الأستاذ فؤاد جدو لـ«الشعب»:

إجراءات عزل ترامب نتيجة منطقية لتراكمات سياسته المثيرة للجدل

حوار: إيمان كافي

أثار قرار مجلس النواب الأمريكي إطلاق آلية عزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب على خلفية اتهامه بالتدخل لدى رئيس دولة أوكرانيا لإجراء تحقيق قد يضرّ بأحد خصومه السياسيين، جدلا كبيرا داخل أمريكا وخارجها، كما أثار علامات استفهام عديدة عن دوافعه، تداعياته وعن إمكانية نجاح المعركة التي يخوضها الديمقراطيون في محاولة لإسقاطه بالضربة القاضية وجعله أول رئيس يتعرض للعزل في التاريخ الأمريكي.
«الشعب» وفي محاولة منها لفهم عملية عزل ترامب وحظوظ نجاحها وتأثيراتها على الاستحقاق الرئاسي القادم، حاورت السيد فؤاد بن جدو أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر ببسكرة، فكانت الإجابات التالية...

«الشعب»: أطلق مجلس النواب الأمريكي رسميا آلية عزل الرئيس دونالد ترامب، ما الأسباب والدوافع الكامنة وراء المعركة التي يخوضها الديمقراطيون ضد الرئيس الأمريكي والتي تأتي قبل سنة من موعد الرئاسيات؟

الأستاذ فؤاد جدو: تأتي الدعوة لعزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من طرف الديمقراطيين للعديد من الأسباب والتي يمكن حصرها في ما يلي:
منذ تولي ترامب السلطة، بدأ في تنفيذ جملة من الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية فظهر تعامله الشاذ مع ملف اللاجئين، وقراره منع بعض الجنسيات من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب دعوته إلى وضع جدار بين بلاده والمكسيك وهذا حرّك العديد من التيارات السياسية والمجتمع المدني إلى رفض هذه السياسة الجديدة ومن ثم تحويل السياسة الخارجية الأمريكية من منطق المصلحة إلى منطق الزبونية أي من يدفع أكثر، وإسقاط مبدأ التكلفة والفاتورة في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، مما جعل الكثير من المختصين يؤكدون على أن السياسة الخارجية الأمريكية فقدت العديد من المواقع الإستراتيجية بهذا المنطق خاصة في الشرق الأوسط كسوريا وما حدث مع تركيا مؤخرا، بالإضافة إلى اتهام الرئيس الأمريكي من طرف زعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي والتي تقود الحملة في أعقاب تقارير تفيد بأنه وجّه دعوة لرئيس دولة أجنبية لإجراء تحقيق قد يضر بأحد خصومه السياسيين، مستغلة اعتراف الرئيس ترامب بأنه طلب من الرئيس الأوكراني زيلينسكي التحقيق من نجل جوبايدن المرشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا ما اعتُبر خللا وخطأ سياسيا كبيرا لا يمكن تجاوزه خاصة أن للرئيس الأمريكي اتهامات سابقة بتلقي دعم من طرف روسيا في الانتخابات الرئاسية وهذا يعتبر خرقا للأمن القومي الأمريكي وبالتالي كل هذه الأسباب والتراكمات، أدت إلى الدفع بالإجراءات اللازمة لإجراء عملية العزل للرئيس الحالي.

محاولة العزل تعرّض لها ثلاثة رؤساء سابقين

- رئيسان على الأقل تعرضا لنفس الامتحان، الأول اضطر للاستقالة (وليس العزل) وهو ريتشارد نيكسون بسبب قضية «ووتر غيت»، والثاني الرئيس جونسون الذي حكم قبل قرن ونصف ولكنه نجا من سيف العزل بفارق صوت واحد في تصويت الكونغرس، فما قولكم في الحالتين ووجه الشبه بينهما وبين قضية ترامب؟

 ترامب ليس أول رئيس يتعرض لإجراءات العزل، حيث عرفت الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث حالات عزل، أولها مع الرئيس أندروجونسون الذي واجه إجراءات العزل من طرف مجلس النواب بسبب سياسة دمجه للعبيد ومنحهم الجنسية الأمريكية، مما عقّد العلاقة بينه وبين الجمهوريين، حيث سحب مجلس النواب الثقة منه لكنه استطاع كسب ثقة مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد واستمر في سياسته، أما الحالة الثانية فهي تتعلق بالرئيس ريتشارد نيكسون، حيث ارتبط بما يعرف بفضيحة «ووتر غيت» والتي تتعلّق بالتجسّس على طرف آخر وتعطيل العدالة، حيث شرع مجلس النواب في إجراءات العزل ولكنه استقال بعد سنة من عهدته الثانية، أما الحالة الثالثة فهي تتعلق الرئيس بيل كلينتون وارتباط اسمه بفضيحة جنسية، حيث أقر مجلس النواب إدانته لكن مجلس الشيوخ برأه من التهم الموجهة له، وبالتالي نجد أن الحالات الثلاث ارتبطت بحسابات سياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبين التحالفات السياسية والصراع بين الحزب الديمقراطي والجمهوري من أجل التموقع أكثر في المناصب السياسية من خلال استغلال الدستور الأمريكي والذي ينصح في الفقرة الرابعة من المادة الأولى على أن عزل الرئيس يبدأ من مجلس النواب من خلال توجيه اتهام للرئيس، والفقرة الرابعة من المادة الثانية من الدستور الأمريكي تحدّد أسباب العزل والتي تتمثل في الخيانة والرشوة والجرائم والجنح الخطيرة، وبالتالي تبقى المسألة مرتبطة بتكييف السبب وفق الحالات التي يحدّدها الدستور.
إذا ما دققنا في حالة الرئيس ترامب نجد حسب استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية من يؤكد على الاستمرار في إجراءات العزل لعدم رضاهم على سياسته رغم أن البعض الآخر يعتبرون ما يقوم به ترامب هو الواقعية في السياسية بعيدا عن السياسة التقليدية القائمة على الدبلوماسية وتغيير الحقائق أو طمسها.

- يعتقد البعض أنه حتى لو نجا من العزل، فإن هذا الامتحان سيؤثر كثيرا على ترامب خاصة وهو يأتي قبل سنة من الاستحقاق الرئاسي الذي يتطلّع للفوز فيه بولاية ثانية، ما قولكم؟

 أظن أن الرئيس الأمريكي سيتجاوز إجراءات العزل لأسباب كثيرة لكن أعتقد أن هذه الإجراءات ستؤثر لا محالة على المسار الانتخابي خاصة مع منافسه، حيث يشتركان في نفس النقطة ألا وهي التعاون مع دولة أجنبية وهي أوكرانيا وهذه سيحسمها الناخب الأمريكي من حيث إثبات أي رواية أصح.

- بالمقابل ألا تعتقدون بأن الحزب الديمقراطي لو فشل في معركته ضد ترامب، فإن المغامرة سترتد عليه خاصة وأن موقف ترامب من قاعدته متين وله شعبية لا يمكن نكرانها؟

الأكيد أن الحزب الديمقراطي سيؤثر في المسار الانتخابي القادم، وهذا هو السيناريو المتوقع، من وجهة نظري الإجراءات لا يمكنها أن تقوم بعزل الرئيس مما سيجعل الأطروحات الخاصة بالحزب صعبة في مواجهة الرئيس ترامب، ولكن فارق النسبة ليس بكبير لأنه في حال حسم الحزب الجمهوري لصالح ترامب فإنه سيقود حملة قوية ضد مرشح الحزب الديمقراطي والذي سيركز على القضايا التي تهم المواطن الأمريكي والمتعلقة بالهجرة والتأمين الصحي وإعادة العلاقات مع الصين والاتحاد الأوروبي، كما كانت عليه قبل تولي ترامب، لكن مع الإجراءات التي قام بها الرئيس الأمريكي ترامب لصالح إسرائيل ودعمه لليهود والتحولات في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه الفلسطينيين ومنح الجولان لإسرائيل أكيد ستدعم موقفه الحالي، خاصة من طرف اللوبي الصهيوني والذي سيعمل على إضعاف الحزب الديمقراطي بأي شكل.

- هناك من يقول بأن عزل ترامب سيكون نهاية منطقية لرئيس أثار الكثير من الجدل وأسال الكثير من الحبر بسبب تصريحاته النارية وقراراته الصادمة، ما قولكم؟

 حتى لو تمّ عزل الرئيس الأمريكي ترامب فهذا لن يغيّر من الوضع، لأن الرئيس جسّد على أرض الواقع سياسته وهذه لن تتغير إلا بقدوم رئيس جديد قد يلغي ما اتخذه كما فعل هو في العديد من القرارات كانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران واتفاقية المناخ ونافتا وغيرها من القرارات التي غيّرت وجه السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية اتجاه القضايا الحساسة، خاصة القضية الفلسطينية، وبالتالي مسألة عزله لن تغير من القرارات لكنها ستوقف ما قد يتخذه مستقبلا في سياسته الداخلية والخارجية، خاصة ما تعلّق بمراجعته لسياسة التأمين وعقود العمل، وكذا خارجيا ما تعلق بسياسته في الشرق الأوسط خاصة الملف الفلسطيني والسوري والنفط الخليجي والاتفاق النووي، كل هذه الملفات التي تحوّلت في عهده تتطلب إعادة النظر فيها مع رئيس جديد فالعزل لن يغير من واقع ما اتخده.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024