أضواء على تطور تقنيات تنمية المحروقات

استغلال عقلاني للموارد الطبيعية لتفادي أي صدمة

سعيد ب

تمثل المحروقات موردا طاقويا أساسيا لكنها غير متجددة. ويعد البترول والغاز نتاج تحولات طويلة على امتداد ملايين السنين في باطن الأرض. وينجم عن تحول كيماوي لمواد عضوية في أعماق بين 1500 و2000 متر تحت الأرض وفي ظل حرارة تقدر بحوالي 60 درجة  مئوية ميلاد المحروقات السائلة وهي البترول. وفي عملية تحول تحت حرارة أعلى من 120 درجة ينفجر الغاز الطبيعي. ويحكم حياة المحروقات نظام بترولي يتشكل من مختلف المراحل التي تحتضنه من القشرة الصخرية الأم في أسفل باطن الأرض إلى الخزان والغطاء أو المكمن الذي يستقر فيه البترول أو الغاز. من هذه الحقيقة انطلقت دراسة أعدتها الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات وسلطة ضبط المحروقات بإشراف وزارة الطاقة تشخص وتشرح تطور تقنيات تنمية المحروقات عبر العالم وفي بلادنا، علما أن النقاش يعرف احتداما بين مؤيد للانتقال إلى استغلال الغاز الصخري ومعارضين له ولكل مبرراته.


الغاز أو الزيت الصخري مورد ثمين
ما عدا تنقل هذا النوع من المحروقات فإنها تخضع لنفس النظام البترولي، والغاز الصخري هو محروقات في حالة تخزين طبيعي في الصخرة الأم ولذلك تضطر الصناعة البترولية إلى إحداث الفجوة الهيدروليكية( بواسطة ضخ  المياه) لإتمام العملية التي لم تحققها الطبيعة. وينبغي التوضيح أن المحروقات التقليدية موجودة في قشرة صخرية شفافة يكفي القيام بانجاز عملية حفر بئر لاستغلالها، أما بالنسبة للمحروقات غير التقليدية فإنها توجد في قشرة صخرية صلبة ويتطلب استغلالها عن طريق استعمال قوة المياه لإحداث كسر وحفر آبار أفقية في شكل شبكة أنفاق تجمع الغاز من مكامنه للدفع به إلى الأعلى.
وكان أول بئر غاز طبيعي تم حفره بالولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1821 ولم تتوقف تقنيات الاستخراج والاستغلال عن التطور من أجل تحسين وتأمين العمليات البترولية خاصة ما يخص الآبار وعمليات تنشيط الخزانات مثل الفجوة الهيدروليكية. بالرغم من أن هذه العلميات التي تشمل كسر الصخور بالماء تحت الضغط العالي من أجل تحرير الغاز أو الزيت كانت قليلة المردودية في البداية سنة 1949، استمر استعمال هذه التقنية وتطويرها الى غاية التحكم فيها كما هو الوضع حاليا. وأطلق إنتاج الغاز أو الزيت الصخري في أمريكا سنة 2007 بعد نجاح أول عملياته في 2005 .
تطور تقنيات الاستغلال في العالم
أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية في 2009 أول بلد منتج للغاز الطبيعي في العالم تسبق روسيا. ومذّاك عرفت التقنيات الجديدة لاستخراج الغاز الطبيعي من الصخور تطورا كبيرا تتمثل أساسا في تقنيتين أحدثتا تغييرا في الصناعة البترولية ويتعلق الأمر بالآبار الأفقية والكسر بواسطة المياه وانطلق الإنتاج عمليا في 1998. وينبغي الإشارة إلى أن المحروقات غير التقليدية ( الغاز الصخري) صعبة ومكلفة خلال الاستغلال ولذلك تشكل تحديا تكنولوجيا لما تتطلبه مراحل الإنتاج من كفاءات في مختلف التخصصات ذات الصلة. وقد تحققت في بلدان واكبت هذا التحول مثل أمريكا تقدما في هذا الصدد بتطوير أداوت تقنية ضرورية للتحكم في كسر الصخور الغازية مع السهر على تأمين وحماية البيئة وهو أمر يبقى في صلب اهتمامات الباحثين. وفي هذا الإطار تبين مثلا بفضل البحث أن استخدام المياه المالحة في عملية إحداث الفجوة الصخرة لتحرير مكامن الغاز يحمل نجاعة أكثر ويقلل من وجود البكتيريا ويوجد عمل للتوصل إلى تقليص كميات المياه التي تتطلبها عملية الكسر.
إعداد الكفاءات للتحكم في التقنيات
يحذر معارضو استغلال الغاز الصخري من منطلق الخشية من تأثيرات إحداث الفجوة الصخرية بواسطة ضغط المياه من حدوث تلوث المياه الجوفية واحتمال حدوث زلازل، غير أن توسيع دائرة الخوف من هذا النوع للصناعة البترولية ( إنتاج المحروقات غير التقليدية) يتطلب اعتماد مقاربات واقعية يستخلص نتائجها أهل الاختصاص علما أنه في أمريكا بالذات بدأ معارضو الغاز الصخري يحذرون من انعكاساته على البيئة.
بالنسبة للجانب التقني فإن تقنيات الحفر والأنفاق الأفقية والكسر بالمياه ليست جديدة ولا استثنائية فهي مستعملة بمعايير الأمن والسلامة وباحترام قواعد حماية المحيط البيئي عبر عدد من بلدان العامل وفي الجزائر. لكن الانشغال يكون في حالة مضاعفة استعمال هذه التقنيات، علما أن خدمات الكسر والحفر تقوم بها شركات متخصصة تخصص لتطوير التقنيات ميزانيات هائلة. وبالنسبة للظرف الجهوي أو شروط الاستغلال الإقليمية فان لكل منطقة أو بلد شروطه وخصوصياته، التي تختلف من أوروبا إلى أمريكا أو في إفريقيا والجزائر. ومن تلك الشروط تجدر الإشارة إلى كثافة السكان، المعوقات البيئية حجم الأحواض وشبكة هياكل النقل .
وبالاستناد لخبراء في هذا الميدان فإن الصخور الغازية في الجزائر توجد على بعد من الأحواض المائية الجوفية، على عمق 1200 متر وأكثر. وتفصل بينهما طبقات متعددة وسميكة وأغلبها لا تتسرب منها السوائل، علما إن الحفر يتم بأنابيب صلبة ترافقها عمليات تلبيس بالإسمنت مما يعزل الأجزاء الخارجية. كما أن تقنيات الحفر البترولي في البحار توفر قدرات تقلل من حدة التخوف لدى البعض من احتمال حدوث تشققات جراء حفر آبار وأنفاق أفقية. ومن الطبيعي والمشروع أن يتساءل المهتمون حول حجم المياه المستعملة والإضافات الكيماوية والرمال التي تتطلبها عملية الكسر أو إحداث الفجوة في الصخور الغازية. والواقع كما يشير إليه المختصون فإن المخاطر والحوادث توجد في كافة الصناعات وبالذات في النشاطات البترولية، لكن المطلوب هو استخلاص الدروس باستمرار واتخاذ التدابير اللازمة في كل مرة من أجل التقليل من درجة الخطورة والتوصل غلى التحكم في التقنيات من البداية إلى النهاية.
ضرورة إرساء استقلالية طاقوية
الأصل أن لكل بلد الحق في البحث عن الحفاظ على وتيرة ملائمة للتنمية من أجل ضمان شروط حياة أفضل لمواطنيه مع الحرص على ترك بلد يتمتع بالرفاه والاستقرار والنمو إلى تقصى قدر ممكن لفائدة الأجيال المستقبلية. وعلى هذا النحو تواصل الجزائر بذل الجهود في سياق التنمية، بينما لا يمكن تحقيق الأهداف على هذا النحو دون وفرة الطاقة والتمتع بها في كل الأوقات. ويمثل خيار الاستقلالية الطاقوية عاملا استراتيجيا خاصة في ظل ارتفاع حجم الطلب جراء اتساع مساحة الورشات وحجم البرامج الاستثمارية ومخططات التنمية. ولا تتوفر حاليا مصادر جديدة للطاقة كالتكنولوجيا النووية كما لا تنتج مناجم الفحم كميات مرتفعة بشكل كاف وبالتالي لا يمكن اعتمادها في النسيج الطاقوي على المديين المتوسط والطويل. وبالنسبة للطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية التي لا يمكن تجاهلها فإنها حسب ذات المصدر تعد مكلفة مقارنة بالقيمة التي تسوق بها إلى المستهلك وتتطلب موارد مالية مرتفعة.
ومع ذلك سطرت الجزائر مسار لهذا الغرض وصادقت الحكومة على برنامج لتنمية الطاقات الجديدة والمتجددة والفعالية الطاقوية، ودخلت محطة هجينة هي الأولى تشتغل بالغاز والشمس العمل منذ سنة 2011 ومن المقر تركيب خلال هذه السنة قدرات ب400 ميغاواط انطلاقا من خلايا الألواح الشمسية. وبهذه الطاقة تصنف الجزائر ضمن البلدان الإفريقية الأولى في إنتاج الطاقة الشمسية. غير أنه ينبغي الانتقال إلى هذه الطاقات المتجددة بالتدريج بالنظر للتكلفة علما أن أمريكا مثلا تتوفر على قدرات في الطاقة الشمسية لكنهم يراهنون على المحرقات غير التقليدية.
وتتوفر قناعة واحدة وواقعية اليوم تقود إلى إرساء استقلالية طاقوية هي استغلال مواردنا من المحروقات مع مواصلة العمل في حقل البحث عن استغلال المحروقات التقليدية وغي التقليدية التي يزخر بها باطن أرض بلادنا. وبهذا الاتجاه فإنه من المفيد المبادرة في القيام بأشغال دراسات وتقييم للتأكد من الاحتياطي والجدوى التقنية والاقتصادية لاستغلال هذه الموارد. وبالطبع قبل المرور إلى أي عملية استغلال للغاز الصخري يجب الالتزام باحترام بعض المراحل وهي: - تقييم القدرات الموجودة وتقدير ما يمكن تحصيله – إعداد سلسلة من الدراسات الخاصة بالجدوى – القيام بدراسات تقنية اقتصادية – إجراء تجارب لعدة سنوات متتالية خاصة في مرحلة البحث – إنجاز عملية نموذجية تسمح بالقيام بالتجارب لمدة تصل إلى أربع سنوات.
 أولوية حماية البيئة
تلبي الجزائر احتياجاتها اليوم من خلال موارد المحروقات خاصة الغاز الطبيعي الأكثر وفرة، ولا يتم اللجوء إلى مصادر أخرى إلا في حالة عدم استعمال الغاز، وتقدر احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي بحجم يصل إلى 45 مليار متر مكعب في أفق سنة 2020 و55 مليار متر مكعب في 2030. وتضاف إلى هذا الكميات التي توجه إلى التصدير والتي تمول مواردها برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن أجل ضمان تموين وتمويل احتياجاتنا الطاقوية مستقبلا سواء بالنسبة للاستهلاك الداخلي في سوق وطنية تعرف ارتفاع الطلب على الطاقة أو بالنسبة للتصدير إلى الزبائن التقليديين فإنه من الطبيعي اللجوء إلى استغلال كافة الفرص التي يمنحها لنا قطاع الأملاك المنجمية الوطنية. ولذلك من المهم مواصلة تجنيد كافة الجهود من أجل تحسين وبشكل معتبر نسبة التغطية لمناجمنا قاطبة عن طريق تكثيف الاستغلال وتقدير حجمه للانتقال إلى استغلاله.
ولذلك فإن الفرصة سانحة للتحضير مبكرا لإقامة المحيط اللازم من حيث توفير الموارد البشرية والمادية الضرورية لاستغلال الطاقات الهائلة من الغاز غير التقليدي ( الغاز الصخري) الموجود في باطن أرضنا. وللإشارة فإن الأشغال التي أنجزتها شركة سوناطراك أو الدراسات التي أعدتها الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات (النفط)، تسمح بالتأكيد على أن المجال المنجمي للمحروقات يتوفر على موارد معتبرة لهذا النوع من المحروقات، ولمواجهة احتمال أزمة طاقة أو تراجع حاد للعملة الصعبة يجب على الجزائر أن تواصل على الأقل طيلة السنوات العشر القادمة جهود تصدير المحروقات حتى ولو أن جوف أرضنا يخفي المزيد من المحروقات التقليدية وغير التقليدية، التي ينبغي التعامل معها بالمعايير العلمية والتقنيات التي تضمن شروط الأمن والسلامة وحماية البيئة في المنظور بعيد المدى. ولذلك لا ينبغي النوم على الوفرة الحالية مكتفين بالموجود بينما بلدان أخرى أقل موارد تسارع إلى توظيف كامل طاقاتها لتفادي أي صدمة مالية خارجية، الأمر الذي يتطلب استغلال وبعقلانية كامل القدرات الوطنية لتجاوز تأثيرات أزمة الطاقة العالمية التي بدأت تلوح في الأفق وهو موقف يلزم كل الفاعلين من صناعيين وخبراء وباحثين ومقررين، الالتفاف على خيار يضمن المصلحة الوطنية في حينه وفي المستقبل لضمان استقلالية طاقوية ترتكز عليها مفاهيم الاستقلالية في كل الميادين.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024