دورٌ هامّ في خلق شراكات إستراتيجية.. مختصّون لـ”الشّعب”:

توطـينُ صناعة السيارات.. كلمة سرّ الاستقـلال الاقتصادي

خالدة بن تركي

 تلبية حاجيـات السوق الإفريقيـة ودعـم التعـاون الاقتصــادي القـارّي

 يعدّ معرض التجارة البينية الإفريقي، فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول القارة، خاصة في مجال صناعة السيارات، فالجزائر تتّجه اليوم إلى بناء صناعة حقيقية تلبّي حاجيات السوق المحلية، وتفتح آفاق التصدير نحو إفريقيا، بما يساهم في خلق شراكات استراتيجية ودعم التكامل الاقتصادي.

 إفريقيا اليوم تحتاج إلى “صناعة سيارات” تناسب قدرات شعوبها المختلفة، فهناك من يطلب سيارات حديثة ومتطورة، وهناك من يبحث عن سيارات اقتصادية وبأسعار معقولة، لذلك، فإنّ تطوير هذه الصناعة داخل إفريقيا سيساعد على تلبية كل هذه الاحتياجات، ويمنح الجزائر فرصة لتكون في قلب هذا التحول من خلال جذب الاستثمارات وتبادل الخبرات وبناء شراكات جديدة تعود بالفائدة على الجميع.

ريادة إقليمية

 في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي سليمان ناصر في تصريح لـ«الشّعب”، أنّ معرض “أياتياف 2025” سيركّز على قطاع مهمّ يتعلّق بصناعة السيارات، مبرزا أنّ الجزائر مؤهّلة لأن تكون رائدة إقليميا في هذا المجال، وأشار إلى أنّ السّلطات العليا لا تريد للجزائر أن تبقى مجرّد سوق للسيارات المستوردة، بل تسعى إلى إنشاء صناعة وطنية حديثة ومتطورة.سيكون المعرض فرصة أيضا لتباحث السبل الكفيلة بتقوية التكامل الصناعي بين الدول الإفريقية، وتشجيع الاستثمارات المشتركة، وتوطين الصناعات بدل الإكتفاء بالاستيراد وإلى جانب ذلك، سيساهم المعرض في إبراز قدرات الجزائر على لعب دور ريادي كجسر للتعاون الإفريقي، بما يمهّد لتأسيس شراكات طويلة المدى تضع القارة على مسار تنموي متوازن ومستدام.أكّد الخبير أنّ الغاية الأساسية من هذه الاستراتيجية، هي بناء قاعدة صناعية متينة، قادرة في مرحلة أولى على تلبية احتياجات السوق الوطنية بشكل كاف ومنتظم، بما يقلّل من التبعية للاستيراد ويعزّز الإكتفاء الذاتي، وبعد تحقيق هذا الهدف، يكون التوجّه نحو الإنفتاح على الأسواق الإفريقية خيارا استراتيجيا، مستفيدا من الإمتيازات التي توفّرها اتفاقية التجارة الحرّة القارية الإفريقية، إضافة إلى نظام الدفع البيني الذي يسهّل المعاملات التجارية ويختصر التكاليف والإجراءات، ممّا يفتح المجال أمام الجزائر لتعزيز موقعها كمحور صناعي وتجاري إقليمي.أشار أستاذ الاقتصاد إلى تجارب ناجحة في بعض الدول الإفريقية، التي تمكّنت من تطوير صناعة السيارات، واستطاعت من خلالها تصدير إنتاجها إلى أسواق عديدة عبر العالم، وهذا يؤكّد أنّ الجزائر قادرة بدورها على خوض التجربة نفسها، خاصة وأنّ الظروف الراهنة تبدو ملائمة لبناء صناعة وطنية قوية تمنحها موقعا تنافسيا في السوقين الإفريقية والدولية.

تعزيز التعاون الاقتصادي الإفريقي

 أما بخصوص كيفية مساهمة هذا القطاع في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الإفريقية، فأكّد سليمان ناصر، أنّ صناعة السيارات يمكن أن تكون رافعة حقيقية لتعزيز التعاون الاقتصادي داخل القارة الإفريقية، فالسيارة اليوم تعدّ من السّلع الاستهلاكية الأكثر طلبا في العالم، وإفريقيا ليست استثناء من هذه القاعدة.
كما أضاف ناصر، أنّ تطوير صناعة السيارات في إفريقيا لا يقتصر على تلبية حاجيات السوق المحلية فقط، بل يفتح المجال أمام شراكات جديدة بين الدول، فمن خلال التعاون في إنتاج السيارات وقطع الغيار، يمكن للدول الإفريقية أن تقلّل من الإستيراد من الخارج وتحتفظ بقيمة اقتصادية داخل القارة، هذا التعاون يساعد أيضا على تبادل الخبرات، ويدعم التكامل الصناعي بين البلدان، ممّا يجعلها أكثر قوة في مواجهة المنافسة العالمية، وإلى جانب ذلك، فإنّ هذا القطاع سيوفّر آلاف مناصب العمل، ويشجّع على الإبتكار والتكنولوجيا، وهو ما ينعكس إيجابا على المواطن داخل القارة.غير أنّ ما يجب فهمه ويُشار إليه، أنّ الاقتصادات الإفريقية ليست على مستوى واحد، فهناك دول صاعدة تقترب من مصاف الاقتصاديات الناشئة مثل جنوب إفريقيا، مصر ونيجيريا، في مقابل دول أخرى لا تزال تعاني هشاشة اقتصادية كبيرة، مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد.أفاد الخبير، هذا التباين يجعل السوق الإفريقية بحاجة إلى تنوّع في العرض فمن جهة، هناك طلب على السيارات الفاخرة والمستوردة من أوروبا وأمريكا وآسيا، خصوصا من اليابان وكوريا الجنوبية ومن جهة أخرى، هناك حاجة ملحّة إلى سيارات ميسّرة ومنخفضة التكلفة تراعي القدرة الشرائية للمواطن الإفريقي، خاصة في الدول الفقيرة، وهنا تكمن فرصة مهمة لإنتاج مثل هذه السيارات داخل إفريقيا نفسها.يمكن القول إنّ الاستثمار في هذا المجال لن يخدم فقط الجانب الاقتصادي، بل سيساهم أيضا في تحقيق بُعد اجتماعي مهمّ، يتمثل في تسهيل تنقل المواطنين وتوفير وسائل نقل آمنة وملائمة لظروفهم، كما أنّ تطوير صناعة السيارات محليّا يفتح المجال أمام خلق مناصب شغل جديدة، ويشجّع على إدماج المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة في سلسلة الإنتاج والتوزيع، ممّا يعزّز الدورة الاقتصادية داخل القارة.

شراكات عالمية تدعم الصناعة في إفريقيا

 للتوضيح، فإنّ العديد من الدول الإفريقية باتت تسعى إلى إقامة صناعة حقيقية للسيارات، والجزائر مثال بارز من خلال استقطاب علامات عالمية مثل “فيات” و«هيونداي” بغرض تغطية السوق المحلية والتوجّه نحو التصدير، هذه الديناميكية ستخلق تنوعا في سوق السيارات الإفريقية من السيارات العالية الجودة، إلى المتوسّطة، وصولا إلى البسيطة زهيدة الثمن، وهذا ما يتماشى مع واقع القارة التي تضمّ دولا غنية وأخرى متوسّطة وأخرى فقيرة.
وأضاف الخبير الاقتصادي، معرض التجارة البينية الإفريقية موجّه بالأساس للدول الإفريقية، لكن فكرة الشراكات مع الشركات العالمية ممكنة، خاصة إذا تكرّرت التجربة الجزائرية في دول أخرى، مثل جنوب إفريقيا أو نيجيريا أو الكاميرون.هذه الدول تملك قدرات صناعية قوية، وتوجد فيها شركات عالمية كبيرة مثل “هيونداي” و«فولكسفاغن” و«بيجو”، فوجود هذه الشركات ساعدها ليس فقط في إنتاج السيارات، بل أيضا في تكوين اليد العاملة المحلية، وتوفير مناصب شغل جديدة، ونقل الخبرة والتكنولوجيا، ممّا جعلها تنافس بقوة في الأسواق الإفريقية والعالمية.أوضح سليمان ناصر، عندما تنتج هذه الشركات داخل إفريقيا، فإنّ منتجاتها تعتبر “إفريقية” وليست أوروبية أو آسيوية، ما يسمح بتسويقها داخل القارة في إطار منطقة التجارة الحرّة القارية، وهذا يمنحها امتيازات مهمة مثل الإعفاءات الجمركية وتسهيل عمليات الدفع البيني.بالتالي، يستفيد المواطن الإفريقي من سيارات تحمل علامات تجارية عالمية، لكنها مصنوعة محليا وبأسعار تناسب قدرته الشرائية، بدل استيرادها من أوروبا أو من بلدها الأصلي بتكاليف مرتفعة، وهذا الأمر يفتح المجال أمام شراكات قوية تدعم الصناعات المحلية وتلبّي حاجات المستهلك الإفريقي في الوقت نفسه.

فرصة لدخول سباق السيارات

 بدوره، أكّد رئيس جمعية وكلاء السيارات، يوسف نباش لـ«الشّعب”، أنّ للسيارة مكانة خاصة لدى المواطنين، فهي ليست مجرّد وسيلة تنقل، بل أصبحت حاجة ضرورية في حياتهم اليومية، ورغم أنّ الإنطلاقة الأولى في هذا المجال لم تكن سهلة، إلّا أنّ التجارب التي خاضتها بعض الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة، تعكس أنّ الطريق نحو صناعة حقيقية للسيارات في القارة ممكن ومتاح.كما أشار نباش إلى أنّ إفريقيا اليوم تشهد تحولات كبرى، حيث أصبحت العديد من دولها تصنع سياراتها محليا أو بالشراكة مع شركات عالمية، ممّا يعزّز قدرتها على المنافسة والتصدير وفي هذا السياق، يرى أنّ الجزائر قادرة على أن تجد لنفسها مكانة ضمن هذه الديناميكية، خاصة إذا تمّ التركيز على تطوير صناعة قطع الغيار محليّا، باعتبارها قاعدة أساسية لبناء صناعة قوية للسيارات.فيما يتعلّق بمعرض السيارات المزمع تنظيمه ضمن معرض التجارة البينية الإفريقي، شدّد على أنه يمثل فرصة ذهبية لعقد اتفاقيات وشراكات استراتيجية، مع مصانع وشركات تنشط في مجال الميكانيك والصناعة الميكانيكية، وأضاف نباش أنّ مثل هذه الفعاليات تشكّل خطوة ضرورية لتحقيق الهدف الأكبر، وهو بناء صناعة سيارات متكاملة في الجزائر قادرة على تلبية حاجيات السوق المحلية والإنفتاح على الأسواق الإفريقية.أكّد ختاما، أنّ معرض التجارة البينية الإفريقي يكتسي أهمية كبيرة للجزائر لتطوير صناعة السيارات، فهي تسعى إلى تلبية حاجات السوق المحلية والتوجّه نحو التصدير داخل القارة، هذه الخطوة ستساعد على خلق شراكات جديدة، وجذب استثمارات، وتوفير فرص عمل، ممّا يجعل الجزائر تتموقع داخل إفريقيا ويمنحها مكانة قوية في هذا المجال.الجدير بالذكر، أنّ المعرض يشهد مشاركة 27 شركة عالمية، وسيُخصّص أيضا لعرض مشاريع جزائرية واعدة، على غرار المنصة الميكانيكية بقسنطينة، ومنتجات مجمّع الصناعات الميكانيكية” أ.جي.أم”، إضافة إلى شركة “إيريس” للإطارات التي نجحت في دخول عدة أسواق إفريقية، كما تتناول ورشات العمل والمنتديات الموازية للمعرض محاور استراتيجية، من بينها مستقبل السيارات الكهربائية في إفريقيا، وبناء سلاسل القيمة لصناعة البطاريات، إلى جانب بدائل استيراد السيارات المستعملة، وسبل تعزيز التصنيع المحلي واستغلال الثروات المعدنية الإفريقية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025
19868

19868

السبت 06 سبتمبر 2025
العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025
العدد 19866

العدد 19866

الأربعاء 03 سبتمبر 2025