عبد القادر نور أحد أبرز روّاد الإذاعة في ذمّة اللّـه

كان سخيّا في النّضال وقامة إعلامية مرموقة

فضيلة بودريش

رحل عن الحياة عبد القادر نور أحد أهم أعمدة الصّحافة في الجزائر بعد أيام قليلة فقط من الاحتفاء باليوم العالمي للصّحافة، تاركا وراءه مسارا ثريا بالعطاء، وإرثا ينضح بالتاريخ الثوري المجيد، حيث واكب أهم المحطّات التي مرّ بها الإعلام الجزائري خاصة المسموع منها، على اعتبار أنه أحد أبرز رجالات الصحافة الذين حملوا مسؤولية بث صوت الثورة من إذاعة صوت العرب بالقاهرة، ثم ساهم في تحرير الإذاعة الوطنية من براثن الاستعمار عشية الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية.
يبقى عبد القادر نور حيّا ليس في الذّاكرة فقط بل في القلوب والوجدان وفي أثر كتبه القيّمة التي تركها، لأنه فضّل أن يسجّل شهادته في أعمال موثّقة ليحفظها للأجيال، وحتى تبقى الحقائق ماثلة وساطعة عن فترات حسّاسة في تاريخ الجزائر، لازلت أحتفظ بكتابين في مكتبتي يحملان توقيع الرّاحل نور، وأعتز بذلك كثيرا.
شاهد من ذهب
التقيت بالأستاذ عبد القادر نور عن قرب، وفي لقاء جمعني به منذ أربع سنوات دام ساعتين أو أزيد بقليل بمقر جريدة “الشعب”، حيث لم يبخل بشهادته على الجريدة التي كانت تحضّر لمجلة خاصة في عيد تأسيسها عن رفيقه في النضال والكفاح بالقلم والكلمة علي مفتاحي، أول مدير على رأس جريدة “الشعب”، التي أسّسها رفقة رجالات ثورة التحرير المجيدة، لم يبق من الأحياء ليتحدّثوا عن علي مفتاحي سوى نور، الشّاهد الوحيد والشّاهد من ذهب بالنسبة لي. وجدته عن قرب رجلا مثقّفا من الطّراز الرفيع، وإعلاميا محنكا بخبرة تدهشك تفاصيلها، وإنسانا طيبا ومتواضعا، قوته تكمن في أنه رجل جد منفتح ليست لديه عقدة الأجيال، يمكنك أن تتحدث إليه ببساطة وعفوية وتخوض معه في مختلف المواضيع.
حرص الراحل نور على رؤية المقال الذي نشر في الجريدة، فعاد رغم مرضه وتعبه مرة أخرى إلى الجريدة لأسلمه أعدادا من المجلة مبديا اهتماما كبيرا للاطّلاع عليها، وبعد أيام قليلة فاجأني بمكالمته الصوتية باعثا مجددا النقاش بحرارة كبيرة وأبدى ارتياحا لمستوى المقال من جميع النواحي، ووجّه لي دعوة لأزوره في بيته، ركب نور سيارته مغادرا واتّصلت به بعد ذلك مرتين أو ثلاث مرات، وبقي من المجاهدين الذين التقيت بهم ومازالت أتمنّى أن ألتقيهم عدة مرات لأخوض معهم في العديد من المواضيع والمسائل سواء كانت إعلامية أو تاريخية أو أدبية، لأن الرجل كان إعلاميا إذا كتب أو تحدث وأستاذا إذا قام بالتوجيه والتنوير.
ذكريات وحقائق
يعد أول وآخر شاهد خصّص كتابا مهمّا وثق فيه ميلاد “صوت الجزائر”، حيث ألّف كتابا يحمل عنوان “شاهد على ميلاد صوت الجزائر - ذكريات وحقائق”، المكافحة خلال ثورة التحرير المجيدة، وإلى جانب ذلك يعد أول رئيس تحرير للإذاعة والتلفزيون الجزائري بعد الاستقلال، وبعد ذلك شغل منصب مدير القناة الإذاعية الأولى والثانية. والجدير بالإشارة فإنّ الرّاحل عبد القادر نور التحق بصفوف جبهة التحرير الوطني وبالكفاح الثوري عندما كان طالبا، حيث بعد أن درس على يد محمد الطاهر نور، ثم في معهدا بن باديس التحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وتحصل على شهادة الليسانس في العلوم العربية والإسلامية، ويصنّف ضمن أبرز مؤسّسي أول رابطة للطلاب الجزائريّين بالقاهرة عام 1956.
مثّل المجاهد الراحل جبهة التحرير في العديد من المؤتمرات الطلابية والدولية، وكذا في الإعلام المسموع خلال ثورة التحرير، انطلاقا من ركن المغرب العربي في سنة 1956، وإلى جانب برنامج صوت الجزائر في صوت العرب.
بعد الاستقلال عاد المجاهد والإعلامي نور إلى الجزائر، ليواصل مسار النضال بصوته القوي ورصيده الثوري العالي وثقافته الواسعة وتجربته الإعلامية المهمة والجزائر مع عهد جديد وفي حاجة إلى جميع أبنائها، وشارك مرة أخرى في تحرير الإذاعة من يد الاستعمار في 28 أكتوبر 1962، وترأّس بعدها أول لجنة لتقييم البرامج القديمة.
رحل عبد القادر نور وبقيت بين أيدينا تجربة إعلامية مهمّة، وشهادات تؤرّخ لمرحلة تاريخية فارقة للجزائر، ستكون مادة مهمّة للمؤرّخين وللأجيال المقبلة، ويمكن القول أن الفقيد كان سخيّا في النّضال وقامة إعلامية مرموقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024