مخطّط الإنعاش الإقتصادي

إجراءات استعجاليــة لمحـو آثار أزمة مركّبـة

زهراء - ب

 سواهلية: قطاعات نفّذت المطلوب وأخرى غرقت في الشّكليات

رسم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون معالم مخطّط الإنعاش الاقتصادي، والإطار العام المتكامل الذي ينبغي أن يحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة القائمة على تكافؤ الفرص، سمو القانون، وتحقيق الاستدامة المالية وتقوية المؤسّسات (القطاع العام والخاص والمجتمع المدني)، ورفع كفاءة التعليم للمساهمة في المسار التنموي، وربط تحقيق ذلك بآجال زمنية محدّدة، حتى لا تبقى القرارات مجرّد حبر على ورق، خاصة وأنّ الجزائر أمام آثار مدمرة لأزمة مركبة اقتصادية وصحية، واستطاعت بعض الوزارات التدرج في تنفيذ الإجراءات خاصة المستعجلة، في حين غرقت أخرى في الشكليات مثلما قال الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية لـ «الشعب ويكاند».
تنفيذا لتعليمات الرئيس تبون، برمجت الحكومة عدة محاور مهمة لإنعاش الاقتصاد الوطني، بعدما توحّدت الرّؤى في الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي المنعقدة شهر أوت الماضي، بين الحكومة، الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وتمّ ضبطها بجدول زمني من أجل تنفيذها يمتد على 3 مراحل حتى العام 2024.
تتضمّن المرحلة الأولى تدابير استعجالية تعيّن وضعها حيز التنفيذ قبل نهاية 2020، والمرحلة الثانية تتعلق بإجراءات تنفذ على المدى القصير في سنة 2021. أمّا المرحلة الثالثة والأخيرة فتتعلّق بتدابير متوسّطة المدى وجب تنفيذها في الفترة الممتدة من 2022 إلى 2024.
تتضمّن المرحلة الأولى تدابير استعجالية تعيّن وضعها حيّز التنفيذ قبل نهاية 2020، والمرحلة الثانية تتعلق بإجراءات تنفّذ على المدى القصير في سنة 2021. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فتتعلّق بتدابير متوسّطة المدى وجب تنفيذها في الفترة الممتدة من 2022 إلى 2024.
ويرتكز مخطّط الإنعاش الاقتصادي على 3 محاور كبرى و20 بندا لإصلاح وإنعاش الاقتصاد المتضرر من فيروس كورونا، وهبوط أسعار النفط.
وحدّد رئيس الجمهورية، للحكومة في إطار تنفيذ هذا المخطط هدف بلوغ صادرات خارج المحروقات بـ 5 مليارات دولار نهاية العام 2021، بدل ملياري دولار حاليا، كما أوعز لها العمل على الإصلاح المالي إضافة للتجديد الاقتصادي ومقاربة اقتصادية لمكافحة البطالة، واستحداث فرص العمل في السوق المحلية.

تعجيل تفعيل الإجراءات

عانى الاقتصاد الجزائري كثيرا من جائحة كورونا، وخاصة في ظل تدهور أسعار النفط وتوقّف نشاط المؤسّسات الاقتصادية وخاصة الخدماتية منها، ممّا تسبّب في تضرّر مباشر للاقتصاد الوطني ومؤسّساته، وهو ما جعل رئيس الجمهورية يأمر الحكومة ببرمجة عدة محاور مهمة لإنعاش الاقتصاد من خلال الاعتماد على تفعيل القطاعات الانتاجية، وتشجيع بروز مؤسّسات صغيرة ومتوسطة في هذا المجال لاستحداث مناصب الشغل، وتنويع مصادر الدخل الفردي، للحفاظ على القدرة الشرائية.
 من أجل دعم الاقتصاد، قال الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية لـ «الشعب ويكاند»، إنّه تمّ تخصيص مبلغ مالي هام في إطار قانون المالية لإنعاش المؤسّسات الاقتصادية في مختلف القطاعات الإنتاجية، خاصة وأنّ الجزائر تزخر بقدرات طبيعية هائلة تجعل من بعض القطاعات الإنتاجية كالفلاحة والصناعة قطاعات رائدة مدرّة للثروة.
ورغم جائحة كورونا ركّزت السلطات العليا للبلاد وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون - يضيف سواهلية - على تفعيل خطة الإنعاش الاقتصادي التي تمّ إعدادها في ظل الجائحة من أجل الانتقال الى اقتصاد متنوّع يعتمد على الموارد الطبيعية الأخرى والقدرات البشرية التي تزخر بها الجزائر، ومؤهلات تكنولوجية علمية مهمة تجعل منها مؤهّلة لكي تكون رائدة في انعاش القطاعات الاقتصادية، خاصة الصناعية والخدماتية واقتصاد المعرفة.
لذلك جاء مخطّط الانعاش الاقتصادي متنوعا للقطاعات الأخرى والاهتمام بقطاع الفلاحة كقطاع أساسي يعمل على تحقيق الأمن الغذائي، الذي يعتبر مهما جدا وقد يوفّر من المادة الأولية لقطاع الصناعة وخاصة النسيجية والغذائية والتحويلية التي تكون في مدخلات الاقتصاد المحلي، ويتم الاستغناء عن استيرادها وتقليص بذلك فاتورة استيرادها.

مخطّط متكامل

اعتمد إعداد مخطّط إنعاش الاقتصاد الوطني على محاور مهمة ترتكز أساسا على تحريك قطاع المالية والخدمات والتسويق والتجارة الخارجية والقطاعات المنتجة، وهو ما جعله في نظر الخبير الاقتصادي سواهلية «خطّة متكاملة» تمّ فيها تشخيص واقع الاقتصاد الجزائري وما يعانيه، خاصة في ظل اعتماده على قطاع المحروقات والاستيراد المفرط للسلع والخدمات المتوفرة في الجزائر وغيرها من المظاهر المشينة، وبعد تشخيص هذه الوضعية تمّ إيجاد الحلول اللازمة من أجل الحد من الاستيراد المفرط وتضخيم الفواتير، والعمل على تدعيم الإنتاج المحلي وإنعاش القطاعات الاقتصادية.
ويضيف سواهلية، أنّ هذه الخطّة كانت متكاملة بإشراك السلطات المحلية، وذلك بعقد لقاء الحكومة والولاة من أجل تطبيق هذه الرؤية الواضحة، وهي الانتقال إلى اقتصاد يتنوّع إلى القطاعات الأخرى مع التوسع والاستثمار في قطاع المحروقات إلى الإنتاج الصافي للنفط، والاهتمام بالطاقات المتجددة والمناجم والقدرات الباطنية، إضافة إلى ما تمتلكه الفلاحة والصناعة والموقع الاستراتيجي للجزائر الذي قد يلعب دورا مهما في التجارة الخارجية.
 لكن تنفيذ هذا المخطّط بنجاح، يقتضي توفّر مناخ ملائم للاستثمار خاصة أن اليوم لدينا إرادة سياسية من رئيس الجمهورية للانتقال للإنتاج في القطاعات الاقتصادية الأخرى والاهتمام بالإنتاج المحلي، لكن هذه الإرادة والمناخ الملائم والاستقرار السياسي والأمني، لابد له من مناخ مادي ملائم للاستثمار بتعديل قانون الاستثمار المتضمن عدة عوائق، خاصة ما تعلق بالعقار الصناعي ومنح المزايا والامتيازات الضريبية والجمركية من أجل تحفيز هذه المؤسسات الإنتاجية، والعمل على التنسيق فيما بينها وخلق شبكة مؤسساتية متوازنة كي يكون هناك تكامل بين مؤسسات الإنتاج ومؤسسات الخدمات، سيما مؤسّسات التخزين والنقل والجمركة والصادرات وغيرها، وبالتالي ننتقل من سياسة الأمن الغذائي الى صادرات خارج قطاع المحروقات، والاهتمام بتدعيم احتياطي الصرف.

إصلاح المنظومة المصرفية

إصلاح المنظومة المصرفية وضع في صلب مخطط الإنعاش الاقتصادي من أجل مواكبة المؤسسات الاقتصادية، وقد تمّ إدراج بعض الإصلاحات من طرف الدولة، خاصة ما يتعلق بالصيرفة الإسلامية ومرافقتها للمؤسسات كشريك حقيقي في الربح والخسارة، كما تمّ فتح الفروع البنكية في الخارج من أجل مرافقة المستثمرين الجزائريين في الدول الافريقية وغيرها، وحماية رؤوس أموالهم وتحويلها بسهولة.
وعدّد سواهلية عدة إجراءات تمّ إقرارها، منها المزايا الضريبية من أجل تحفيز المؤسسات والمستثمرين على العمل بقوة من أجل إنتاج خارج قطاع المحروقات، وتوفير الطلب المحلي للاستهلاك ثم الانتقال للصناعات التحويلية أو الانتقال للصادرات ما يجعل من اقتصادنا يتنوّع لقطاعات أخرى.
ولكن هذه الإرادة تستلزم حسبه، توفّر كفاءات بشرية تحسن استعمال الأدوات والوسائل اللازمة لتحقيق هذه الرؤية الواضحة والأهداف في مختلف القطاعات الاقتصادية، وإنعاش مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية الأخرى كي يكون هناك إسهام في كل القطاعات الاقتصادية على خلاف المحروقات.
ويقول سواهلية إنّه في ظل هذه الخطّة المتكاملة لجميع القطاعات لابد أن تكون إصلاحات متوازنة في صيرورة جماعية وليس فردية، لأنّنا اليوم نشهد تراجعا لكثير من القطاعات وتوقفا شبه تام لخطة الانعاش الاقتصادي الوطني التي بقيت حبيسة الادراج عدى بعض الإصلاحات التي تشهد تدرج في الميدان خاصة إصلاح المنظومة المالية بإدراج الصيرفة الإسلامية، إضافة الى إيجاد السبل اللازمة للقضاء على ظواهر التهرب الضريبي، وزيادة تراكم الديون التي يجب القضاء عليه بمختلف الآليات والوسائل الناجعة، خاصة ما يتعلق بالرقمنة والتحفيز لمختلف المكلفين بالضريبة بأدائها، إضافة إلى تسهيل إجراءات دفع الضريبة وتبسيطها.
وأمام توسّع السّوق السّوداء للكتلة النقدية خارج الدورة الرسمية، ورغم أنه قال إن هذا الإجراء «ليس مقلقا» لأن المهم ان تكون الكتلة المالية متوفرة لتمويل الاقتصاد، رأى سواهلية أن أحسن حل ليس مختلف إجراءات امتصاص هذه الكتلة خارج السوق، ولكن هو فتح الاستثمار وتحفيز المستثمرين ورجال المال والأعمال على الاستثمار، وبالتالي آليا سيكون هناك امتصاص لهذه الدورة وإدماجها في تمويل الاقتصاد، وخاصة تحفيز رجال الأعمال على الاستثمار وفتح المؤسسات المالية والبنوك الخاصة من أجل تمويل الاستثمارات، وهذه كلها إجراءات يمكن أن تحفز الاستثمار والمؤسسات وتجلب الاستثمار المحلي في كل القطاعات الاقتصادية أمام شحّ كبير للموارد المالية بسبب تراجع أسعار النفط.

الاهتمام بالأهداف وليس بالجزئيات

العمل على تحقيق أهداف ومخطط الإنعاش الاقتصادي، يتطلب حسب سواهلية عدم الاهتمام بالجزئيات أو الإجراءات المرفقة لتحقيق هذه الأهداف والاهتمام بتنفيذ الإجراءات أكثر من الاهتمام بالأهداف المسطّرة، وفي نظره لا يجب أن تلتف الحكومة إلى المظاهر الفرعية والجانبية للاقتصاد، والقضاء على هذه الظواهر يكون بتحقيق الأهداف الكبرى التي تمّ تسطيرها في مخطط الإنعاش الإقتصادي بإشراك جميع القطاعات الوزارية، سلطات محلية، رجال المال والأعمال، نقابات عمالية، وهذا ما يجعل الجميع يسهم في تنفيذ المخطّط كل على مستواه، ولكن للحكومة الدور الأساسي في تنظيم هذه الأهداف والعمل على تحقيقها بالوسائل والآليات الناجعة، وليس الإهتمام بالشكليات والظواهر الجانبية للاقتصاد.
العديد من القطاعات الاقتصادية للأسف تلتف إلى الجزئيات البسيطة مثل قطاع الصّناعة، الذي يغرق اليوم في ملف استيراد السيارات رغم أنّ استيراد السيارات ليس من مهامه، وقطاع التجارة يجلس مع منتجين مباشرة للعمل على تنظيم الأسواق أو الأسعار والصّادرات، رغم أنّ المنتجين لا علاقة لهم بالتجارة ومهمّتهم الإنتاج، والقطاعات الأخرى تكاد تفقد حسبه رؤيتها الواضحة في تحقيق هذه الأهداف
أشار سواهلية إلى أنّ العديد من القطاعات الاقتصادية للأسف تلتف إلى الجزئيات البسيطة مثل قطاع الصناعة، الذي يغرق اليوم في ملف استيراد السيارات رغم أن استيراد السيارات ليس من مهامه، وقطاع التجارة يجلس مع منتجين مباشرة للعمل على تنظيم الأسواق أو الأسعار والصادرات، رغم أن المنتجين لا علاقة لهم بالتجارة ومهمتهم الإنتاج، والقطاعات الأخرى تكاد تفقد حسبه رؤيتها الواضحة في تحقيق هذه الأهداف، لأنها لم تجد الآليات والوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف المسطرة، وهذا ما يصعب من مأمورية الحكومة، ويجعلها تائهة في شكليات وظواهر فرعية واجتنابية لخطة الإنعاش ويفقدها تصويب الهدف، والرؤية الواضحة لتحقيق الأهداف المطلوبة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024