استثمـارات ضخمة ورهانات استراتيجيـة

تأهّب جزائري لريادة الدول الكبرى المُصدّرة للغاز

علي مجالدي

مرحلـة جديــدة مـن الاعتمـاد علــى الإيـرادات غــير التقليديــة

رسمت الجزائر لنفسها خلال السنوات الماضية هدفًا واضحًا يتمثل في التحول إلى مركز طاقوي إقليمي، وهي رؤية لا تقوم على تطوير الاستغلال التقليدي لموارد الغاز الطبيعي فحسب، بل تمتد إلى ما هو أبعد، حيث يدخل الغاز غير التقليدي كعنصر مفصلي في هذه المعادلة، وما يمنح الجزائر تفردًا في هذا السياق على المستوى الإقليمي والدولي، هو أنها تمتلك ثالث أكبر احتياطي مؤكد من الغاز الصخري القابل للاستغلال في العالم، حيث يقدر بنحو عشرين تريليون متر مكعب.

الحجم الضخم من الاحتياطي الطاقوي، يضع البلاد في مصاف القوى الكبرى على صعيد الموارد، ويمنحها أفقًا استراتيجيًا يمكن أن يغيّر موقعها في سوق الطاقة العالمية.
إن التحول نحو الغاز غير التقليدي، ليس خيارًا اعتباطيًا، بل جاء نتيجة قراءة دقيقة للتحولات الدولية، فبعد الأزمة الأوكرانية وتراجع الإمدادات، وجد المستهلك الأوروبي نفسه مضطرًا إلى البحث عن بدائل قريبة، آمنة، وموثوقة، وهنا تبرز الجزائر بموقعها الجغرافي الذي يجعلها نقطة وصل طبيعية بين إفريقيا وأوروبا، وبشبكة بنيتها التحتية التي تسمح بنقل الغاز عبر المتوسط، فضلًا عن قدرتها على تصدير الغاز المسال نحو مختلف الأسواق العالمية، ولقد جعلت هذه المعطيات مجتمعة من خيار استغلال الغاز غير التقليدي خطوة تكميلية من شأنها أن تدعم مكانة الجزائر كشريك طاقوي أساسي لأوروبا والعديد من الدول الصناعية الكبرى.وفي سياق متصل، اتجهت الجزائر إلى بناء شراكات مع كبريات الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال وفق تقرير بلومبرغ، بينها مجموعات أمريكية كبرى من قبيل ExxonMobil وChevron متخصصة في استغلال الموارد غير التقليدية. وهي خطوة تعكس إرادة سياسية لفتح الباب أمام استثمارات ضخمة قد تصل لنحو خمسين مليار دولار، تُوزّع على مشاريع تمتد إلى حدود عام 2030. بهدف رفع إنتاج الغاز إلى حدود مائتي مليار متر مكعب سنويًا، أي بزيادة تتجاوز 40 بالمائة، مقارنة بالمستويات الحالية. وفي حالة تحقيق الهدف، فسيكون انعطافة حقيقية ليس فقط في الاقتصاد الجزائري، بل كذلك في معادلة العرض والطلب على المستوى الدولي.
علاوة على ذلك، فإن الغاز غير التقليدي يوفر للجزائر فرصة لتجاوز الاعتماد المفرط على الغاز التقليدي، وبالرغم من أن البلاد تمتلك احتياطيًا تقليديًا معتبرًا، غير أن الزيادة المستمرة في الاستهلاك الداخلي (حوالي 50 مليار متر مكعب سنويا)، والنمو الديمغرافي، وارتفاع الطلب الخارجي، كلها عوامل تستدعي التفكير في تنويع مصادر الإنتاج، مع ضرورة إدماج الغاز الصخري في المزيج الطاقوي، حيث يمثل بذلك خيارًا استراتيجيًا لضمان استدامة العائدات وتحصين الاقتصاد الوطني ضد تقلبات السوق، إضافة إلى تعزيز الصناعة الوطنية، والتي تتطلب كميات متزايدة من الطاقة في مختلف مراحل الإنتاج، خصوصًا وأن الجزائر وضعت هدفًا يتمثل في رفع صادراتها غير النفطية إلى حدود 30 مليار دولار بحلول 2030، ما يستدعي توفير قدر معتبر من الطاقة لمواكبة النمو.
ويوضح التحليل الإحصائي أن الجزائر ستتصدر الدول الكبرى المصدرة للغاز مع رفع إنتاجها إلى المستويات المستهدفة، وتُدخل اقتصادها في مرحلة جديدة من الاعتماد على الإيرادات غير التقليدية، أما المنهج التفسيري فيكشف أن هذه الخطوات ليست سوى استجابة موضوعية لتحولات الطلب العالمي وموازين القوى، حيث تبحث أوروبا عن بديل موثوق للغاز الروسي، وتبحث آسيا عن مصادر جديدة لتلبية نموها الصناعي السريع، فيما تسعى إفريقيا إلى جعل مواردها أداة للتكامل الاقتصادي بدلًا من أن تبقى مجرد أسواق تابعة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025
العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025
العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025