الصالون الوطني في طبعته الخامسة بورڤلة

التواصل بين أجيال الفن التشكيلي

ورقلة : إيمان كافي

مثل الصالون الوطني للفنون التشكيلية بورقلة الذي نظم بالتزامن مع احتفالية الذكرى 64 لاندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة، فرصة للاحتكاك بين أجيال تعاقبت وأرخت من خلال ريشتها الإبداعية مختلف الحقب التي مرت بها الجزائر وعايشت مراحل تطور هذا الفن بكل تفاصيله، حيث التقت كل اللوحات التشكيلية المعروضة على اختلاف مشارب المدارس التي تنتمي إليها في بهو دار الثقافة مفدي زكرياء لتجسد صورة مختصرة لواقع الحركية التي يسجلها الفن التشكيلي ببلادنا.

   هدف هذا الحدث الثقافي الذي أصبح تقليدا سنويا تعكف على تنظيمه دار الثقافة بورقلة إلى ربط حلقة الوصل بين رواد الفن التشكيلي على المستوى الوطني والجيل الصاعد المبتكر والمستكمل للمسيرة والحركة الفنية عبر خلق مساحة للاحتكاك وتبادل المعارف والخبرات وإثراء الوسط الفني وتفعيل الحركية الثقافية بالولاية، وكذا الدفع بمستوى الصالونات الخاصة بالفنون التشكيلية للرقي في كل مناسبة بالعرض، وذلك بإبراز الأعمال التي تعكس مختلف الاتجاهات والمدارس الفنية، بالإضافة إلى تحفيز الفنانين الشباب لإخراج طاقاتهم الفنية الكامنة ومختلف تقنياتهم المعتمدة في الفن التشكيلي.
حركية جيّدة يشهدها الفن التشكيلي
اعتبر الفنان التشكيلي القدير إبراهيم مردوخ الذي يعد من بين الفنانين الأوائل الذين اهتموا بالفن التشكيلي بمنطقة الجنوب الشرقي أن الفن التشكيلي كان من بين الفنون التي عاصرت الحقبة الاستعمارية، كما أن الثورة التحريرية كانت ملهمة لكل الفنون بما فيها الفن التشكيلي وتواصلت حركية هذا الفن إلى ما بعد الاستقلال عبر العديد من الأسماء التي خلدت اسمها فيه على غرار الفنان التشكيلي محمد راسم الذي أسس مدرسة لوحده ، وذكر ذات المتحدث أن مسيرة الفن التشكيلي في الجزائر جيدة على العموم وهو ما يتوّضح من خلال أعمال العديد من الفنانين الجزائريين الذين خرجوا إلى العالمية.
عبد الوهاب سلكة فنان تشكيلي ونحات من ولاية وهران لديه العديد من المشاركات داخل وخارج الوطن، أكد أيضا في سياق حديثه على أهمية نقل أصول هذا الفن إلى الأجيال القادمة من أجل المحافظة عليه ولدعم استمرارية حركية الفن التشكيلي في الجزائر ومواكبته لمختلف التطورات الحاصلة في هذا المجال.
 الاحتكاك الثقافي بين الجزائر وإفريقيا والعيش في سلام، المرأة في مناطق الصراع ..مواضيع طرحتها اللوحات المعروضة ، طرح الصالون الوطني في طبعته الخامسة مواضيع متعددة تنوعت بين عديد المدارس التشكيلية على غرار موضوع لوحة الفنانة أسماء أولقارة من ولاية تمنراست والتي شاركت بلوحتين الأولى بعنوان: «الأقنعة الإفريقية» وهي لوحة عبرت من خلالها على مدى التقارب الثقافي بين منطقة أقصى الجنوب الجزائري مع دول إفريقية على الحدود الجغرافية، وقد حاولت الفنانة التي انقسمت أعمالها بين المدرسة الواقعية والتجريدية والتعبيرية كما ذكرت استخراج العديد من السمات التي عبرت من خلالها على نقاط الالتقاء بين الجزائر ودول إفريقية،  بينما حملت اللوحة الثانية عن المرأة الصحراوية التارقية معان لخصت من خلالها رمزية جمال منطقة الأهقار أيضا.
وبالنسبة للفنانة فضيلة دولة وهي فنانة تشكيلية من ولاية ورقلة أشرفت على تنظيم الصالون وشاركت بلوحتين حول العيش في سلام كما أن في رصيدها مشاركات في معارض وصالونات عديدة خاصة بالفن التشكيلي عبر الوطن فإن ذكرى نوفمبر الخالدة تعد تذكارا لبطولات شهداء هذا الوطن الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن نعيش اليوم في سلام، مؤكدة أن الصالون الوطني الخامس يعد استكمالا لمسيرة مرافقة هذا الفن ومواكبة تطوره عبر دعم جسور التواصل بين الفنانين التشكيليين المخضرمين والفنانين التشكيليين الشباب.
مصطفى بوغوي ش فنان تشكيلي من ولاية سطيف شارك هو الآخر بلوحتين اتبع فيهما الأسلوب الرمزي للتعبير عن المرأة، ففي اللوحة الأولى يطرح الفنان موضوعا مهما حول معاناة ومأساة المرأة في مناطق الصراع التي تعد المرأة فيها ضحية الحروب والنزاعات الإنسانية، بالإضافة إلى لوحة ثانية حول المرأة الجزائرية في الزمن الماضي، وقد اعتبر الفنان بوغويش أن الصالون كان فرصة لتبادل الخبرات بين الفنانين والاستفادة من الخبرات والمعارف.
التكنولوجيا دعامة مهمة لتطوير الفنون التشكيلية
يرى إسماعيل عبد الجواد وهو فنان من ولاية ورقلة مختص في الخط العربي أن للتكنولوجيا علاقة كبيرة بالفن التشكيلي، ففي تكنولوجيا البرامج، كما ذكر، يمكننا أن نتحدث على تواجد عديد البرامج المتنوعة المختصة في معالجة الصور ومزج الألوان والتصميم والإخراج الفني وأمور عديدة، يستفيد منها الفنان التشكيلي كبرامج مساعدة لربح الوقت والتصحيح والتدقيق الفني خصوصا، وبتواجد التكنولوجيا التي استطاع بها الفنان التشكيلي أن يقحمها ويدمجها مع الفن التشكيلي ساعدته كثيرا وكانت وسيلة وتقنية متميزة في انتشاره وتطوره ازدهاره، هذا بالإضافة إلى تكنولوجيا الوسائل، حيث بولوج التكنولوجيا للفن التشكيلي، تطورت كل وسائل هذا الفن بمختلف التخصصات، من رسم تشكيلي زيتي أو مائي وأنواعهما، النحت والنقش، الخط العربي والزخرفة والمنمنمات، وغيرها من الفنون التشكيلية، حيث أصبحت تتخصص مؤسسات عالمية بتكنولوجيات حديثة في صناعة وتحضير كل ما يحتاجه الفنان التشكيلي في أعماله، تحضيرا أو إنشاءً أو عرضا أو نقلا .
عبد الجبار مومني أيضا فنان تشكيلي شاب من ولاية أدرار مشارك في الصالون بلوحتين الأولى تشير إلى مدخل مدينة تيميمون ولوحة ثانية عن وسط مدينة أدرار يعتبر هو الآخر أن التكنولوجيا الحديثة ساعدت الفن التشكيلي بشكل كبير وأعطت دافعا مهما جدا من أجل النهوض به، كما اختصرت على الفنان عناء البحث، حيث أصبح أكثر اطلاعا على مختلف التقنيات الجديدة التي تستخدم من طرف الفنانين التشكيليين في مختلف أنحاء العالم، كما أضحى أيضا متابعا لكل جديد فيما يتعلق بمجال الفن التشكيلي عن كثب.
 أكد كل من الفنانين إسماعيل عبد الجواد وعبد الجبار مومني على أن مثل هذه الصالونات أيضا تشكل محطة مهمة في صنع المسيرة الفنية للفنان التشكيلي وصقل مواهبه بالاحتكاك بفنانين ذوي خبرة واكتساب معارف جديدة وتبادل الأفكار وحتى مواكبة مختلف القضايا والإشكاليات المتعلقة بواقع هذا الفن التي يتم طرحها من طرف الفنانين المشاركين.

الفنون التشكيلية في حاجة إلى بعث سوق خاص بها
يتفق كل من الفنان إبراهيم مردوخ  من ولاية غرداية والفنان عبد الوهاب سلكة من وهران، وكذا الفنان لمين ميزاب من تبسة أن من أبرز الإشكاليات المطروحة وبشدة في مسيرة الفن التشكيلي بالجزائر، اليوم، هي سوق الفن الذي يعد من أبرز النقائض التي يسجلها واقع الفن التشكيلي على الرغم من أهميته في دعم حركية وتطور الفن التشكيلي.
  أكد الفنانون المشاركون في سياق متصل أن هناك مرافق ثقافية مهتمة بهذا الفن من ناحية التهيئة والتكوين البيداغوجي وأيضا من خلال مختلف المعارض التي يتم تنظيمها دوريا، إلا أن المشكل الذي يظل يتخبط فيه الفنان التشكيلي حتى عقب مشاركاته في مختلف المعارض والصالونات هو الحاجة إلى تقييم حقيقي لأعماله من خلال سوق للعرض والبيع.  واقترح بعض الفنانون أن تساهم الإدارات العمومية من جهتها أيضا في دعم هذا الفن عبر اقتناء لوحات الفنانين من أجل المساهمة في تشجيع الفنان والترويج لأعماله وحتى لثقافة البيع للوحات الفنية لأن الفنان التشكيلي يعد مشاركا في عملية التأريخ للفترات التي عايشها.
كما ذهب آخرون إلى الدعوة لإنشاء متاحف للوحات التشكيلية في المناطق الداخلية من أجل تعويد الجمهور على متابعة حركية هذا الفن ومرافقته لتشجيع الذوق الفني لديه، جدير بالذكر أنه قد شارك في هذه الطبعة التي اختتمت الجمعة بدار الثقافة مفدي زكرياء والتي جاءت هذه السنة تحت شعار: ‘’الريشة النوفمبرية للحرية والسلام»، حوالي 30 فنانا من عدة ولايات عبر الوطن من بينها ورقلة أدرار، وهران، سطيف، غرداية، قسنطينة وتمنراست، كما تم عرض خلال هذه الفعاليات حوالي 84 لوحة فنية تشكيلية و4 منحوتات في مختلف الاختصاصات الفنية، على غرار اللوحات الزيتية وأكواريل وأغواش إلى جانب الزخرفة والخط العربي والرسم على الجلد والمنمنمات والرسم على الزجاج والنحت وغيرها، حسب اللجنة المنظمة للصالون.
هذا وقام الفنانون المشاركون على هامش هذه التظاهرة الفنية بعمل مشترك جمع فنانين مخضرمين بفنانين شباب تمثل في رسم أربعة (4) جداريات من بينها جدارية حملت عنوان: «العيش معا في سلام» والتي تم عرضها يوم أول نوفمبر ضمن فعاليات الاحتفالات بهذه الذكرى الخالدة بساحة 27 فبراير  1962 وسط مدينة ورقلة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024