الخبير في الاقتصاد الطّاقوي عبد الكريم غريب لـ”الشّعب”

الجزائـــــر في رواق جيّـــــــد للسيطــــــــرة علــــــى ســــــــوق الغــــــاز

هيام لعيون

 

^ الدبلوماسية التي اعتمدها الرئيس تبون.. تؤتي ثمراتها ^ موقع الجزائر الجغرافي يسهم في خفض التكلفة

تتّجه الجزائر نحو السيطرة على سوق الغاز في العالم بجدارة، وتصبح أحد اللاعبين الرئيسيين والكبار والمؤثرين الفاعلين، باعتبارها أحد أهم مصدري الغاز الطبيعي والمسال، حيث يبرز هذا الدور خلال سنة 2024، وهذا في ظل مشاريع الاستكشاف وتوسعة محطات الإنتاج، في وقت عززت بلادنا حضورها في القارة الأوروبية، كمصدر موثوق للغاز الطبيعي المسال خلال السنوات القليلة الماضية، من خلال أسطول بحري للغاز المسال، يتكون من 11 ناقلة، وهذا رغم وجود منافسة شرسة من دول أخرى، غير الواقع المعيش عبّد لها طريق الاستحواذ على السوق الأوروبية كـشريك طاقوي استراتيجي، آمن وموثوق، بسبب سياستها الطّاقوية التي انتهجتها منذ سنوات قليلة، والمبنية على الرفع من قدراتها الإنتاجية من الغاز والرفع من وتيرة الاستكشافات، فضلا عن المشروعات الضخمة المنتظر انجازها، والتي ستسهم في زيادة صادرات البلاد من الغاز، وترشحها أكثر للهيمنة على السوق الغازية والتوسع بشكل لا يُستهان به.

توقّع عبد الكريم غريب، الخبير في الاقتصاد الطاقوي، أن تسيطر الجزائر بصفة شبه كلية على السوق الأوروبية خلال السنة 2024، موازاة مع الواقع الجيو-استراتيجي التي فتحت لها المجال للتوسع في سوق الغاز بالقارة الأوروبية، وهذا بفضل وجود عدة عوامل أهمها أن الجزائر شريك آمن وموثوق، باعتبارها المورّد الإستراتيجي للغاز بأقل التكاليف، وبتموين مستقر ودائم لأوروبا، مما يوفر عدة مزايا، ويشجع تكاملها داخل الإستراتيجية الطاقوية الأوروبية، وبفضل وجود احتياطات كبيرة من هذه المادة موازاة مع الاكتشافات التي تعلن عنها بلادنا دوريا، ضف إلى تكلفة الغاز الجزائري الأقل سعرا بالنسبة للمنافسين في السوق العالمية، على غرار أمريكا، قطر ونيجيريا، نظرا لموقعها الاستراتيجي الجغرافي الأقرب لأوروبا، كل هذا يجعل منها الشريك الموثوق بالنسبة لعملائها في الضفة الشمالية المتوسطية”.
صادرات الغاز المسال ستتجاوز الغاز الطبيعي
أكد الخبير غريب أن “صادرات الجزائر من الغاز المسال، ستتجاوز حجم صادراتها من الغاز الطبيعي، لوجود عدّة أسباب على رأسها مضاعفة كمية الإنتاج من خلال إنجاز المشاريع المنتظر دخولها حيز الخدمة، حيث تراهن بلادنا على الاستحواذ على حصة كبيرة من السوق الأوروبية عن طريق صادرات الغاز المسال، والمضيّ قدما في استكمال استراتيجيتها ومجهوداتها الضخمة المتمثلة في مجمل الشبكات التوزيعية والمركبات الإنتاجية والتحويلية لزيادة مستوى التصدير.”
وتحدث غريب عن السياسة الطاقوية في الجزائر، خاصة ما تعلق بصادرات الغاز، فقال: “لم نكن نستحوذ على الأسواق الأوروبية رغم أنها تعتبر الوجهة الأولى لنا، حيث كانت السيطرة للروس والأمريكان، لكننا كنا متموقعين في خارطة سوق الغاز الأوروبية عن طريق أنابيب الغاز وبواخر نقل الغاز المميع، لكن ليس بكميات كبيرة مقارنة مع الوقت الحالي، غير أن استشراف الوقائع وانتهاج خطة استباقية، جعل الجزائر تواكب التطورات العالمية، وفعلا طورت من إنتاج الغاز الطبيعي”، علما أن الدبلوماسية الاقتصادية والسياسة الخارجية للبلاد لعبت دورا مهما في هذا المجال”.
وأضاف غريب: “بعد المشاكل العالمية التي واجهها الغاز، وجدت الجزائر نفسها في رواق جيد لتغطية العجز في السوق الغازية الأوروبية، خاصة مع امتلاكها كميات متوفرة من المادة، ضف إلى رفع وتيرة الإنتاج، ويلجأ الأوروبيون إلى الغاز الجزائري لعدة اعتبارات أولها أنها تمثل الموقع الجغرافي الأقرب للضفة الشمالية المتوسطية، ما يجعل التكلفة أقل، وهو ما فرض على الأوروبيين التسابق إلى الجزائر للظفر بعقود تموين الغاز الطبيعي المسال، وهذا يؤهلنا بالتأكيد للظفر بحصة كبيرة من السوق الأوروبية والاستحواذ عليها بصفة شبه كلية خلال الأشهر المقبلة، بصفتنا أكبر مورد للغاز في الحوض الأورو-متوسطي.”
 تكثيف المجهودات الاستثمارية
ورغم وجود منافسة قطرية أمريكية نيجيرية، وحتى من النرويج ــ يقول المتحدث ــ  فإن جغرافية الجزائر تصنع الفارق باعتبارها الأقرب، ما يحتم علينا تكثيف المجهودات في ميدان الاستثمار للرفع من وتيرة الإنتاج، وهو ما يتجلى في إستراتيجية الدولة من خلال توسعة ميناء سكيكدة، وزيادة طاقة التخزين به، لذلك أعتقد أن القادم أفضل بفضل الاسكتشافات الجديدة، حيث توفر الجزائر التموين الطاقوي حاليا، على ضوء التغيرات الجيو-سياسية في العالم، ما يجعلها الشريك الموثوق المفضل عالميا”.
بالمقابل، لفت الخبير الاقتصادي إلى وجود استثمارات أجنبية للرفع من قدرات الجزائر من صادرات الغاز المسال، تتمثل في الاستكشاف حيث تتعامل الجزائر مع عدة بلدان أوروبية من بينها اسبانيا، إيطاليا، فرنسا، والبرتغال وعدة شركات أجنبية أخرى.
وبخصوص هذا الموضوع، أكد الخبير الطاقوي، أنّ الجزائر التي تريد التوسع في السوق الأوروبية، فتحت مجال الاستثمار لشركات أوروبية على غرار  “إيني الإيطالية”، وشركات أخرى، من خلال فتح مجال الاستكشاف، مبرزا - في السياق - أن شركة سونطراك أعلنت عن أهم استكشافاتها تتمثل خاصة في الثلاثي الأول من سنة 2023.
وأفاد الخبير أن شركة سوناطراك كانت قد أعلنت عن تحقيق ستة اكتشافات للمحروقات، اعتمادا على مجهودها الخاص، حيث تم تحقيق اكتشافين نفطيين في حوض “أمقيد مسعود”، فيما تم حفر بئرين بحوض “بركين” كانا محل تحقيق اكتشافات للنفط والغاز والمكثفات، فضلا عن ذلك، تم اكتشاف غاز مكثف في منطقة “أوهانت” بحوض إليزي، كما تم تحقيق اكتشاف للنفط والغاز في حوض “واد ميا” الواقع بالجنوب الشرقي لحقل حاسي الرمل.
  صادرات الغاز المسال.. قفزة نوعية في 2024
وتحدث الخبير الطاقوي عن ارتفاع صادرات الجزائر من الغاز المسال خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت خلال ثلاث سنوات وبداية من 2021، على التوالي 10.2 بالمائة، 11.42 بالمائة، 16.7 بالمائة خلال الربع الأول من 2023 التي تعتبر أعلى نسبة نمو على مستوى الدول العربية، وتوقع أن تشهد صادرات الجزائر من الغاز المسال قفزة نوعية خلال السنة المقبلة 2024، بعد الانتهاء من إنجاز عدة مشاريع، وتتمثل في مشروع توسعة الميناء النفطي بسكيكدة الذي تعوّل عليه سوناطراك في رفع قدرات الشحن والتفريغ، وتوسعة طاقة تخزين هذا المركب، حيث سيسمح بشحن ناقلات الغاز الطبيعي المسال الفائقة بسعة 220 ألف م3، مشيرا إلى أن الغرض من توسعة ميناء سكيكدة، استعمال البواخر الكبيرة وذلك لتخفيض تكلفة النقل.
فضلا عن ذلك ــ يقول غريب ــ سيتم بناء خزان للغاز المسال بسعة 150 ألف متر مكعب، من أجل رفع قدرات تخزين الغاز بالمنطقة الصناعية بسكيكدة، تصاحبها عمليات الصيانة المكثفة، ما يرفع وتيرة إنتاج الغاز المسال، حيث سيسمح لنا بتصدير كميات هائلة منه، وهذا ضمن استراتيجية الدولة لزيادة القدرات التسويقية والوفاء بالالتزامات الدولية بالنسبة للعملاق النفطي سونطراك، إذ تشير الإحصائيات إلى أن صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب تبلغ 23 مليار متر مكعب خلال السنة الماضية، أما صادرات الغاز المسال، فقد ارتفعت بـ16.7%، خلال الربع الأول من عام 2023، لتصبح 2.8 مليون طن مقابل 2.4 مليون طن خلال الربع المماثل من عام 2022، وفق تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك”.
الميناء العائم الجديد.. رفع قدرات التصدير
وفي معرض حديثه، تطرق غريب إلى الميناء العائم الجديد، لأنه تم تسليم أول شحنة للغاز المسال لشركة “ايني” تقدر بـ90 مليون متر مكعب من الغاز المسال للميناء العائم، لإعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي في بيومبينو في إيطاليا، حيث تم نقل هذه الشحنة التي تمت تعبئتها على مستوى مركب التمييع ببطيوة في وهران، بواسطة ناقلة الغاز المسال، حيث يعد أول شحنة تجارية بهذا الميناء، علما أن إيطاليا وقعت عدة اتفاقيات مع الجزائر في هذا المجال، وتعتبر شريكا موثوقا.
ولأن إيطاليا تحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز- يواصل غريب - تم اللجوء إلى  GNL لسرعة إرساله، حيث رفعت الجزائر من سعة إنتاجها، وهذا ما يثبت صحة توقعتنا خلال السنة المقبلة، حيث ستستحوذ الجزائر على السوق الأوروبية.
أسطول بحري في الخدمة..
من جهة أخرى، تطرق الخبير إلى مراحل إنتاج الغاز المسال، حيث قال إن مصدره الغاز الطبيعي في حالته الغازية، والذي ينتج من حقول الغاز مباشرة، مثل حقل حاسي الرمل عين صالح، أين تنتج الغاز الطبيعي بمشتقاته، كما يمكن إنتاجه من حقول البترول كذلك، وبعد وصوله لمراكز المعالجة يتم استخراج كميات هائلة من الغاز المسال، أي أن أنتاج الغاز له مصدران.. حقول الغاز وحقول البترول”.
وأبرز محدثنا أن “الغاز الطبيعي ينقل عن طريق الأنابيب، بينما ينقل الغاز المسال عن طريق ناقلات الغاز المسال، حيث تم تصميمها خصيصا لنقل الغاز الطبيعي المسال، ويتكون الغاز المسال من جزء كبير من الميثان، حوالي 60 إلى 95٪، وهو ما يفسر الاسم الذي يطلق على ناقلات الغاز الطبيعي المسال، علما أن الأسطول البحري الناقل للغاز المسال، مكون من 11 باخرة بمختلف الأحجام”.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن الغاز المسال “ينقل في الحالة السائلة عن طريق البحر، ويعتبر أقل حجمًا بما يصل إلى 600 مرة، مقارنة بحالته الغازية.. يعني 600 م مكعب من الغاز الطبيعي تصبح 1 متر مكعب من الغاز المسال، والناقلات مصنعة خصيصا لنقل الغاز عبر غرف خاصة تحتمل الضغط، وهذا ما يسمح لناقلات الغاز الطبيعي المسال بنقل كميات كبيرة جدًا.”

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024