مصــدر موثـوق لمنتجات متنوعـة نحو الأسواق الإفريقية والدوليـة
شهدت الصادرات الجزائرية خارج المحروقات ديناميكية غير مسبوقة، خلال السنوات الماضية، بعدما كان الاستيراد هو المتحكم الأول في الاقتصاد الوطني خلال عقود ماضية، وها هي منتجات الجزائر تتجه تدريجيا نحو الأسواق الخارجية، وتساهم في الرفع من احتياطي الصرف، الذي يبلغ حاليا سبعين مليار دولار، في وقت تحرص فيه الجزائر على بلوغ هدف لرفع قيمة صادراتها خارج المحروقات إلى 30 مليار دولار في آفاق 2030 مع تخفيض فاتورة الاستيراد، وفق رؤية استشرافية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي حرص على إخراج الجزائر من التبعية لاقتصاد المحروقات إلى اقتصاد تنموي يعتمد على الإنتاج المحلي وتسويقه للخارج عبر قنوات دبلوماسية عملت على تحقيق هذا الهدف.
كشف الديوان الوطني للإحصائيات عن قفزة نوعية في مسار الصادرات الجزائرية خلال السنوات الخمس الأخيرة، مسجلة نموا ملحوظا منذ عام 2019 إلى غاية 2025، خاصة في شق الصادرات خارج المحروقات، وهو ما يعكس بداية تحول استراتيجي في بنية الاقتصاد الوطني.
فمنذ 2019، انتقلت الصادرات الجزائرية من وضعية شبه ركود إلى ديناميكية نمو متسارعة، خصوصا في شق الصادرات خارج المحروقات التي تضاعفت بأكثر من مرتين، ما يؤشر على أن الاقتصاد الوطني بدأ يضع قدمه بثبات على مسار التنويع والانفتاح المدروس على الأسواق العالمية.
ففي 2019، كانت الجزائر تواجه ضغوطا مزدوجة تمثلت في تراجع أسعار النفط عالميا وانخفاض الطلب، ما انعكس على القيمة الإجمالية للصادرات التي تراجعت لكن مع اعتماد إصلاحات على الاقتصاد الوطني لتجاوز الاقتصاد الأسود” الذي يعتمد على المحروقات، قفزت صادرات خارج المحروقات إلى 5 مليارات دولار في 2021، بعدما كانت لا تتجاوز 1.7 مليار دولار سنة 2019، ثم إلى 7 مليار دولار في 2022، بارتفاع سنوي قدره 30 بالمائة.
وشملت هذه القفزة قطاعات الصناعات الكيماوية، مواد البناء، الأسمدة، الحديد والصلب، إضافة إلى المنتجات الزراعية المحولة.
واصلت الجزائر تعزيز فائض ميزانها التجاري، مع تحسن معدل تغطية الواردات بالصادرات، كما حافظت القطاعات الصناعية والغذائية على وتيرة نمو قوية، ما رسخ مكانة الجزائر كمصدر موثوق لمنتجات متنوعة نحو الأسواق الإفريقية والدولية.
تواصل النمو وتوسّع القاعدة التصديرية
وحسب آخر تقرير للديوان الوطني للإحصائيات، فانه تم تسجيل خلال الربع الأول من 2025، قيمة الصادرات خارج المحروقات 116.9 مليار دينار، مسجلة زيادات لافتة في قطاعات المعدات ووسائل النقل، وتشير التوقعات إلى أن إجمالي الصادرات غير النفطية بنهاية السنة قد يتجاوز أرقام 2022، مدفوعا بارتفاع الطلب على المنتجات الجزائرية في إفريقيا وأوروبا.
وضمن هذا الإطار، أبرز بوزياني عمرو، رئيس الفيدرالية الجزائرية للمصدرين، أن معدل الصادرات خلال الخمس سنوات الماضية بلغ خمسة مليار دولار، مع وجود إمكانات كبيرة لترقية الصادرات في الكثير من القطاعات خاصة الفلاحة البناء والصناعة.
وأشار إلى أن هذا الأمر، انعكس إيجابا على قدرة الاقتصاد الوطني في الولوج نحو الأسواق الخارجية بمرافقة الدبلوماسية الاقتصادية التي لعبت دورا لافتا في تعزيز المنتوج المحلي بالخارج.
وفي حديثه مع “الشعب”، أكد بوزياني عمرو، أن التصدير قبل كل شيء هو مهنة تجارية يمارسها وطنيون فقط، لما تنطوي عليه من مخاطر كبيرة ومنافسة شرسة مع تجار دول ذات خبرة ووزن في الميدان.
وحول تقييمه للقفزة الكبيرة التي حققتها الصادرات خارج المحروقات خلال الفترة الماضية، أرجع بوزياني الفضل إلى السياسة الرشيدة للسلطات العليا في البلاد، التي أعطت أولوية كبرى لهذا القطاع، عبر استحداث وزارة للتجارة الخارجية وإصلاح آليات صندوق دعم وترقية الصادرات.
وأضاف أن الانخراط الكبير للمؤسسات المنتجة في مختلف المجالات – الغذائية والفلاحية والصناعية والصيدلانية وحتى المؤسسات الناشئة في قطاع التصدير – أسهم بشكل مباشر في توسيع قاعدة المنتجات المصدرة، بعدما كان التصدير في الماضي محصورا في المنتجات الفلاحية مثل التمور والخضر والفواكه.
وأشار إلى أن شركات صناعة مواد البناء كالحديد والإسمنت والخزف، إضافة إلى الصناعات البتروكيميائية والأسمدة، ومنتجي الأجهزة الكهرومنزلية، لعبت دورا رئيسيا في رفع قيمة الصادرات، إلى جانب المواد الفلاحية بمختلف أنواعها.
وأكد بوزياني أن المؤسسات المصدرة ساهمت في مسار تنويع الاقتصاد الوطني، من خلال التعريف بالمنتج الجزائري في الخارج وفرضه في الأسواق الدولية، مشيرا بفخر إلى أن المنتجات الجزائرية وصلت اليوم، بفضل دعم الحكومة، إلى 88 بلدا في أربع قارات: أوروبا، آسيا، إفريقيا، وأمريكا، مع طموح للوصول إلى 100 بلد.
وشدد بوزياني على أن نمو الصادرات خارج المحروقات حققت قفزة نوعية في منحى تصاعدي مستمر، بمرافقة المصدرين، واتخاذ إجراءات فعالة بدأت تؤتي أكلها، برغم وجود تحديات في المجال.
وكانت بلادنا قد سارعت تحت قيادة الرئيس تبون، إلى تبني إصلاحات في مجالات شتى، على غرار الجانب التشريعي المهم جدا، الذي ضمن استقرار وديمومة عبر سن قانون الاستثمار والذي تضمن تحفيزات للمتعاملين المحليين والأجانب، إلى جانب تحسين البنية التحتية الرقمية، لا سيما في قطاع التجارة الخارجية، من خلال رقمنة العمليات الجمركية والمينائية، مع دعم قطاع الصناعات التحويلية، الذي أصبح يمثل أحد محركات النمو خارج المحروقات، فضلا عن انتهاج سياسة اقتصادية تدفع بلادنا نحو استقرار مالي مستدام، صاحبه عقد شراكات دولية.
ووفقا لتقرير حديث للبنك الدولي صدر في جوان 2025، فإن الناتج الداخلي الخام خارج قطاع المحروقات في الجزائر سجل نموا قويا بلغ 4.8 بالمائة خلال سنة 2024. ويعود هذا الأداء إلى انتعاش واضح في الاستهلاك الخاص وتزايد الاستثمارات، بالإضافة إلى موسم فلاحي جيد ساعد في كبح التضخم، الذي تراجع إلى 4 بالمائة بعدما بلغ 9.3 بالمائة في 2023.
أما عن التحديات، فقد أوضح رئيس الفدرالية الجزائرية للمصدرين الجزائريين، أن النقل يبقى المشكل الأكبر الذي يعاني منه المصدرون، حيث لا تتوفر في بعض الأحيان خطوط نقل إلى بعض الدول، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل يجعل المنتجات غير تنافسية في الأسواق المستهدفة.
وبخصوص التحفيزات المطلوبة، دعا رئيس الفيدرالية إلى رفع التجريم عن عائدات التصدير مع الإبقاء على حق المتابعة والمطالبة بها، إلى جانب منح المصدر نسبة 20 بالمائة من العملة الصعبة دون تبرير للبنك.
وأشار بوزياني إلى أن تحقيق هذين المطلبين، إلى جانب دخول الاستثمارات الجديدة، سيمكن الجزائر من بلوغ هدف 20 مليار دولار صادرات خارج المحروقات خلال الخمس سنوات القادمة، وهو الهدف الذي تضعه الفيدرالية ضمن توصياتها المرفوعة للسلطات العليا.
وتكشف هذه الأرقام أن تنويع الاقتصاد الوطني، يؤكد نجاح السياسة الوطنية في تقليص الاعتماد الكبير على المحروقات، مع توسع ملحوظ في الصناعات التحويلية، مع إضفاء قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، والتركيز على تصدير منتجات مصنعة وشبه مصنعة بدل المواد الخام، وهو ما يعكس نجاعة الإصلاحات التي تبنتها بلادنا تحت القيادة الحالية، حيث تعكس توجها نحو اقتصاد إنتاجي مستدام.