نادية شطاب دكتورة في الاقتصاد:

ضرورة خلق مخابر بحث داخل المناطق الصناعية وربطها بالجامعة

فضيلة بودريش

خمس ولايات ساحلية تستقطب40 بالمائة من مؤسسات التصنيع

دعت البرفيسور نادية شطاب إلى ضرورة استحداث على مستوى مشاريع المناطق الصناعية الجديدة وحظائر النشاطات التي توجد قيد التهيئة والإنجاز مخابر ومراكز بحث، وربطها بالجامعة وتعتقد أن الظرف الاقتصادي الحالي ليس سيئا للغاية ولم يبلغ درجة اليأس، على اعتبار أن استدامة المؤشرات الخارجية والداخلية مزدوجا مازال في المتناول، في حين احتياطي الصرف الوطني استقر في حدود 160 مليار دولار، وكل ذلك يسمح بدعم وتحقيق التوازن الخارجي والبقاء في وضع مريح على الأقل لمدة سنتين.
عكفت الخبيرة الاقتصادية نادية شطاب بنظرة معمقة ودقيقة على تشريع واقع النسيج الصناعي الوطني والقدرات التي تنام عليها القاعدة الصناعية، كما وقفت بالكثير من التحليل مستندة على ضوء الأرقام ومعتمدة على العديد من المؤشرات، على التحديات التي تواجهها الجزائر في ظل أزمة أسعار النفط، واستمرار تآكل احتياطي الصرف وتقلص المداخيل وكذا تراجع صادرات المحروقات، وبخصوص ما يتسم به الاقتصاد الوطني في الظرف الراهن، عادت إلى الأرقام المسجلة خلال عام 2015، حيث اعتبرت أن الأثر المزدوج المتمثل في تراجع أسعار النفط وكذا تقلص كميات المحروقات المصدرة تضع الاقتصاد الوطني في وضع صعب يجب تداركه بالحلول الناجعة. ويضاف إلى كل ذلك عودة فائض العرض للسوق العالمي الذي ساهم في الإسفار عن تسجيل تراجع صافي المداخيل على مستوى الميزانية العمومية وهذا ما يترجم على حد تأكيدها تقلص الجباية البترولية بنحو “-33” بالمائة مع تسجيل تراجع وتأثر قدرات التمويل من طرف الخزينة العمومية بنسبة53 بالمائة، دون إغفال التآكل بشكل سريع لموارد صندوق ضبط الإيرادات أي 967 مليار دينار التي غطت هوة العجز المالي للعام الفارط. ومن بين المؤشرات السلبية التي ركزت عليها شطاب بتمعن انخفاض كمية المحروقات الموجهة للتصدير، كونها تراجعت إلى النصف، ولم تخف في نفس المقام أن الأثر المزدوج للتقليص من الواردات الذي مس عمليا جميع الأصناف على غرار التجهيزات الفلاحية والصناعية، والارتفاع الطفيف للصادرات خارج المحروقات لم يتمكن من تعويض تراجع صادرات المحروقات، حيث العجز المالي سجل بشكل شهري منذ بداية 2014، وهذا الاتجاه السلبي لم ترجعه الأستاذة الجامعية فقط إلى تراجع أسعار النفط وتقلص الكميات المصدرة، وإنما إلى ما أسمته إلى التحويلات المعتبرة التي جمعتها المؤسسات الأجنبية نحو البنوك الخارجية وباتجاه بلدانها، وكل هذه المعطيات تثقل كاهل الاقتصاد الوطني الذي يوجد اليوم في وضعية التشكيل وهذا ما يعزز حسب تقديرها من التخوف من الأزمة. لكن وبلغة تفاؤولية تعتقد شطاب أن الوضع ليس سيئا لدرجة اليأس على اعتبار أن استدامة المؤشرات الخارجية والداخلية مزدوجا في المتناول، في حين احتياطي الصرف الوطني استقر في حدود 160 مليار دولار، وكل ذلك يسمح بدعم وتحقيق التوازن الخارجي والبقاء في وضع مريح على الأقل لمدة سنتين. وعلى صعيد آخر هذا الوضع الإيجابي المسجل رغم فائض عرض السوق النفطية العالمية، لا يجب أن يجعلنا كما قالت البرفسور أن ننسى أن السوق العالمي بصدد التغير بشكل سريع للغاية، وبسرعة أكبر مستقبلا، ويفرض علينا تجريب استغلال قدراتنا المتاحة بشكل فعلي.
نظام مفتوح على حرية الأسعار لا يتحكم فيه
ومن التحديات التي رصدتها الخبيرة الاقتصادية شطاب عدم الانتظار وترقب ارتفاع أسعار المحروقات، التي لن تغير من الوضع شيئا، كون الجزائر اليوم جزأ لا يتجزأ من نظام مفتوح على حرية الأسعار، حيث يمكن لهذه الأخيرة أن تعرف أدنى مستوياتها، وليس للجزائر القدرة على التحكم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفعالية المؤسساتية وصلابة الهياكل لها كلفتها المرتفعة، لذا بلدنا هذه المرة مجبر أن يحضر لعالم مختلف بشكل جذري خاصة بسبب عوامل ديموغرافية وإلى جانب التناقص في  الموارد. وأسهبت الأستاذة شطاب في الحديث ما أطلقت عليه بالنظام المفتوح على الأسعار، الذي يمكن أن تتهاوى فيه هذه الأخيرة ويصعب التحكم فيها، وفي كل ذلك الجزائر تخوض في الوقت الحالي إصلاحات اقتصادية، ويجب أن تكون بنظرة صائبة وبجدية وفي مسار رئيسي، واغتنمت الفرصة لتتطرق للطابع الاجتماعي الذي يؤطر الوضع السائد منذ الاستقلال، لأنه يعتمد على الدولة في كل كبيرة وصغيرة، لان الاقتصاد اليوم  يحتاج إلى دينامكية سريعة وفعالية مطردة في ظل العولمة، من أجل مواكبة تطور الأسواق وما وصفته بالتطور المكاني والتقني للابتكار وبراءات التحويل الهيكلي، علما أن كسب هذا الرهان صار ممكنا كون الدولة بدأت ترفع ثقلها شيئا فشيئا وأمام تراجع الذهب الأسود الذي يحفز أكثر على الانفتاح على قدرات القطاع الخاص، وعلى ضوء رصد حجم التحويلات الاجتماعية التي لم تقل في2015 عن 112069 مليار دينار تقترح شطاب ضرورة الاتجاه نحو خلق الثروة، فضلا عن قناعتها المتمثلة في أن المتعاملين الاقتصاديين بقوا مدة طويلة بعيدا عن فعالية السوق، لذا إعادة الاعتبار للمنافسة متوقفة على الدعم والضبط العمومي، لأن الجزائر صارت في حاجة إلى توازن ديناميكي يعالج التغيرات التي تأثرت بالعولمة ويواصل مسار الديمومة وتجاوز الصدمة الخارجية من خلال استغلال جميع  الإمكانيات وإدماج مختلف القوى.
وفيما يتعلق بمشروع الحظائر الاقتصادية والمناطق الصناعية دعت إلى إرساء فضاءات تلعب دور الوسيط وتدعم إنتاجية المؤسسة بالابتكار مثل مخابر البحث وربط المؤسسة بشكل تلقائي بالجامعة، كون هذه الفضاءات التي يجري تهيئها جاءت في بوتقة تكوين المؤسسات حتى تنجح في التحكم في التكنولوجيا المحولة إليها من الخارج. في ظل الاستمرار في ارتفاع فاتورة تنويع الاقتصاد.
نقاط القوة في فضاءات النشاط الصناعي   
وحول الحظوظ المتوفرة لتنويع الاقتصاد الوطني أجرت الخبيرة والأستاذة شطاب رفقة زميلين لها في إطار البرنامج الوطني للبحث دراسة استكشافية حول النسيج الصناعي الجزائري، بهدف تحديد تكوينات المناطق وخصوصيتها القطاعية وقدراتها التنموية، والتعرف على نقاط القوة في فضاءات النشاط من أجل تنمية وتنشئة القطاعات القادرة على الإنتاج وتعميم هذه التجربة والسهر على ترقيتها. فعلى المدى الطويل توجد العديد من الامتيازات، وعلى ضوء تحليل مركب يركز على أهم مجموع المؤشرات، حيث تم تسجيل ثلاث تركيبات لهذه المناطق. والمنطقة الأولى أكدت الأستاذة شطاب تمثل كثافة علمية نسبيا قوية، وآلة إنتاج متنوعة من حيث التكنولوجيا، وبعض مستويات النشاطات فيها تؤكد أحسن النجاعة، ويمكن القول أن هذا النوع من التنمية الاقتصادية يجلب التنوع والهيكلة الصناعية حيث تشمل هذه المنطقة كل من العاصمة والبليدة وبومرداس ووهران وتيبازة وتيزي وزو وقسنطينة وسطيف وعنابة والعاصمة، ويوجد بها المؤسسات المتوسطة أي ولايات بالشمال والوسط، ويغلب عليها طابع المناطق الصناعية وتتمركز بهذه المنطقة17 منطقة صناعية، أي بنسبة27 بالمائة من مجموع المناطق الصناعية عبر الوطن، بينما أكبر خمس ولايات  وهي العاصمة والبليدة ووهران وقسنطينة وعنابة تشكل وحدها 10بالمائة وتستقطب أزيد من40 بالمائة من مؤسسات التصنيع الوطنية، وتسيطر الصناعة عليها وسجلت تطورا كبيرا في الخدمات مثل النقل، في حين على مستوى المناطق الداخلية لا توجد قوى التكتل التي تتجه نحو التخصص الصناعي، أي يسجل ضعف في دينامكية التكتل مع غياب الرسكلة والابتكار، فصناعة هذه المناطق تتمثل في تخصص ما بين الصناعات، وترى شطاب أن هيكلة المناطق الساحلية يحقق التنوع ويبقى تحدي تجسيد النجاعة.  
والجدير بالذكر فإن مناطق مثل بجاية وتلمسان بدأت تنوع هيكلتها الصناعية، ورهان هذه المناطق الاتفاق حول تنويع التخصصات، وحول منطقة الجنوب والهضاب العليا، اعترفت شطاب أن النشاط الصناعي فيها مازال قليل التنوع مثل النعامة وتسيمسيلت والبيض والجلفة وخنشلة كون الطابع الذي تمتاز به هذه الولايات فلاحي محض، لذل يتمركز عدد متقلص للمناطق الصناعية، بينما الصناعات الأكثر انتشارا نذكر الصناعة التقليدية، علما ان هذه المنطقة يمكن تقسيمها لعدة مجموعات، فهناك مجموعة تضم كل من باتنة وسكيكدة وورقلة وتيارت وعين الدفلى وورقلة تسيطر عليها صناعة النسيج والجلود والمحروقات ومواد البناء والكيمياء، لأن التخصص يشهد بها ضعفا، والمجموعة الثانية من منطقة الهضاب والجنوب تتشكل من عدة ولايات مثل جيجل وتمنراست وبرج بوعريريج وسيدي بلعباس والمسيلة وشلف والمدية والوادي وتختص بصناعة النسيج والجلود ومواد البناء والكيمياء والمجموعة الثالثة تضم المناطق الثرية بالمواد الطبيعية مثل ورقلة وإليزي والأغواط، وتختص في صناعة المحروقات ومختلف المواد الطاقوية.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19443

العدد 19443

السبت 13 أفريل 2024