تناولها الدكتور عبد الله شريط في كتاب من 4 أجزاء

الثـــــــــورة الجـــــزائريـــــة فــــــــــي الصّحافـــــة الدوليـــــة

سهام بوعموشة

 

تناول الدكتور عبد الله شريط في أربعة أجزاء من كتابه الصادر عن وزارة المجاهدين، موضوع الثورة الجزائرية في الصحافة الدولية وكيف تحدثت الصحف الأوروبية عن حرب التحرير، وقف إطلاق النار، اتفاقيات إيفيان وجرائم منظمة الجيش السري الفرنسي.كما إثار في مؤلفاته مواضيع لها إهميتها في تاريخ الجزائر منها مستقبل الأوروبيين في الجزائر، الاتفاقات العسكرية الجزائرية الفرنسية، تنظيم الجزائر المستقلة وانهيار معنويات الأوروبيين وغيرها من المواضيع.

في هذا الصدد، نستعرض موضوع بعنوان «ابتهاج العالم بنهاية الحرب الجزائرية»، بحيث نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية مقالا افتتاحيا علّقت فيه على ردود الفعل في جميع أنحاء العالم بعد إعلان وقف القتال واتفاقيات ايفيان.
 وبحسب شريط، دعت الصحيفة الفرنسية الشهيرة بهذه المناسبة إلى استئناف العلاقات مع الدول المحايدة والدول العربية على الخصوص، كما يجد القارئ فصلا لمراسل الجريدة بموسكو حول اعتراف روسيا القانوني بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
اتّفق العالم أجمع على الترحيب باتفاقيات ايفيان، حيث أن هذا الإجماع النادر الحصول، يمثل في حد ذاته حدثا له أهميته، أن عدم ارتفاع صوت واحد باستثناء صوت النائب الأمريكي المتطرف باري قولدواتر لإفساد النغمة المنسجمة التي تغنّت بها عواصم العالم، أمام وقف القتال من شأنه أن يقنع الحركة السرية المسلحة بصفة قطعية أنه يتعين عليها أن لا تطمع في أي عطف سند من العالم، ذلك أنّ الظروف التي تم فيها الوصول إلى وقف القتال تطابق تماما المشاعر التي يحملها رجال الدول في جميع الأماكن منذ وقت طويل، ولكنهم لا يجرأون على التعبير عنها بسبب الاعتبارات الدبلوماسية، والدليل على ذلك أن الرئيس كينيدي لم يتمالك عن توجيه تهانيه في آن واحد إلى الجنرال ديغول وبن خدة رئيس الحكومة المؤقتة في نفس اليوم الذي ظن فيه خروتشوف أنه تخلص من خطر قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، فقرر أن يعترف «قانونيا» بالحكومة الجزائرية بالرغم من أن هذه الأخيرة تخلت مؤقتا عن تجسيد السيادة الجزائرية.
جاءت كتابات صحفية فرنسية مؤيدة لاستقلال الجزائر حيث قالت بعضها: «لاشك أن انتهاء الحرب الجزائرية يعيد إلى بلادنا نوعا من العفاف الدولي، ممّا يجعل رجالا مثل الرئيسيين المصري عبد الناصر أو الغيني سيكوتوري يخرجان عن موقفهما المناهض لنا، والتعبير عن أملهما في افتتاح عهد جديد بين أقطارهما وقطرنا، كما أن الماريشال تيتو لم يخف استعداده لنسيان الماضي والتعديات التي ألحقت بسفيره في باريس ليستأنف علاقات ودية مع فرنسا»، على حد تعبير أصحابها.

اعتراف روسيا بالحكومة الجزائرية

من جهة أخرى كتب مراسل «لوموند» في موسكو حول اعتراف روسيا بالحكومة الجزائرية المؤقتة وإبرام اتفاقيات ايفيان، قال فيها: «إنّ اعتراف موسكو بصفة قانونية بالحكومة الجزائرية يتّسم بالتّسرّع، إذ أنه جاء بعد مضي بضع ساعات على إعلان وقف القتال وبينما لن تستقل الجزائر بصفة رسمية إلا بعد بضعة أشهر، وبهذا فإن الاتحاد السوفياتي لم يحترم الحجة التي ظل يتمسك بها خلال السنوات الماضية، والقائلة بأنه لا يعترف أبدا بأي حكومة لا تمارس سيادتها ولو على جزء قليل من ترابها، وعلى هذا الأساس يتبين لنا أن خروتشوف تقدم تطور الحوادث شيئا ما، ولكننا إذا اعتبرنا هذا الاعتراف من داخل العالم الشيوعي فإنه يبدو لنا متأخرا جدا عن موعده، كما يبدو لنا نتيجة لتطور طويل امتاز بمشاكل جدية اصطدم بها القادة الروسيون».
بهذا الموقف يظهر الصحافيون الفرنسيون موقفهم المناوئ لاستقلال الجزائر، حيث يرون ضياع ارض حلموا بضمها ابد الدهر الى بلدهم، وتمادوا في الترويج لمغالطات «عدم وجود امة جزائرية في التاريخ القديم والحديث».
ومن المعلوم أن الاتحاد السوفياتي لم يقطع الخطوة الاولى في علاقاته مع الحكومة الجزائرية إلا في شهر سبتمبر 1960، أي بعد مضي 6 أعوام على بداية الحرب الجزائرية، وكان ذلك عندما اجتمع خروتشوف في نيويورك مع البطل كريم بلقاسم بينما كان فرحات عباس محل حفاوة استقبال في موسكو، وهو متجه الى الصين الشعبية في زيارة لها.
 ومن المعلوم أن الزعيم السوفياتي خروتشوف تحدث لأول مرة عن الاعتراف الفعلي بالحكومة الجزائرية، معللا ذلك بدخول الحكومة الفرنسية في مفاوضات رسمية مع الحكومة الجزائرية، ولكن موسكو كانت في ذلك العهد متأخرة عن منافستها الصين الشعبية التي اعترفت بالحكومة الجزائرية قبل ذلك بعدة أشهر، وأضفت على زيارات الجزائريين لها صبغة شرفية خاصة في الوقت الذي كانت فيه الصحافة الروسية تتجاهل مرور أو إقامة الوفود الجزائرية بالعاصمة موسكو.
وبعبارة أخرى، فإن القادة السوفيات لم يقدموا إلا مساعدات محتشمة للثورة الجزائرية، وذلك إما لأنهم لا يريدون معاكسة الجنرال ديغول، وإما لأنهم يخشون أن يدفعوا الأمريكيين إلى التدخل مباشرة في هذه الرقعة من الأرض ذات الموقع الجيو استراتيجي المميز. وقد كان من الصعب على الحكومة الروسية أن تتمسك بهذا الموقف خلال السنوات الأخيرة نظرا الى أن منافستيها الحكومة الصينية والحكومة اليوغسلافية ذهبتا الى حد بعيد في الاعتراف القانوني والتأييد العملي للحكومة الجزائرية.
تأكد الآن، أن الموقف إزاء الحكومة الجزائرية كان يشكل أحد مواطن الخلاف بين الشيوعيين الصينيين والشيوعيين السوفيات، ولهذا فإن تسرّع خروتشوف الى الاعتراف بالحكومة هذه المرة يمكن تفسيره بأنه إصلاح لنسيان طويل، وقد فهم الملاحظون أن روسيا كانت تنتظر إبرام اتفاقيات أيفيان من طرف الحكومة الفرنسية لتسارع إلى منح الحكومة القادمة ما أمسكته عن الجبهة المكافحة.
 لا يشك الملاحظون أن روسيا تريد الآن أن تستدرك ما فات، وأن تغدق على الجزائر ما تستحق إليه، وهكذا فإن الصحافة السوفياتية تنشر اليوم كثيرا من التعاليق للاحتفال بالاتفاقيات التي لا تمثل في نظرها «انتصارا كبيرا للشعب الجزائري»، بل أيضا «هزيمة جديدة للاستعمار وللامبريالية الأمريكية والألمانية».


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19424

العدد 19424

الإثنين 18 مارس 2024
العدد 19423

العدد 19423

الأحد 17 مارس 2024
العدد 19422

العدد 19422

السبت 16 مارس 2024
العدد 19421

العدد 19421

الجمعة 15 مارس 2024