وقفات في مجموعة «مالا يوجد في الرمل»

عندما تسكن البيئة مخيلة القاص عبد الواحد بن عمر

عبد الرزاق بادي

في مدينة الوادي التي يقال إنها تحترف الأدب، وفي بيئة ثقافية تنتابها الأسئلة الحائرة، المترقبة، وفي واقع تتراجع فيه قداسة الكلمة، فاسحة المجال لممارسات هجينة على الإبداع،وفي ظلّ تسارع رهيب لوسائل الإتصال وما أفرزته من خراب طال قداسة الكلمة، وفي واقع يعجّ بالتظاهر الكاذب، وتكريس التواجد الخاوي على حساب الكلمة، في سباق محموم للتموقع وفرض الذات.

يظهر صوت خجول، صوت نقي وموغل في سحره، يتهجى أبجديات اللغة بإحتراف، ينقب في كنوز الكلام بإقتدار، يهدهد أسراب الحروف في شغف طفل، يشكل موائد بوح من وجع الحياة، صوت نقي، لا تكلف، ولا تسلق كاذب لأسوار البوح، ولا أحلام مفبركة، ولا تجن على عناقيد اللغة ولا حتى سعي مجنون للظهور الكرنفالي، صوت أدرك جيدا أنه صاف كماء الجدول الرقراق، هادر كموج البحر في ليل مقمر...                                                                                             «مالا يوجد في الرمل» وهو العنوان الذي يقودنا من خلاله القاص عبد الواحد بن عمر لتهجي أوجاعه، وتفكيك شيفرات نصوصه التي تتميز بالإيغال في التكثيف، والغوص عميقا في لجة اللغة، والبحث عن العبارة المركزة، الموحية التي لا تترك للقاريء فرصة التأويل، مالا يوجد في الرمل مجموعة قصصية تميزت بنصوصها القصيرة جدا، وفكرتها المجنحة، الطائرة، وعبارتها الرشيقة، الممهدة تماما كي تعبر روحك بيسر رغم توغلها في الرمزية، النص عند عبد الواحد لا يعطيك فرصة التقاط أنفاسك، حتى يرميك من قطار الرتابة إلى مدن الإندهاش الجميل، يشتت غفلتك ويدخلك دروب الإنتباه.
مالا يوجد في الرمل مجموعة قصصية من الحجم العادي تتجاوز 50 صفحة بقليل، تضم بين دفتيها 48 نصا قصيرا جدا، مختلفة التوجهات والمقاصد، بعضها غارق في محليته لدرجة الإلتصاق، وغيرها محلق في سماء الإبداع بشكل مطلق، العناوين كذلك تنوعت حسب منحى النص، منها الواضح الذي يقودك من يدك ليعري لك النص، ويكشف لك مفاتنه بيسر، ومنها ما يشتت القاريء ويحيله للتأويل، أو يثير غبار الأسئلة... وفي ملامسة رقيقة يصل بنا القاص عبد الواحد بن عمر إلى مرافيء روحه المتعبة بصمت الكتابة، أسئلة الحياة ومداد البوح، إلى عطر يسربه في مقاطع تحبس الأنفاس، وتجبرك على أكثر من قراءة  حتى تمسك فراشات الفرح التي يبثها في مساحاتك، عبد الواحد بروح شاعرة، وحروف تتقاذفها الشاعرية المفرطة يهدهد أرواحنا، ينقلنا على قطارات روحه المسكونة بهاجس الوقت إلى سعادة غامرة تدركها الروح بعد الفراغ من قراءة المجموعة.
عبد الواحد بن عمر كما قرأته في «ما لا يوجد في الرمل» قاص بروح شاعرة، مبدع بنبض تعذبه اللغة في جداول التشكيل، عبد الواحد أقدمه لكم صوت يغرد بأعلى الكثيب حتى يلون صباحاتنا بعذب الكلام، حرف متفرد ينقب في قاع النفس البشرية ليصنع هالة من فرح لا تنتهي. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024