أستاذ الاقتصاد بجامعـة مستغانم بوشيخي بوحوص لـ”الشعب”:

تفعيـل المقايضــة التجاريـة.. ترقيـة الصـادرات وتعزيـز التكامـل..

هيام لعيون

 تجاوز حاجز العملة الصعبة يُسهم في تنمية المنطقة

سقف الـ18 مليار دولار تصدير في متناول الجزائريين

تُعمم الجزائر بداية من جانفي 2024، العمل بنظام المقايضة من خلال توسيع قائمة السلع المعنية بهذه التجارة، ما يبرز وجود اهتمام بالغ بهذا النوع من المعاملات التجارية مع دول الجوار الجنوبي، في إطار ديناميكية تفعيل الاقتصاد المنتج وفق المقاربة التي انتهجتها بلادنا خلال السنوات القليلة الأخيرة، إذ يلعب هذا النوع التجاري دورا هاما في تنويع الاقتصاد المحلي من جهة، ورفع المداخيل خارج المحروقات من جهة أخرى. وعلى هذا، فإن اقتحام الجزائر للسوق الإفريقية جار عبر الولايات الجنوبية لإعطاء ديناميكية للتجارة الخارجية والرفع من قيمة الصادرات نحو إفريقيا، في ظلّ اعتماد خطوات سابقة على غرار فتح فروع لبنوك عمومية، وفتح معارض دائمة للمنتجات الجزائرية.

 أبرز أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم، بوشيخي بوحوص، أن تعميم العمل بنظام المقايضة وتوسيع قائمة السلع المعنية بهذه التجارة مع ثلاث دول حدودية وهي موريتانيا ومالي والنيجر بداية من سنة 2024، سيكون وفق خارطة طريق ممنهجة، من خلال الإحصاء الدقيق للشركات والمؤسسات التي تمكّنت من تغطية الاحتياجات الوطنية، كي يرخّص لها بالتصدير نحو إفريقيا، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، كان قد أمر وزير التجارة وترقية الصادرات الطيب زيتوني، بإحصاء مختلف المنتجات الفلاحية التي حققت الجزائر فيها فوائض كبيرة، من أجل تمكينها من الانسياب نحو العمق الإفريقي عبر نظام المقايضة المعمول به منذ القدم من قبل تجار الجنوب الكبير مع نظرائهم في العمق الإفريقي.
وقال محدثنا إن الرئيس تبون الذي طالما اعتبر جهد الفلاح خطا أحمر، كان قد أمر بالرقي بقطاع الفلاحة منذ رئاسته للبلاد، من خلال تبني عدة خطوات منها إنشاء ديوان وطني لاستيعاب المنتجات الفلاحية عبر 58 ولاية، أين تجمّع مختلف المحاصيل في هذه الدواوين ويتمّ تمريرها إلى مختلف الأسواق عبر التراب الوطني من أجل مواجهة الطلب المحلي، بينما يرسل الفائض إلى كل من موريتانيا، مالي والنيحر، في إطار نظام المقايضة.

 الخلاص من مثبطات التنمية..

 وفي السياق ذاته، أكد بوحوص أن الجزائر تتجّه إلى نظام المقايضة من أجل الخروج من اعتماد العملات الصعبة في التبادل التجاري بإفريقيا، فـ«الدولار” و«الأورو”، يعتبران من العملات الكابحة للتنمية، مؤكدا أنه “من الصعب على الدول الأفريقية الحصول على هذه العملات، وإن تعاملوا بها فإنهم يفضلون دولا غير إفريقية على غرار الصين وتركيا ومختلف الدول المنافسة؛ لذلك فإن فتح المجال للمقايضة مع موريتانيا، مالي والنيحر، سيمكّن التجار الجزائريين من عرض سلعهم بعملات إفريقية محلية، وبدورهم سيقبل التجّار الأفارقة على شراء مختلف السلع الجزائرية على غرار “التمور اليابسة” المطلوبة بكثرة هناك، البصل، الثوم، الطماطم المجفّفة، الفلفل المجفف، وأيضا المنتجات الصناعية الأخرى، وهكذا يتمّ نقل خيرات كبيرة إلى تلك الشعوب عبر هذه التجارة، وهذا من خلال تجار متمكنين في الميدان، يمتلكون شاحنات تستعمل في المجال، ويعرفون المنطقة ومختلف الطرق، وفي كثير من الأحيان تربط بينهم وبين الأفارقة صلة قرابة”.

 تعزيز الصادرات خارج المحروقات

وعن سؤال متعلق بتمكين الجزائر من الوصول إلى العمق الإفريقي من خلال تجارة المقايضة، قال بوشيخي: “طبعا بكل تأكيد، معروف أن هناك علاقات إنسانية وعائلية بين سكان تندوف وموريتانيا وأيضا بين سكان تمنراست مع مالي وإليزي ومع النيجر، حيث إن صلة القرابة متداخلة هناك، علما أن التجارة والاتصال تعمّقان التوافق والتعاون والتبادل التجاري وفق مبدأ الفوائض والنواقص والميزة التنافسية”، وأشار - في السياق - إلى أن الجزائر ستعمل على تصدير السلع والمنتجات القادمة من هناك إلى الخارج للحصول على العملة الصعبة، وبذلك تحافظ الجزائر على مكانتها الإفريقية وتستفيد من موقعها الجغرافي في ترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات”.
وعن أهم السلع المسموح المقايضة بها، أشار المتحدث إلى أن “الجزائر تملك فوائض كبيرة في التمور، والخضر والفواكه في مواسمها، على غرار البطاطا، البصل، الثوم، الزيتون، زيت الزيتون، وأيضا الأواني المنزلية خاصة الفخار، والبلاستيك، وأيضا المعلبات، لذلك أمر الرئيس وزير التجارة بالإحصاء الدقيق للمنتجات الجزائرية التي حقّقت الجزائر فوائض فيها، وهذا لن يتأتى إلا من خلال التنسيق المحكم بين وزارات التجارة الفلاحة والصناعة”.
وحول شروط نجاح المقايضة، تحدّث بوحوص عن وجود تنظيم خاص بالجنوب الجزائري لممارسة هذا النوع من التجارة، حيث يمنح للتجار الترخيص من ولاة الولايات الجنوبية العشرة، بعدما كان العمل المعتمد سابقا يتمحور فقط في مجموعة من التجار تقطن في ولايات مثل تمنراست، أدرار وإليزي، لكن هذه المرة، سوف يتمّ تسهيل العمل لمختلف المتعاملين الذين يرغبون في ذلك.
وربط محدثنا بين تجارة المقايضة ومحاربة ظاهرة تهريب السلع وبيعها بأبخس الإثمان، وأشار إلى أن الحكومة تقصد إلى تنظيم هذه التجارة ورقابتها، واحتواء سكان المناطق الحدودية عوض تركهم عرضة لجماعات المهربين. ما يساهم في خلق فرص الشغل، وتعبيد الطريق لممارسة التبادل التجاري الرسمي في الجنوب والدول الإفريقية المجاورة.

 مناطــق حـــرة..

وسألنا الخبير بوحوص عن إمكانية الحديث مستقبلا عن مناطق حرة في الحيز الجغرافي المستهدف بدل المقايضة، فأشار إلى أن “رئيس الجمهورية طلب من الحكومة السنة الفارطة، فتح معرض دائم للإنتاج هناك، أي بطريقة أخرى، فتح شبكات أسواق الفلاح والأروقة الجزائرية الشهيرة، وبالضبط في موريتانيا والسينغال، أضف إلى فتح فرعين لبنكين عموميين في قلب إفريقيا، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، تحت اسم بنك الاتحاد الجزائري، والبنك الجزائري السنغالي بداكار، علما أن المعارض الدائمة تفتح في المناطق الحرة”.
وأضاف: “مثلا، عندما قامت الجزائر مع موريتانيا بفتح الطريق الصحراوي البري غير المعبد لحد اليوم، لكنه صالح للسير عبر الشاحنات الناقلة، فالدولة الجزائرية تكفّلت بنقل مختلف المنتجات لفائدة الموريتانيين، وقد أقبل المواطنون هناك على اقتناء مختلف السلع الجزائرية، لكن تلك العملية كانت مناسباتية فقط، لذلك، فإن مسألة التحويل وإبرام الصفقات التجارية، يجب أن لا يتمّ فيها استعمال الدولار والأورو بإفريقيا، إذ تعتبر من بين العملات الكابحة للتنمية، بل المعرقلة للتجارة والبيع البينية، خاصة وأن الجزائر سوف تجني منافع كبيرة أبسطها جلب الثروة الحيوانية وحلّ مشكلة اللحوم الحمراء خاصة في الجنوب، بالإضافة إلى جلب العديد من المنتجات الفلاحية على غرار الفواكه الاستوائية، القطن، والمادة الأولية لصناعة الشوكولاتة”.

 رهــــان 18 مليـــار دولار..

في سياق آخر، تحدّث بوحوص عن انضمام الجزائر إلى مبادرة التجارة الموجهة، وقال إن الانضمام إلى هذا الفضاء الجديد، يتعلّق بإلغاء الحواجز الجمركية ما بين تلك الدول من أجل الاندماج وزيادة التبادل التجاري، حيث يرجع الجميع إلى مبدأ الفوائض والنواقص والميزة النسبية، ويحدث هذا من خلال التنسيق ما بين مختلف الإدارات والوزارات وفتح معابر على الحدود سواء الجوية، البحرية والبرية، والمرور على الخط الأخضر والمعاملة التفضيلية بالتنسيق التام مع الجمارك، حيث يكون هنا الفيصل هو تعادل الميزان التجاري، واعتماد مبدأ “رابح ــ رابح”، إضافة إلى أمور تقنية أخرى متعلقة بالمواصفات وشروط الصحة، وأشار محدثنا إلى أن “الجزائر تعمل كل ما في وسعها من أجل تأهيل القطاع الصناعي لكي ينتج وفق المواصفات العالمية، وبأقل تكلفة، وهكذا تتحقّق الميزة التنافسية، ما يضمن طلبا كبيرا على منتجاتنا في هذا الفضاء الجديد، ويمكن كسب رهان 18 مليار دولار خارج المحروقات بكل سهولة”..

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024