الخبـير الطاقـوي مهماه بوزيان لـ” لشعـب”:

ضمان الإمدادات الطاقوية على المـدى البعيد بأسعار معقولـة

هيام لعيون

 الجزائـر السنـد الأسـاس لدعم تطويـر صناعة الغاز في إفريقــيا

أكد الخبير في مجال الطاقة، مهماه بوزيان، أن رئاسة الجزائر لمنتدى الدول المصدرة للغاز خلال السنتين (2024-2025) مع حيازتها على عضوية مجلس الأمن خلال نفس الفترة، ستمكنها من المرافعة لصالح البند الوارد في “إعلان الجزائر” الذي جاء فيه “إدانة أسرة منتدى الدول المصدرة للغاز لجميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة دون الموافقة المسبقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولأي تطبيق للقوانين والتنظيمات الوطنية خارج الحدود ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز، التي تؤثر سلبا على تطوير الغاز الطبيعي وتجارته وتشكل تهديدا على أمن الإمدادات بالغاز الطبيعي”، وستمكّن من تحويل “الإدانة” إلى فعل بنائي.

 قال الباحث في المجال الطاقوي، إن “إعلان الجزائر”، أسّس لمنظور منظومي يستهدف تحقيق التوازن والعدالة والإنصاف والاستقرار والتنمية والاستدامة والأمن العالمي، من خلال “ تصور عقلاني يرى في صناعة الغاز الطبيعي منظومة تتميز بالموثوقية العالية، لما تتسم به من مرونة وقدرة على التكيّف، والمقدرة على ضمان الإمدادات الطاقوية على المدى البعيد بأسعار معقولة ومقبولة من الجميع، خصوصا بالنظر إلى مساهمات الغاز الطبيعي كصديق للبيئة في مواجهة التحديات التي تفرضها حالة “الإحترار العالمي”، وأهميته في تحقيق انتقالات طاقوية عادلة ومنصفة ومنتظمة وشاملة ومستدامة، وتمتعه بمنظومة كفيلة بتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وتلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة في العالم وضمان ولوجها السلس عالميا وللجميع، من خلال مورد الغاز كطاقة في المتناول موثوقة ومستدامة وعصرية.”

 ضمان إمدادات عالمية للطاقة
وهذا ما يستحق كما جاء في “إعلان الجزائر” إقامة حوار قوي وهادف بين المنتجين والمستهلكين وكذا الأطراف المعنية الأخرى ذات الصلة، قصد ضمان تأمين كل من العرض والطلب وتعزيز استقرار السوق والدفاع من أجل أن تكون أسواق الغاز الطبيعي منفتحة وشفافة وخالية من العوائق ودون تمييز”. وفق تعبيره.
حوار يسمح - بحسب الخبير - ببروز رؤية واضحة بعيدة المدى تبرز من خلالها التزامات الجميع للمساهمة المشتركة والتوافقية للتمكين للغاز الطبيعي ضمن مزيج الطاقة العالمي، هذه الالتزامات تمكّن من تدفق الاستثمارات، خصوصا وأن المؤشرات تشير إلى حالة من التراجع في الإنفاق (على جانبي العرض والطلب) هي قائمة الآن ومرشحة للتمدد، وقد يمتد هذا الانخفاض بشكل كبير بعد عام 2030، إذا لم تبدأ الاستثمارات بالعودة لمساراتها الطبيعية، لأن التقديرات تشير بأن صناعة الغاز بحاجة إلى استثمارت تقدر بـ 9700 مليار دولار، من هنا إلى غاية آفاق 2050 لضمان إمدادات عالمية آمنة من الطاقة.

 العصر الذهبي للغاز ..أمامنا
وفي السياق، أكد مهماه، أن قمة الجزائر لمنتدى الدول المصدرة للغاز التي عقدت بداية الأسبوع الجاري، أبرزت من خلال “إعلان الجزائر”، بأن العصر الذهبي للغاز الطبيعي أمامنا وليس وراءنا، برغم ادعاءات أطلقتها سابقا تقارير هيئات دولية معنية بالأمر، على غرار الوكالة الدولية للطاقة، حيث أضحت تروّج لنهاية العصر الذهبي للغاز، وتدّعي بأن نهايته تقترب، مشيرا إلى أن “منطق التحول الطاقوي المستغرق في الزمن، يجعل ما تدّعيه وكالة الطاقة الدولية مثيرا للاستغراب، فكيف سينتهي عصر مصدر طاقوي في بضعة عقود وهو ما يزال في حالة الإقلاع صعودا؟.
واستدل محدثنا في دحضه لادعاءات المنظمة بالقول: “على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفي جميع أنحاء العالم، شهدت الاستثمارات في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال نموا تاريخيا تراكميا مذهلا، فقد ارتفع إجمالي النفقات الرأسمالي لإسالة الغاز الطبيعي وإعادة تحويله للحالة الغازية بأكثر من 8 مرات، صعودا من 45 مليار دولار أمريكي خلال فترة (1991-2000) إلى 355 مليار دولار أمريكي في الفترة (2011-2020)”.
وأشار مهماه إلى أن “النمو الكبير في الاستثمار العالمي في تسييل الغاز الطبيعي المسال خلال العقود الثلاثة الماضية، يرجع إلى الدول الأعضاء في منتدى البلدان المصدرة للبلدان، إضافة إلى العامل الرئيسي الآخر المتمثل في الخطط الطموحة للولايات المتحدة لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال بفعل ثورة الغاز غير التقليدي (الصخري)، موضحا أن “عبارة “العصر الذهبي للغاز”، ستصبح شائعة الاستخدام، وعلى النقيض من “عصر التمويل العالي” الذي برز في شمال الأطلسي، لكنه بقي مزدريا على نحو متزايد، فإن هذا اللقب الذي سيوسم به الغاز الطبيعي سيكون له دعائم، وإحدى الجوانب الحاسمة في الأمر هو حالة التطور التي تشهدها صناعة الغاز”.

إعلان الجزائر يستشرف المخاطر والتحدّيات
وفي السياق، أبرز المتحدث أن “تجربة العشر سنوات الماضية وتقلباتها، ومزاجية الخطط التي تتبارى الدول المستهلكة والشرهة للطاقة والسعي لإنفاذها بشكل إنفرادي، أدى إلى توالد الصدمات وآخرها صدمة أسعار الغاز الاستثنائية بشكل قياسي غير مسبوق خلال عامي (2021-2022)، وهو ما نلمسه في بيان “إعلان الجزائر” الذي عبر بلغة قوية عن حالة قلق أسرة المنتدى إزاء التذبذبات المتكررة في الطلب على الغاز الطبيعي والتي تؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي العالمي، إضافة إلى أهمية عقود الغاز الطبيعي المتوسطة وطويلة الأمد، وأسعار عادلة ومستقرة للغاز الطبيعي، واستثمارات دائمة في مجال الغاز الطبيعي لتعزيز الأمن الطاقوي ودعم تطوير أنظمة طاقوية قادرة على الصمود”.
كما أن الأحداث غير المتوقعة سياسيا، صحيا، طاقويا وماليا -  يقول مهماه - على غرار الأزمة الأوكرانية، وجائحة كورونا، وطفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، والزيادة السريعة في الطلب الآسيوي، والأزمة الاقتصادية الأوروبية، وانزياح الاستثمارت نحو الاخضرار بشكل فيه من الفجائية الكثير، والتي أدت إلى تعطيل سوق الغاز في السنوات الثماني الماضية، ونشوء تناقضات هائلة في الأسعار بين الأسواق الإقليمية، ما يجعلنا حذرين جدا، وهذا ما نلمسه في صلب بيان “إعلان الجزائر” الذي أكد على “المخاطر والتحديات التي تواجهها سوق الغاز الطبيعي والناجمة عن الوضعية الجيوسياسية والاقتصادية”.
وأكد البيان -  وفق قراءة مهماه - على رفض أسرة المنتدى لأي استخدام للتغير المناخي كمبرر لإنفاذ إجراءات تعيق الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي ولاستحداث أي وسائل للتمييز الإعتباطي أو أية قيود مقنعة تخالف بشكل مباشر قواعد التجارة الدولية، مع التأكيد المتكرر في صلب نص الإعلان على “تعزيز التنمية المستدامة التي تعود بالفائدة على المنتجين والمستهلكين، الدور الأساسي للغاز الطبيعي في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، مع إبراز عزم أسرة منتدى الدول المصدرة للغاز على تعزيز التعاون فيما بينهم بهدف الإبقاء على موثوقية أنظمة الغاز الطبيعي وقدرتها على الصمود، وتوفير إمدادات فعالة وموثوقة من الغاز الطبيعي وتوسيع استعمال الغاز الطبيعي لتنمية مستدامة والتخفيف من وطأة تغير المناخ والتكيف معه.

رفض التدخلات المصطنعة
وأشار مهماه إلى أن “إعلان الجزائر” يتضمن “رفض أي تدخلات مصطنعة في أسواق الغاز الطبيعي، بما فيها محاولات التأثير على آليات وضع الأسعار ووظائف إدارة المخاطر في الأسواق، إلى جانب تسقيف الأسعار بدوافع سياسية، مما يؤدي إلى تفاقم التضييق على الأسواق وتثبيط الاستثمارات اللازمة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، وللتطبيق أحادي الجانب للإجراءات والتدابير الجبائية غير المسبوقة والتي يجري تبريرها تحت طائلة ضمان أمن الإمدادات بالطاقة بالنسبة للبعض، على حساب قواعد أسواق الغاز الطبيعي، مما قد يهدد باستفحال اختلال التوازنات على حساب الشعوب التي تعيش أوضاعا هشة.”
ويرى مهماه أن “وثيقة الجزائر” أسست لمقاربة عقلانية تتجاوز بسلاسة مثل هذا الإجراء الخطير على الأمن الطاقوي العالمي والمضر بمصالح الجميع مستهلكين ومنتجين، من خلال إبراز إرادة الحوار البناء والمثمر والتعاون والتشارك والتوافق بين أسرة الدول المصدرة للغاز والمستهلكين، ونجد هذا بارزا في بنوده: “دعم أسرة الدول المصدرة للغاز للحوار القوي والهادف بين المنتجين والمستهلكين وكذا الأطراف المعنية الأخرى ذات الصلة، قصد ضمان تأمين كل من العرض والطلب وتعزيز استقرار السوق والدفاع من أجل أن تكون أسواق الغاز الطبيعي منفتحة وشفافة وخالية من العوائق ودون تمييز”.

تطوير صناعة الغاز بإفريقيا
وتطرق الخبير إلى انضمام دول جديدة للمنتدى على غرار السنغال وموريتانا، وقال إن “الجزائر تنظر إلى إمدادات الغاز العالمية، ضمن المنطق التجاري التنافسي، من زاوية معادلة العلاقة المفتوحة وليس المغلقة أو الصفرية، بمعنى أن الأسواق الجديدة التي ستكسبها موريتانيا أو السنغال أو الموزمبيق أو غيرهم من أعضاء المنتدى، هو مكسب لكل أسرة المنتدى التي تستهدف التمكين لمورد الغاز الطبيعي ضمن المزيج الطاقوي العالمي، ولا تستهدف نظام المُحاصصة أو التمحور حول الحصص”.
وأضاف: “الجزائر تدرك جيدا بأن غاز الجميع له مكانة في السوق الطاقوية، وأن السوق تسع الغاز للجميع، خصوصا وأن الرهان الجوهري هو التمكين للتوريد عن طريق العقود الطويلة الآجال، لذلك تُرحب الجزائر بالجميع وترحب بالتعاون معهم لتعزيز مقدراتهم، فنجاح التمكين للرؤية الجماعية المشتركة لأسرة المنتدى هو نجاح لمسعى التمكين للغاز الطبيعي كطاقة معبر ومرسى وواجهة.”
وعلى هذا – يقول مهماه - فإنه مع حصول موريتانيا على العضوية الكامل ضمن تعداد الأعضاء الدائمين للمنتدى، وقبول عضوية السنغال رسميا، يؤكد أن “هاتين الدولتين الحديثتي الاستكشافات في مجال الغاز، الوجهة القادمة للشراكة الجزائرية معهما وتعضيد صناعتهما الناشئة في مجال الغاز بالخبرة الجزائرية العالية المستوى والتحكم، في إطار تنفيذ إستراتيجية الجزائر للتوجه نحو إفريقيا والاستثمار بها والتواجد فيها.”
وأوضح محدثنا أن مشروع أنبوب الغاز النايجيري-النيجري-الجزائري العابر للصحراء، سيكون مشروعا تنمويا عظيم الشأن، خصوصا وأنه مسجل في وثائق الإتحاد الإفريقي من بين الـ16 مشروعا مُهيكَلا ومُهَيْكِلا، ويعول عليه لخلق تنمية شاملة ومستدامة على طول مساره البالغ 4128 كلم والحامل، مع الـ30 مليار متر مكعب من الغاز، سيشكل رؤية تنموية ستمس كل دول العبور والجوار (مالي بوركينافاسو، تشاد، ليبيا، تونس).”
وخلص مهماه للتأكيد على أن “وجود المعهد الدولي لأبحاث الغاز بالجزائر، والمعهد الإفريقي لعلوم المياه والطاقة والتغيرات المناخية بجامعة تلمسان، وانضمام الوكالة الفضائية الجزائرية للمجلس الإفريقي للفضاء وإلى شبكته الإفريقية، وحيازة الشركة الوطنية سوناطراك على مقدرات عالية في الاستكشاف والإنتاج، فهي تتكفل بـ (83%) من هذا النشاط لوحدها وبإمكانيتها الخاصة، كل هذا يجعل من الجزائر السند الأساس لدعم تطوير صناعة الغاز في أفريقيا، وتعزيز تنمية المشاريع الطاقوية التي تتطلع إليها الشعوب الإفريقية قاطبة”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024