الإعلامية والشاعرة زهرة برياح:

العلاقة بيني وبين الكتابة الأدبية وطيدة جدًا

أجرت الحوار: حبيبة غريب

تميزها عفويتها وطيبة قلبها ورقتها كإنسانة وتميزها حنكتها وحسها المهني واختلاقها وتواضعها وسلاسة قلمها كإعلامية ويميزها جمال حرفها وحسها المرهف وعشقها للكتابة والإبداع وخاصة للقصيدة والشعر، من آخر إصداراتها  الديوان الشعري «وهران ...ارويني من نبع حنانك»، التي حمل حبها القوي لمسقط رأسها «الباهية « وهران، إنها الإعلامية الشاعرة زهرة برياح التي فتحت لنا قلبها لتحدثنا عن شغفها العميق بكتابة الشعر وعن رأيها حول المرأة والإبداع وما  قد تصنعه حروف النساء في ميدان الثقافة والأدب.
 
 «الشعب»: حديثني عن هواية الكتابة لديك وما هي ميولاتك الأدبية؟
الشاعرة زهرة برياح:  منذ أن تفتحت أنوثتي على نغماتِ كلام الشعر وجمال موسيقاه فتفّتحتْ الموهبة، منذ بدأ يحضر الفجر ويمنحني مفاتيح النور لأشرع بالكتابة فلروحها البيضاء -الكتابة- غواية التحليق التي تحرضني لأحلق عاليا فوق أوجاعنا وجروحنا، منذ كنت أقرأ في ساحة المدرسة صغيرة حين يرفع العلم وأنصت لصوت الشعر في نشيد قسما، بدأت بكتابة ما يشبه الخاطرة، ثم تمرحل معي الشعر في فترات حياتي في صياغات أكثر نضج، وانطلق مشواري نحو عالم الشعر والكتابة منذ أن بدأت ملكاتي الروحية تضيق بأفق اللغة وتتوق لإطلاق أبجدية خاصة بي، منذ أن تراكمت المفردات في ذاكرتي ووجداني وتحديداً كانت في عامي السادس عشر، منذ ذلك الوقت تمكنت من إطلاق أول قصيدة كانت موسومة بعنوان: «زهرة الأقحوان»، لتبقى العلاقة وثيقة بيني وبين هواية الكتابة والقلم كأنثى بسيطة، تلك هي قوتي، سمتي الهدوء الذي يسكنني حتى أثور شعراً، أجوب في دروب التاريخ السردي والمعرفة التاريخية لفهم الأشياء، دائمة البحث عن الأساليب الكامنة وراء ثقافة المرأة، امرأة لا تسمح أن تبقى خارج الساحة الثقافية، لهذا أسعى عائمة فوق سماء سيل الحرف لأكون المرأة الجديدة الساردة، الناثرة، الشاعرة، الفنانة التي لا تتصالح مع واقع مهزوم ولا تحب الفشل. الكتابة والألوان هما قدري وهذا جعل مني امرأة غير خاملة وغير تابعة ولا تحب أن ترضخ تحت وصايا أحد، وأنا أميل لكل أشكال الإبداع الأدبي من شعر ونثر ورواية و كل ما هو جميل وصادق.
 كونك إعلامية وشاعرة تتأرجحين بين المجالين، كيف توفقين بين الكتابة الصحفية والإبداعية؟
 رغم عشقي لمهنة المتاعب وما تحمله من رسالة نبيلة في تسليط الضوء على الخبر وتقديم خدمة عمومية للمواطن، من خلال التفاعل اليومي مع الحدث، إلا أنني أصدق القول أنه شيء صعب التوفيق بين الكتابة الصحفية والأدبية، لأنك تضحين بواحدة من أجل الأخرى، والصحافة مرات تقتل الإبداع في عقولنا، لأنها لا تترك لنا مساحة من الوقت بحكم أن الصحفي يركض، طيلة اليوم، في تغطية الأخبار ويبحث عن السبق الصحفي، فالصحافة كعمل احترافي تبعدنا كثيراً عن مفهوم الشعر كفن إبداعي وغالباً ما يأتي أحدهما على حساب الآخر فيتضاءل رصيد الشعر أمام صخب الصحافة.
أين تجد زهرة نفسها أكثر، هل كشاعرة أم كإعلامية؟
أحب صراحة المجالين لأن كل عالم له خصوصيته، فالصحافة ميدان للمعرفة، الواقع المعاش بتفاصيله الجميلة والمأساوية أيضا وهي تفتح المجال لقريحتك للتعبير عن خلجات النفس ومع ذلك أعشق وأحب مساحة الشعروالأدب، فحين تكونين شاعرة عليك أن تبقي، أن تتكاثري، أن تقطعي من بلدك بخيط من حنان ما تيسر من جرح، كي تنتصري على زمن الخراب، أن تلتقطي من بيئتك وأنت تتشبثي بالورقة والقلم لتدلي ببوح وجدان منفتح، لتكوني شاعرة، وعليكِ حينها أن تستدعي خدّام القصيدة ومحركاتها لتستوحي الشعر، تدعوهم إلى حضرتك. تشعريني أنكِ تمتلكين كل الأشياء الممكنة وغير الممكنة ضمن الممكن،تدخل ذاتكِ وتمسكها حتى تتمكن منها لتحررها بالكتابة.. ففي الكتابة فسحة البهاءِ وجلال الحزن وهما مبعثان، تكمن فيهما القدرة الكاملة على البوح..  دوما أقول أن الحدث هو من يصنع القصيدة، فربما من برعم وردة، أو من لحظة حب، من ثورة ومن موسم الأمطار. فقط عليك أن تكون إنسانا حساسا وستجد كل الأشياء تثيرك لتكتب عنها أو ترسمها، فالأشياء هي التي تستنطقنا، مثلها مثل الصحافة.
كيف تنظر زهرة برياح إلى المرأة والإبداع في الجزائر؟
 ناضلت المرأة في الجزائر منذ عقود زمنية من أجل أن تترك بصمتها، وأظهرت الكتابات الجديدة، بصرف النّظر عن توجهاتها المختلفة، عودة إلى الذّات، في الشّعر والمسرح والقصّة والرّواية، وظهور أسماء كثيرة لها طاقة معتبرة على الإبداع، وليس على النّقل. ما يعني أن ثمة جهدا عقليا في التّعامل مع المنجز، مع القضايا الجمالية وإشكالاتها، كما هي متداولة عالميا.
نلاحظ اليوم، بكثير من التّقدير والإعجاب، أن ما يكتب في الجزائر أصبح مؤهّلا لأن يقدّم صورة أخرى عن المشهد الأدبي، أو عن تجربة المرأة في هذا الحقل الذي طالما بقيّ حكرًا على الذكور لأسباب تاريخية واجتماعية وثقافية معروفة. نحن الآن أمام متون لها قوة الحضور، كما تمتلك، إضافة إلى ذلك، رؤية متقدّمة للموضوعات والقضايا الفنية والمعجمية، للمعجم والاستعارة والخيال والحفريات، وللصيرورة بشكل عام، الى جانب أن الحركة الأدبية والإبداعية عندنا قطعت شوطا مهما في السنوات الأخيرة من حيث الكم والكيف، أي من حيث ظهور العديد من الأسماء الجيدة في الساحة وأيضا من حيث نوعية الأعمال المنتجة في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقد. أكيد لا يمكن أن ننفي وجود جانب من الرداءة، لكن يبقى ذلك للتاريخ، هو من يغربل، وأكيد، قانون الطبيعة الصالح في كل زمان ومكان هو أن البقاء للأصلح، لذلك علينا أن ننظر إلى  نصف الكأس المملوء فنجد ما يثلج الصدر في مجال الإبداع بأشكاله المختلفة، وأكيد دعم الدولة لهذا المجال كان أحد العوامل المساعدة على الانتعاش الثقافي،  خاصة أن الجزائر عاشت حقبة عصيبة انعكست على
كل جوانب الحياة، بما فيها الثقافة والإبداع.
حديثيني عن مؤلفاتك وجديدك الأدبي؟
وهران ...ارويني من نبع حنانك « آخر إصداراتي الأدبية عن دار أنوار المعرفة، هي مجموعة خواطر عن عشقي لمدينتي وهران وسحرها وعفتها رغم أن الكثير يريد أن يدنس شرفها، كما هي رؤية تدعو إلى التمسك بالحياة بكل القوة الممكنة وتربط بين الناس على أساس المحبة والتواصل الصادق، وهي أيضاً تكريس لجمال إنساني يسكننا جميعاً، أضاف الى ذلك هناك مجموعة من الإصدارات منها: «مرافئ العشق البارد» وتلاه فيما بعد ديوان بوتفليقة ... فخر الجزائر عن دار الغرب بوهران، الذي يعتبر أول ديوان شعري في الجزائر كتب عن الرئيس وعن ملحمة كبيرة لهذا الوطن الذي دفع الكثير من الأرواح من أجل استرجاع السلم والأمان لجزائر مجروحة فكانت بمثابة رسالة شكر للرجل الذي سعى إلى عودة الأمن لهذا البلد الجميل وربما كتبت هذا الديوان بحكم ما عشته كصحفية في عشرية سوداء، ثم ديوان «عيون العشاق» الصادر بمصر الشقيقة، وديوان «اسمك فلسطين» عمل مشترك لأدباء وهران لمناصرة القضية العادلة، كما يوجد كتاب تاريخي تحت الطبع عند دار أنوار المعرفة بعنوان: «القوة الناعمة للثورة الجزائرية» وهو يحمل شهادات حية لمجاهدات جزائريات من مختلف القطر الجزائري، وهو التمسك بالحياة بكل القوة الممكنة وتربط بين الناس على أساس المحبة والتواصل واعتبره يدخل في المجال البحث الصحفي.
كما كتبت بعض النصوص المسرحية، منها من ترجمت على الركح و الأخرى بقيت مجرد نص قراءة أمام مختصين، منهم «فئران التجارب» الذي يعالج المنظومة التربوية، مسرحية «القطة بيشا والساحر» التي أدتها الجمعية الثقافية لسيدي بلعباس في التسعينيات، إلى جانب مسرحية للأطفال بعنوان: «الجدة « قدمت في إطار مسرح الهواة بمستغانم.
 احتكاكك بحركة الابداع، ماذا أضافت لك؟
 تقدّم المشاركات الشعرية في الملتقيات الوطنية والدولية، الاحتكاك بالمشهد الشعري بشكل أكبر وتجعل المبدع يتواصل مع غيره من المبدعين، ليرى أين هو ضمن هذه الكوكبة التي تسير في نفس الركب، فمن هنا يمكن للشاعر بشكل خاص والمبدع بشكل عام أن يقيّم ذاته ومساره بشكل أكبر، فهذه العملية التواصلية بالآخر المبدع تفتح أمام الشاعر آفاقا أخرى للنضج والإبداع، وبين كلّ مشاركة ومشاركة تظهر إليك أشياء لم تكن ظاهرة فيما قبل وتتعرّف على أسماء شعرية أخرى في فلك الإبداع، وتتعرّف عن قرب على تجارب شعرية أخرى قد يكون لها أثر كبير في عملية تطوير قلمك بشكل أو بآخر، وقد تقدّم إليك فكرة أخرى كانت غائبة عنك وهكذا فإن الاحتكاك بين المبدعين و المبدعات في الجزائر مهم جدا للتعرف على إنتاج الأخر.
كلمة تتوّج هذا اللقاء ؟
 أتمنى أن أظل قادرة على الحب، فليس هناك أسوار أيها الأصدقاء تحد من حرية الكلمة، فكونوا أحرارا في خيارات القراءة ولا تبخلوا في الكتابة والقراءة ففي قلبهما تقوم مملكة الشعر التي لن يلجها إلا شاعرا امتلك مفاتيح الفجر، فجر القصيدة الساحرة. بالقراءة والكتابة يصير القلب جنة تجري من تحتها الأنهار. شكرا وأنتم تشاركونني إحساسي في التدوين وتندمجون معي في لحظة نمسك بها معا لنوقف الزمن في لحظة ما نسجلها رحيقا معسولا لكلينا. لكم بكل اعتزاز باقة ياسمين أبيض، حلوة عذبة، كونوا جميعا بخير وشكرا لجريدتكم للضيافة بين حبرها وورقها وقراءها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024