أستاذ الدراما والنّقد المسرحي مفتاح خلوف في حوار لـ»الشعب»

واكب كل مراحل الجزائر المستقلة متأثّرا بالواقع المعيش

سطيف: نور الدين بوطغان

كاكي لعب دورا رائدا بأعماله واستلهامه للأساطير الشّعبيّة
قلّة التشجيع المادّي والمعنوي تفاقم البيروقراطيّة وربط الخطاب بالمناسبات

يتناول الدكتور مفتاح خلوف، أستاذ محاضر لمقياس الدراما والنقد المسرحي بجامعة محمد بوضياف بالمسيلة، في هذا الحوار المطول مع جريدة «الشعب» كافة المراحل التي مر بها المسرح الجزائري منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، مستعرضا أمثلة عن كل مرحلة، موضحا بشكل دقيق مميزات مراحل تطور الفن الرابع، ومدى تأثرها بالواقع المعيش ببلادنا، مبينا أسباب وعوامل تطور الخطاب المسرحي ببلادنا، وإليكم النص الكامل للحوار.
❊ الشعب: ما هي أهم مميّزات المرحلة التي مرّ بها المسرح الجزائري منذ الاستقلال إلى غاية الانفتاح السياسي والديمقراطية بعد أحداث أكتوبر 1988؟
❊❊ الدكتور مفتاح مخلوف: في الحقيقة هذه المرحلة التي أشرتم إليها يمكن تجزئتها في حد ذاتها الى ثلاث مراحل مستقلة، وتميزت المرحلة الأولى بالخطاب النّهضوي الاجتماعي في الفترة 1963 - 1972، حيث انطلاقا من الدّور الثّقافيّ والاجتماعيّ والتّربويّ والتّوجيهيّ للمسرح، وإبرازا لأهمية النّهوض بالثّقافة، الّتي يُعتبر المسرح أحد روافدها الهامّة، فقد أمّمته الحكومة الجزائريّة بمقتضى المرسوم رقم 12 / 63 المؤرّخ بتاريخ 08 جانفي 1963 حيث تضمّن: «أنّ النّهضة المنوطة بالمسرح ذات أهمّيّة بالغة لشعبنا، وهو ما يستوجب وضع المسرح في خدمة الشّعب». وتميّزت هذه المرحلة بالطّرح الاجتماعيّ للموضوعات، من مثل قضايا المرأة، العمل، البطالة، العادات البائدة، التقرّب من الأولياء والصّالحين، البيروقراطية...، فبرزت أعمال مسرحيّة ناجحة شكلا ومضمونا مثل: «الغولة» لرويشد التي تعالج تفشّي البيروقراطية في المؤسّسات الجزائريّة، و»القرّاب والصالحين» لولد عبد الرحمان كاكي، التي تعالج تفشّي ظاهرة الشّعوذة، والإيمان بقوّة الأولياء وإمكانيّة تغييرهم للقضاء والقدر. وقد سعى هذا الأخير إلى تطوير الخطاب المسرحيّ الجزائريّ من خلال إدخال الجوّ الشّعبيّ، و»الڤوّال» على العرض المسرحيّ، هادفا إلى إدخال عنصر الاحتفاليّة في العرض المسرحيّ الجزائريّ، وبهذا يكون ولد عبد الرّحمان كاكي «قد لعب دورا رائدا في الحركة المسرحيّة الجزائريّة بأعماله ذات الطّابع الخاصّ، والمتميّز باستلهامه للأساطير الشّعبيّة، ليعالج من خلالها القضايا الاجتماعيّة». ليكون بذلك قد ابتعد عن العلبة الإيطاليّة، ومال إلى «البريختيّة». وصوّر الخطابُ المسرحيُّ في هذه المرحلة الوصوليّةَ والانتهازيّةَ، وفضح السّلوكات الاجتماعيّة المشينة، والمعيقة للنّموّ الاجتماعيّ والتّطوّر الاقتصاديّ، ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين:
أ - من 1963 إلى 1966: وتعتبر مرحلة الزّخم الفنّيّ أو العصر الذّهبيّ للخطاب المسرحيّ الجزائري.
ب - من 1967 إلى 1972: وهي مرحلة تطبيق اللاّمركزية في تسيير مؤسسات الدّولة، فشهدت ميلاد المسارح الجهويّة في كلّ من عنّابة، قسنطينة، وهران، بلعبّاس. ويمكن تسجيل بعض الملاحظات على هذه المرحلة نوجزها في شيوع ظاهرة الاقتباس في الخطاب المسرحيّ الجزائريّ، وكثرة الأعمال المقتبسة عن كبار المسرحيّين من أمثال: «موليير»، «بريخت»، «شكسبير»، «توفيق الحكيم». إعادة عرض بعض الأعمال المسرحيّة الثّوريّة لسدّ الفراغ الّذي أحدثته سياسة اللاّمركزية، وبروز الخطاب المسرحيّ النّسوي بميلاد أوّل مسرحيّة للجزائرية: «آسيا جبار»، التي عنونت بـ «احمرار الفجر».
أما المرحلة الثانية، فعرفت بخطاب الرّكود في الفترة بين 1972 - 1982، وتعتبر هذه المرحلة امتدادا للفترة الثّانية من المرحلة السّادسة، حيث تمّ تطبيق سياسة اللاّمركزيّة في مختلف سياسات الدّولة ومؤسّساتها، بما في ذلك فتح مسارح جديدة مستقلّة في المدن الكبرى، ممّا خلق صعوبات جمّة للمسرح الوطنيّ، بتشتيت قدراته البشريّة والمادّيّة المحدودة، وتوزيعها على المسارح الجهويّة، ممّا أضعف جهده ومردوده. وقد مال الخطاب المسرحيّ في هذه المرحلة، إلى انتقاد الواقع الاجتماعيّ، ووجوب دعم بعض شعارات الدّولة وتوجّهاتها السّياسيّة والاقتصاديّة والإيديولوجيّة، كما شهدت هذه المرحلة بروز ظاهرة جديدة في السّاحة المسرحيّة، وهي ظاهرة التّأليف الجماعيّ، والميل إلى الاقتباس أكثر من الإبداع والتّأليف، إضافة إلى أنّ بعض المسارح الجهويّة خاضت تجربة مسرح الطّفل، مثل مسرح وهران الّذي أنتج مسرحية «النّحلة»، وقدّمها كرمز للجدّيّة والعمل والإتقان، وقد كان ذلك العام 1975. ورغم أن المسارح الجهويّة، قد ظلّت تتخبّط في دوّامة من العوائق والمشكلات، إلاّ أنّها ظلّت مراكز إشعاع فنّيّ، أثرت الثّقافة الوطنية بإنتاجاتها المختلفة، كما استطاعت أن تكون فضاءات تلاق بين الفرق المحترفة والهاويّة، وأن تُنظّم أياما ومهرجانات مسرحيّة، خلقت أجواء للمنافسة.
أما المرحلة الثالثة تميّزت بما يعرف بخطاب الانتعاش في الفترة بين 1983 - 1989 رغم الانتكاسات الّتي تعرّض لها الخطاب المسرحيّ في الجزائر في الفترة السّابقة، من آثار تطبيق اللاّمركزية، ورحيل بعض رجالاته، إلاّ أنّه برزت بعض العوامل الّتي حقّقت له الانتعاش، فكانت له بمثابة إعادة ضخّ للدّماء في جسده، بدأت بـاهتمام الدّولة بالحركة المسرحيّة والّتي تجسّدت في: إقامة ندوة أيّام المسرح، التي أخذت على عاتقها مهمّة تطوير المسرح، تحت شعار «من أجل تطوير المسرح الجزائريّ، والّتي عالجت مجموعة من القضايا العالقة في الفضاء المسرحيّ: النّص المسرحيّ لغة ومضمونا وشكلا، الإخراج والتّمثيل، بالإضافة إلى تنظيم الهياكل المسرحيّة والتّكوين المسرحيّ». كما استُحدثت المديرية الفرعيّة للأعمال المسرحيّة التّابعة لوزارة الثّقافة، والّتي من مهامها تنظيم المسارح الجهويّة، ومساعدتها في الإمداد بالوسائل والتّجهيزات اللاّزمة، وتكوين الإطارات، وتنظيم وترقية الفنّانين والممثّلين. ورغم أنّه عادة ما تكون مثل هذه القرارات حبرا على ورق، وحبيسة للأدراج، إلاّ أنّها أسهمت في تحريك الفعل المسرحيّ، والحوار الثّقافيّ، وإذكاء جذوة التّمثيل. ولو تأمّلنا المراحل السّابقة الذّكر وأردنا أن ننصف الخطاب المسرحيّ الجزائري ورجالاته لأمكننا الاهتداء إلى جملة من العوامل المباشرة وغير المباشرة، أسهمت جميعها في تدهور الخطاب المسرحيّ الجزائريّ والّتي منها: المنافسة الشّرسة من وسائل الإعلام الأخرى كالتلفزيون، السينما، الفيديو.، قلّة اهتمام الدّولة بالمسارح وضعف الميزانيات، انعدام التّنظيم وانعدام القانون الخاصّ بالفنّان، الّذي يكفل له حقوقه، وقلّة التشجيع المادّيّ والمعنويّ، تفاقم البيروقراطيّة وارتباط الخطاب المسرحيّ بالمناسبات، ضعف التّكوين والتّنسيق والاستمراريّة في العمل.  
آخر الاهتمامات على المستوى الجهاز الإداريّ (الدولة)، أو على مستوى المواطن، قلة الإعلام والإشهار للمسرح، افتقاد المسارح لتقاليد مسرحيّة، وتمركز عملها في المدن الكبرى.   
❊ لا شك أنّ فترة العشرية السّوداء تميزت بمميزات خاصة تبعا لدقة المرحلة والوضعية الصعبة التي اجتازتها البلاد فماذا عنها ؟
❊❊ هذه المرحلة تميزت بالفعل بخطاب الأزمة في الفترة بين 1990 - 1999، حيث لم تكد تتخلّص الجزائر من مخلّفات أحداث 8 أكتوبر 1988 حتى بُليت بأزمات أخرى تفاقمت على جسدها، فأثقلت كاهل الجزائريّين وأفشلت جهود المسرحيّين، وبخاصّة بعد دخول الجزائر في دوّامة العنف والعنف المضادّ، أو ما يعرف لدى العامّة بالعشريّة السّوداء، فكُمّمت الأفواه وبدأت آلة العنف الحصاد، وكان من ضحاياها أقطاب المسرح الجزائري عز الدين مجوبي، عبد القادر علّولة وأُغلقت بطريق غير مباشر المسارح الجهويّة التي كانت ناشطة آنذاك، وأحيل المسرحيّون (المخرجون، الممثّلون، التقنيون ...) على شبه بطالة مجبرة، ولذلك فلا عجب أن نجد المسرحيّات الّتي قدمت في هذه المرحلة قليلة تعدّ على أصابع اليد، والتي نذكر منها مسرحية «محنّد أفحلول» من تأليف سليم سوهالي وإخراج حسين بلاغماس وإنتاج مسرح باتنة الجهويّ، ومسرحية عالم البعوش، وهي من اقتباس عمر فطموش وإخراج عز الدّين مجوبي وإنتاج المسرح الجهوي باتنة سنة 1994، ومسرحية المخضرم لمحمد آدار وإنتاج مسرح وهران سنة 1994. وفي السّنة نفسها ألّف كمال زرارة مسرحيّة لعبة الموت، والّتي أخرجها المخرج شيبة لحسن وأنتجها المسرح الجهويّ باتنة. وفي سنة 1998 ألف عزّ الدّين ميهوبي مسرحية «الدّالية» التي أخرجها المخرج جمال مرير وأنتجها المسرح الجهويّ باتنة، وجابت ربوع الجزائر، ثمّ شاركوا بها في مهرجان المسرح العربي بالأردن، فحصدت خمس جوائز أوسكار عربيّة من أصل سبعة جوائز أوسكار عربيّة رصدت في المهرجان.
والشيء اللاّفت للانتباه أنّ مسرحيات هذه المرحلة سواء الّتي أنتجت بالمسرح الجهويّ باتنة أو بقيّة المسارح الجهويّة، حملت طابع الحزن لتناولها موضوعات تتعلّق بالموت، أو تكميم الأفواه أو الخوف أو اللاّأمن.
❊ بماذا تميّز الفن الرّابع في الفترة الموالية؟ وما نوعية الخطاب المعتمد خلالها؟
❊❊ في الحقيقة فإنّ هذه المرحلة عرفت خطاب الاحترافية  في الفترة بين 2006 - 2014، حيث عرف المسرح الجزائريّ منذ بداية 2006 دخول الاحترافيّة من بابها الواسع، من خلال الانفتاح على الغير، والدّخول في مسابقات ومهرجانات دوليّة، وحصد جوائز مشرّفة وإقامة مهرجانات للمسرح المحترف بالجزائر، والسّعي إلى التّنافس الشّريف بين المسارح الجهويّة، وتشجيع الفائز بالجائزة الأولى بالعروض الدّورية في البلدان العربيّة. كما عرف المسرح في هذه المرحلة ميلاد أوّل طبعة لمهرجان المسرح المحترف في ماي 2006، بإشراف الرّاحل محمد بن قطاف رحمه الله. وقدّم مسرح وهران مسرحيّة «الطلاق» التي لاقت نجاحا باهرا، ثمّ توالت العروض المحترفة الناجحة تباعا، والتي لاقت استحسان وإعجاب الجمهور والنّقّاد والدّارسين على حدّ سواء والّّتي نذكر منها مسرحيّة «هاملت» للمسرح الجهويّ للعلمة، مسرحيّة «ماذا ستفعل الآن؟» للمسرح الجهويّ بلعبّاس، ثمّ مسرحيّة «امرأة من ورق» للمسرح الجهويّ عنّابة، وبعض مسرحيّات الجمعيّات والتّعاونيّات الثّقافية كمسرحيّة «نساء بلا ملامح» لجمعية النّوارس البليدة، ومسرحيّة «رسالة إنسان» لفرقة الرّاية قسنطينة. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024