مسار بناء الجزائر الجديدة، ليس فقط لكونه أداة قانونية أعادت صياغة قواعد الحكم، بل لأنه فتح الباب أمام ممارسة ديمقراطية أوسع وأكثر ارتباطا بالمجتمع.
أضحى دستور 2020 نقطة ارتكاز لتجسيد مفهوم الديمقراطية التشاركية، التي تجعل المواطن شريكا أساسيا في صياغة القرار ورسم ملامح المستقبل، لا مجرد متلقٍ لسياسات جاهزة.
إن الجزائر الجديدة لم تعد تختزل الديمقراطية في مجرد انتخابات دورية، بل وسّعت آفاقها لتشمل آليات المشاركة المجتمعية، وتفعيل دور الجمعيات وإشراك المواطنين في تقييم السياسات العمومية ومراقبتها.
هذه المقاربة الحديثة تمثل انتقالا نوعيا من الديمقراطية الشكلية إلى الديمقراطية الفعلية، حيث يصبح صوت المواطن مؤثرا في كل مرحلة من مراحل صناعة القرار.
لقد بيّـن الواقع أن الدولة حريصة على إشراك كل الفاعلين، من مؤسسات وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ونخب فكرية.. هذا الأسلوب التشاركي يعكس إرادة جديدة قوامها الانفتاح والشفافية، ويرسّخ قناعة بأن الشرعية الحقيقية تُبنى على التوافق والمشاركة، لا على الإقصاء والانفراد بالقرار.
وتتجلى المكاسب الديمقراطية اليوم في تكريس ثقافة المحاسبة والرقابة الشعبية، إذ أصبح البرلمان والجماعات المحلية فضاءات أكثر انفتاحا على المواطن، فيما تعززت مكانة منظمات المجتمع المدني كشريك لا غنى عنه في تجسيد التنمية المستدامة.
هذه الشراكة ليست مجرد إجراء تكميلي، بل هي جوهر الجزائر الجديدة التي تراهن على طاقات أبنائها لإرساء أسس دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في قوانينها وشفافة في ممارساتها.
إن الديمقراطية التشاركية تعني أيضا أخلقة الحياة العامة، ومحاربة الفساد وبناء علاقة جديدة بين المواطن والدولة، قوامها الثقة المتبادلة.
فقد كان عمق الأزمة في الماضي، يتمثل في شعور المواطن بالتهميش. أما اليوم، فإن إشراكه في رسم السياسات واتخاذ القرار يعيد له الثقة ويجعله فاعلا حقيقيا في مسار التنمية. وهذا التحول يعد مكسبا جوهريا، لأنه يعيد للمواطن مكانته الطبيعية، باعتباره محور كل إصلاح سياسي أو اقتصادي.
كما تبرز مكانة المرأة كأحد أوجه الديمقراطية التشاركية في الجزائر المنتصرة، حيث لم يعد تمكينها خيارا سياسيا ظرفيا، بل التزاما دستوريا ومجتمعيا. مشاركة المرأة في مختلف مناحي الحياة العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعكس إيمان الدولة بأن المساواة والمناصفة ليست شعارات، بل شرطا من شروط البناء الديمقراطي السليم. وهو ما أتاح بروز طاقات نسائية فاعلة في المجالس المنتخبة وفي مراكز القرار.
ولعل أبرز ما يميز التجربة الجزائرية، أن الديمقراطية التشاركية لم تبق حبيسة النصوص، بل بدأت تتجسد على أرض الواقع في المبادرات المحلية، وفي فتح الورش الاقتصادية والاجتماعية بمشاركة المجتمع المدني والخبراء. هذه الممارسة تمنح الشرعية لأي سياسة عمومية، لأنها وليدة نقاش واسع يأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطنين وتطلعاتهم وتُنفّذ في إطار من الشفافية والرقابة.
إن الديمقراطية التشاركية ليست ترفا سياسيا، بل هي وفاء لقيم نوفمبر التي جمعت الشعب حول هدف واحد هو بناء دولة مستقلة، عادلة ومتجذرة في هويتها الوطنية.
وعليه، فإن المكاسب الديمقراطية التي تحققت منذ دستور 2020 يمكن تلخيصها في أمرين أساسيين: أولا، تكريس دولة القانون عبر تعزيز الحقوق والحريات وضمان استقلالية المؤسسات؛ وثانيا، إشراك المواطن بشكل فعلي في صنع القرار، سواء عبر المؤسسات المنتخبة أو من خلال آليات المشاركة المجتمعية. بهذا المسار، تضع الجزائر نفسها على سكة ديمقراطية أكثر نضجا، حيث يصبح المواطن ليس متفرجا على السياسات، بل شريكا في صياغتها وتنفيذها ومراقبتها.
إن الجزائر الجديدة وهي تتبنى هذا النهج، تؤكد أن الديمقراطية التشاركية ليست شعارا ظرفيا، بل خيارا استراتيجيا يؤسس لجمهورية حديثة يكون فيها الشعب هو السيد، وتكون الدولة خادمة لمواطنيها، في انسجام تام مع روح نوفمبر ومع متطلبات الحاضر والمستقبل.