الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش لـ”الشعب”

احتياطي الصرف.. خط الدفاع الأول عن السّيادة

فضيلة. ب

السياسة المتوازنة حفظت للبلاد استقلالية القرار الاقتصادي

اعتبر الخبير الاقتصادي والنائب البرلماني، عبد القادر بريش، أن  الجزائر نجحت في تسيير احتياطي الصرف باحترافية عالية، وتمكنت من حمايته من التآكل دون اللجوء إلى التقشف، من خلال ترشيد النفقات، ويرى بريش أن احتياطي الصرف الأجنبي مازال يمثل خط الدفاع الأول ضد الصدمات الخارجية، باعتباره الضامن للثقة في العملة الوطنية، وتبرز أهميته أكثر مع تطور الآلة الإنتاجية الوطنية.

العديد من المؤشرات الإيجابية تحققت في الجزائر المنتصرة بفضل جهود التنمية وإطلاق المشاريع الاستثمارية، مما انعكس على احتياطي الصرف وميزان المدفوعات وضبط مستوى التضخم  وحماية القوة الشرائية، وفي هذا السياق تحدث الدكتور عبد القادر بريش الخبير الاقتصادي، عن هامش الأمان المالي المحقق بفضل حكامة التسيير ودقة التخطيط وقوة الاستشراف وكذا المهارة العالية في إدارة احتياطي الصرف وترشيد الاستيراد مع مضاعفة قوة الآلة التصديرية.
ومن منطلق التسيير الراشد والاعتماد على الإنتاج والموارد المحلية وحماية المنتجات الوطنية، لم تتخل الجزائر عن الاستيراد بل حرصت على تحقيق التوازن بين  تلبية الاحتياجات الوطنية من السلع والمواد الضرورية لضمان ديمومة واستمرارية العجلة الاقتصادية، وفي نفس الوقت صيانة هامش الأمان المالي الذي يضمن استقرار احتياطي الصرف والحفاظ على السيادة  واستقلالية القرار الوطني، واصفا هذه المعادلة الحساسة بأنها أساس الحكمة في التسيير الرشيد.

محاربة تضخيم الفواتير

وقدم الخبير الاقتصادي عرضا مفصلا عن الواقع والجهود في معادلة الإنفاق والاستيراد وما يقابله من مسؤولية الحفاظ على احتياطي الصرف من النقد الأجنبي بمستوى مرتفع لمواجهة أي أزمات طارئة، إلى جانب العمل على إيجاد مداخيل أخرى واستغلال موارد ثمينة وانخراط القطاع الخاص وتجنيده ليكون حاضرا في الأسواق والاستثمارات الخارجية. وتناول كذلك في هذا المجال الاحتياجات الوطنية وديناميكية الدورة الاقتصادية، موضحا أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن يعمل بمعزل عن العالم الخارجي. وبما أن الجزائر بحاجة إلى استيراد المواد الأولية، على غرار كل من قطع الغيار والآلات والمواد الغذائية وكذلك بعض الأدوية، على اعتبار أن هذه المدخلات تشكل شرايين الاقتصاد الوطني، لأن قطاعات أساسية مثل الصناعة، النقل، الصحة والخدمات في حاجة إليها، جاء التخطيط صارما وفق ورقة طريق تضمنت الترشيد الذكي للاستيراد بشكل يضمن انسيابية السلع الضرورية وفي نفس الوقت يحارب ظاهرة تضخيم الفواتير والممارسات غير المشروعة المرتكبة من طرف أصحاب المصالح الضيقة. وكما أن تنظيم عملية الاستيراد صبت في فائدة رشادة التسيير ومنع التلاعبات ووضع حد لكل محاولات إغراق السوق الوطنية بمنتجات كمالية.
  ومن بين ما أثاره الخبير حول الحفاظ على احتياطي الصرف كصمام أمان مالي، قال أنه يمثل خط الدفاع الأول ضد الصدمات الخارجية، وهو الضامن للثقة في العملة الوطنية، ووفقا للمعايير الدولية، فإن الحد الأدنى الآمن هو 3 أشهر من تغطية الواردات، بينما يعتبر المستوى المثالي ما بين 6 إلى 8 أشهر. وأما الوضع الحالي في الجزائر، يفوق 13 شهراً من التغطية، في وقت هذا الاحتياطي الهام مرشح للارتفاع أكثر خلال السنوات المقبلة، مما يمنح البلاد مجالا واسعا للمناورة، كما أن الظرف يفرض عدم الاعتماد على المحروقات وحدها وتنويع الصادرات في مسار انطلقت فيه الجزائر بنجاح وثقة. كما ثمن الخبير سياسة التسيير الراشد المنتهجة لأنها تسمح بعدم استنزاف الاحتياطي في استيراد الكماليات، بل توجيهه لما يغذي الإنتاج ويحقق قيمة مضافة.

تقييم دوري ربع سنوي

وأشار الخبير إلى أن الحكمة في التحكم في هذه المعادلة الثنائية بين حماية احتياطي الصرف وترشيد الاستيراد، تتجلى في الحكمة الاقتصادية والسياسية المندرجة في القدرة على ضبط معادلة ضمان تلبية الاحتياجات الوطنية الحيوية بما يحافظ على استمرارية الورشات، حركية النقل، وتلبية حاجيات المجتمع الأساسية. وفي نفس الوقت يقابلها الحفاظ على مستويات آمنة من احتياطي الصرف بما يضمن الأمن المالي، السيادة واستقلالية القرار الوطني. مؤكدا في نفس المقام أن التحدي ليس في الاختيار بين الطرفين، بل في كيفية إدارتها معا بذكاء ومرونة.
ومن المقترحات التي طرحها الخبير، نذكر أن استيراد السلع الإستراتيجية والمواد الأولية الأساسية، ينبغي أن يقابلها تشديد الرقابة الجمركية والرقابة البعدية. وكذلك اعتماد نظام حصص مرن يلبي الطلب الحقيقي دون فتح المجال أمام التبذير، بالإضافة إلى تعزيز وتنويع مصادر العملة الصعبة عبر تشجيع التصدير خارج المحروقات وتحفيز تحويلات الجالية الجزائرية. وشدد الخبير على ضرورة إجراء تقييم دوري ربع سنوي لمستوى الاحتياطي مقابل فاتورة الاستيراد لتعديل السياسات عند الحاجة.
 وخلص الدكتور بريش إلى القول، إن التسيير الرشيد لاحتياطي الصرف يكمن في تحقيق معادلة ذكية بين تلبية الاحتياجات الحيوية وضمان هامش الأمان  المالي، فـ«السياسة المتوازنة” - يقول بريش - هي ما يحفظ السيادة الوطنية ويضمن استقلالية القرار الاقتصادي في محيط دولي متقلب ومعقد.

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025
العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025
العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025