الدبلوماسية الجزائرية في 2016

ثبات على المواقف ودور حاسم في قضايا إقليمية ودولية

حمزة محصول

اتفاق أوبك والمنتدى الإفريقي للاستثمار  أبرز المحطات
واصلت الدبلوماسية الجزائرية في 2016، نشاطها المكثف على كافة الأصعدة، الثنائية، الجهوية، القارية والدولية. وعززت موقعها كمرجعية في مكافحة الإرهاب الدولي وإرساء السلم والاستقرار. وسجلت مساهمة قوية في بناء الاقتصاد الوطني من خلال «الدبلوماسية الاقتصادية».

حافظت الجزائر على توهج سياستها الخارجية رغم التغيرات الكبيرة التي طالت موازين القوة في العلاقات الدولية، وثبتت على مبادئها ومواقفها الراسخة تجاه القضايا العادلة والأزمات العسيرة التي تعرفها القارة الإفريقية والمنطقة العربية.
 في مرحلة تطغى عليها المصلحة الأحادية للدول والأجندات ذات الحسابات الضيقة، أثبتت الدبلوماسية الجزائرية نجاعة طروحاتها لحل المعضلات الأمنية والسياسية من خلال المقاربة الشاملة القائمة على التسوية السياسية للأزمات، معبرة عن قناعاتها بصوت عال في المحافل الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ71، و لقاءات الاتحاد الإفريقي والورشات التي احتضنتها.
 رفضت الجزائر بشكل قطعي التخلي عن حياديتها، في التعاطي مع الملفات العربية والقارية البالغة الحساسية، مستندة إلى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادة شعوبها، ولم يتزعزع موقفها أمام مختلف أوراق الضغط التي تتحكم في خيوط «لعبة الأمم»، على غرار النفط، الاقتصاد والأمن.
هذه الحيادية دفعت معظم البلدان إلى تبني تصوراتها بعدما ذاقت الفشل باتخاذها مسالك أخرى، معترفة للجزائر بكونها «صوت الحكمة»، الذي ينبغي الإصغاء إليه جيدا عند كل أزمة.
 خالف المنهج الثابت للسياسة الخارجية الجزائرية، توقعات المحللين الذين يعتقدون بفكرة المصلحة الضيقة والحسابات الجيواستراتيجية المنحازة لجهة مقابل أخرى، كفاعلين أساسيين في العلاقات الدولية، حيث تأكدوا من الصلاحية غير المنتهية للمسار التفاوضي لتحقيق التوافق الدولي.
 نجحت الجزائر في أقوى اختبار لدبلوماسيتها، على مستوى منظمة الأوبك، في وقت كان فيه التشاؤم سيد كل التوّقعات، حيث قرّبت مواقف جد متباعدة (السعودية وإيران) وأقنعت كبار المنتجين من داخل وخارج المنظمة بالتوصل إلى اتفاق تاريخي لم يحدث منذ 8 سنوات (قمة وهران 2008).
المسار التفاوضي الذي أطلقه فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بداية السنة الجارية، عبر إرسال مبعوثين سامين إلى الدول المؤثرة في سوق النفط، وارتكازه على تغليب المصلحة المشتركة للمنتجين والمستهلكين بتعافي أسعار الطاقة، حقق النتيجة المرجوة منه في الاجتماع الاستثنائي للأوبك في سبتمبر الماضي الذي رسم في قمة 30 نوفمبر، وعرف انضمام روسيا والمكسيك وكازاخستان وبعض المنتجين من خارج المنظمة، ونجم عنه ارتفاع فوري لسعر البرميل ليقارب الـ 60 دولارا.
 أبطلت الجزائر بذلك القراءات القائمة على أن كلمة الفصل لمن ينتج أكبر، مؤكدة فعالية القدرات التفاوضية لدبلوماسيتها التي اشتهرت بها منذ الاستقلال في مختلف الظروف والمحطات التاريخية الحاسمة.
 من المواقف المسجلة للدبلوماسية الجزائرية في 2016، تأكيدها المستمر على إطلاق عملية سياسية لحل الأزمة في اليمن وسوريا، معتبرة أنه «مهما بلغ حجم الخلافات وبشاعة الاقتتال، لن تجد الأطراف المتخاصمة إلا طاولة الحوار لبلوغ حل عادل»، ورفضت دعم  جهة على حساب أخرى، اعتقادا منها بأن ذلك لن يزيد إلا في احتقان الوضع، وشدّدت على شمولية الحوار الذي لا يقصي إلا الجماعات المصنفة في خانة الإرهاب.
 
الدبلوماسية الاقتصادية ..العودة القوية

 أبدت الدولة الجزائرية إرادة سياسية كبيرة في الانفتاح اقتصاديا على المنطقة العربية والقارة الإفريقية، منذ السنة الماضية، حيث استقبلت رؤساء دول وحكومات بلدان إفريقية وعربية، وعقدت اجتماعات اللجان الثنائية الإستراتيجية التي طغى عليها التوجه الاقتصادي وفرص الشراكة الثنائية المثمرة.
 استقبلت الجزائر رئيس دولة كوت ديفوار، عبد الرحمان الحسن واتارا، شهر ماي الذي جاء في زيارة لأربعة أيام، وقف خلالها على القدرات الصناعية والفلاحية للبلاد، وناقش رفقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قضايا الأمن والإرهاب في منطقة غرب إفريقيا بعدما باتت بلاده هدفا للإرهابيين.
مثلما حل بالجزائر الوزير الأول لمملكة لوسوتو ووزير العلاقات الخارجية لأنغولا وكذا نائب رئيس نيجيريا، وعرفت هذه الزيارات توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.
الدور الاقتصادي للدبلوماسية، أكده وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، خلال احتفائية اليوم الوطني للدبلوماسية، بقوله: «إن السفراء والقناصلة كلهم مجّندون لترقية الاقتصاد الوطني بالخارج ومساعدة المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين على اقتحام الأسواق الدولية».
 من ثمار الدبلوماسية الجزائرية هذه السنة، انعقاد المنتدى الإفريقي للأعمال والاستثمار، الذي عرف حضور أزيد من 3 آلاف مشارك وتوقيع أكبر من 100 اتفاقية شراكة بين المؤسسات الوطنية ونظيراتها الإفريقية.
هذه الإستراتيجية الاقتصادية الجديدة، كانت محل إشادة وارتياح من قبل البلدان الإفريقية التي أكدت أن للجزائر دور لا تستطيع جهة أخرى تعويضه، خاصة في ميادين الطاقة والصناعات الغذائية والأدوية وحتى تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
 سبق للوزير الأول عبد المالك سلال أن صرح مطلع العام، أن «التوّجهات المستقبلية للبلاد تضع إفريقيا والمنطقة العربية ضمن أولويات تطوير الاقتصاد الوطني»، ما نجم عنه لقاءات عديدة وعودة قوية لشركات البلدان العربية الراغبة في اقتحام مجالات الاستثمار.
 عرفت زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، أواخر نوفمبر، انعقاد المنتدى الاقتصادي الجزائري-الإماراتي حيث تم توقيع عدة اتفاقيات، وأبدى رجال الأعمال الإماراتيين رغبتهم الكبيرة في اقتحام مجالات الفلاحة والتعليم العالي والطاقة  بالنظر للمؤهلات الكبيرة التي تملكها الجزائر.
 استقبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقبله الأمير محمد نايف بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية للملكة العربية السعودية، حيث شكلت القضايا ذات الاهتمام المشترك ومكافحة الإرهاب والشراكة الاقتصادية جوهر اللقاءات الثنائية.

مكافحة الإرهاب..نحو مرجعية جزائرية خالصة

نظمت وزارة الخارجية، هذه السنة ندوتين دوليتين حول الجريمة الإلكترونية ومكافحة الإرهاب ودور الديمقراطية في التصدي للتطرف العنيف ومكافحة الإرهاب، أشرف عليهما وزير الشؤون المغاربية، الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل.
مثلما عرفت انعقاد فوج العامل الرابع التابع للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي ترأسه الجزائر مناصفة مع كندا.
هذه الورشات، حضرها خبراء دوليون من المملكة المتحدة وأمريكا وفرنسا وبعض الدول المعنية بالظاهرة الإرهابية العابرة للحدود، ووقفوا عن قرب على المقاربة الجزائرية القائمة على الميكانيزمات التي حققت نتائج باهرة في الميدان.
 فترقية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتكفل بفئة الشباب وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية (المسجد، المدرسة)، وترسيخ الديمقراطية وسيادة الشعب وغرس قيم التسامح والمصالحة الوطنية مكنت الجزائر من التغلب على الإرهاب بعد عشرية سوداء هدّدت أركان الدولة.
 سبق أنا قام الوزير عبد القادر مساهل، بعرض التجربة الجزائرية خلال ندوة الجمعية العامة للأمم المتحدة سنتي 2015 و2016، وأكد أن التدخل الأجنبي المباشر في مناطق الأزمات وتغليب الحل العسكري لن يفضي إلى نتيجة، بل يؤدي إلى تفاقم أكبر للأوضاع.
 أكدت الجزائر، على ضرورة عدم اتخاذ تنامي الخطر الإرهابي في بلد معين، كذريعة للتدخل في شؤون الدول وانتهاك سيادتها، في رسالة موجهة إلى بعض القوى الدولية على وجه التحديد.
شكلت المصالحة الوطنية الجزائرية، مصدر إلهام للعديد من الدول، التي تبحث عن مخرج لأزماتها على غرار الجارة ليبيا، التي ترى في الجزائر نموذجا لتخطي الصعاب المرتبطة بمكافحة الإرهاب.

تنسيق عال المستوى مع دول الجوار

تنظر الجزائر بأهمية بالغة للظروف التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، وأكدت في أكثر من مناسبة أن « أمنها من أمن بلدان تونس، ليبيا، النيجر، مالي وموريتانيا»، مبدية استعدادا دائما لتصدير الأمن والاستقرار إليها وتقديم الدعم والمشورة.
 حرصا منها على التصدي للمخاطر الإرهابية وتجارة المخدرات والسلاح والهجرة غير الشرعية والتهريب، استطاعت رفقة بلدان المنطقة إقامة تعاون وتنسيق أمني عال المستوى.
العلاقات الاستثنائية التي تقيمها الجزائر مع دول الجوار، تتجلى في الزيارات المكثفة والمتبادلة لشخصيات سامية، حيث استقبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هذا العام الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وقبله رئيس حكومته يوسف الشاهد ووزير الخارجية خميس الجهناوي، سمحت كلها بتعميق التعاون في مختلف المجالات بين البلدين.
صنعت الزيارات المتتالية لشخصيات فاعلة في ليبيا للجزائر في الأشهر القليلة، الحدث إقليميا ودوليا، واعتبرت عودة قوية للدبلوماسية الجزائرية في إدارة الملف الليبي، بعد فشل اتفاق الصخيرات العام الماضي.
 تحرص وزارة الخارجية على تسهيل الحوار بين الأطراف الأساسية في العملية السياسية بليبيا، مكملة جهود الوساطة الدولية التي تقودها الأمم المتحدة، حيث استقبلت رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في 3 مناسبات، وكذا المارشال خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، لتسريع الحل السلمي والحصري بين الليبيين.
ترعى الجزائر لجنة دعم ومتابعة اتفاق السلم والمصالحة بمالي الذي نتج عنه مفاوضات ترأست وساطتها، وتتابع بدقة مسار تنفيذ الوثيقة على الأرض، مثلما تعمل على إقامة شراكة اقتصادية مثمرة عبّر عنها الوزير الأول عبد المالك سلال، خلال زيارته لباماكو، أين شهد تدشين نصب تذكاري يحمل اسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اعترافا بجهوده  في دعم السلم والمصالحة.
وقعت الجزائر والنيجر أواخر أكتوبر الماضي على 8 اتفاقيات، خلال زيارة الوزير الأول لدولة النيجر بريجي رافيني، وعرفت هذه البلدان تبادلا حثيثا في الزيارات واللقاءات الثنائية العالية المستوى، وظهر جليا وجود الرغبة القوية في التوجه نحو شراكة اقتصادية ناجحة تضاف إلى التعاون الأمني.
كما عرف الأسبوع الماضي زيارة الوزير الأول الموريتاني، يحيى ولد حدمين، أين ترأس رفقة عبد المالك سلال، اللجنة المشتركة الجزائرية الموريتانية وتم التوقيع على 14 اتفاقية، وجرى التأكيد على أهمية تعميق التعاون الأمني والتشاور السياسي حول القضايا المشتركة  ودعم سبل الاندماج الاقتصادي لدول الساحل الإفريقي.
التحركات المكثفة للدبلوماسية الجزائرية، في الجوار الإقليمي وعلى الصعيدين القاري والعربي، تهدف لتعزيز المناعة ضد الإرهاب ومختلف أشكال التهديدات الأمنية وتقوية التبادل الاقتصادي والتجاري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024