الدكتور جمال الدين ميعادي:

الإخوة التونسيون ساندوا القضية الجزائرية رسميا وشعبيا

سهام بوعموشة

المنطقة الحدودية الشرقية احتضنت مراكز تدريب جيش التحرير 

الذاكرة تستوجب عدم إهمال أي محطة ونشجّع الأبحاث والدراسات

احيت الجزائر وشقيقتها تونس الذكرى الـ64 لمجزرة ساقية سيدي يوسف التي امتزج فيها دم الشعبين بتاريخ الـ8 فيفري 1958، حيث كانت المناطق الشرقية الحدودية قاعدة خلفية لثوار جيش التحرير الوطني، ومأوى للاجئين الجزائريين الفارين من بطش الإدارة الإستعمارية الفرنسية.

في هذا الصدد يبرز مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 الدكتور جمال الدين ميعادي في حديث لـ»الشعب ويكاند» رمزية هذا الحدث التاريخي الدال على مدى تأزر وتلاحم الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي.
 ويقول: «إذا علمنا أن هذه القرية التي كانت آمنة ذات يوم قبل هذا التاريخ كانت تضمّ عائلات كثيرة جزائرية أطفال شيوخ عجائز وكذلك مواطنين جزائريين فروا من بطش الاحتلال الفرنسي في الجزائر آنذاك، لاسيما بعد الحصار الذي ضرب على الثورة بدءا من سنة 1955».
ويضيف ميعادي، أن هذه القرية الآمنة تعرّضت لهجوم سربين من الطائرات الفرنسية سقط فيها شهداء من نساء وأطفال وتلاميذ كانوا في المدرسة قدر عددهم بـ76 شهيدا من مختلف الأعمار، بالإضافة الى الاضرار المادية التي لحقت بالقرية، وكان زعم الفرنسيين لاسيما جنرالاتها الذي أمروا بالعدوان على هاته القرية في هذا اليوم بالذات أنهم يستعملون حقهم في ملاحقة الثوار الجزائريين داخل التراب التونسي.
وادعوا أنهم دمروا أماكن لتخزين الأسلحة والمتفجرات بينما الواقع الذي كشفته الصحافة العالمية بعد ذلك كان مخالفا وكشفت المغالطة التي أرادت أن تثبتها السلطات الفرنسية والدليل على ذلك أن الإخوة التونسيين وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة قدّم احتجاجا شديدا لدى الهيئة الأممية وحثّ سفراء الدول التي كانت تقيم علاقات مع تونس آنذاك على زيارة مكان الواقعة والإطلاع على حجم الجرم الذي ارتكب في حق أولئك المواطنين الأبرياء.
ويشير ميعادي إلى أن هذا التلاحم الذي وقع في هذه الحادثة ما هو إلا رمز لعدة حالات ومظاهر للتضامن الشعبيين الشقيقين الجزائري والتونسي ابان الثورة التحريرية، ويؤكد أن الإخوة التونسيين ساندوا رسميا وشعبيا القضية الجزائرية والشعب الجزائري في محنته ابان فترة الاحتلال ولاسيما بعد سنة 1956، أي بعدما نالت تونس استقلالها.
ويشير إلى أنه برئاسة الحبيب بورقيبة كان هذا الدعم يزداد يوما بعد يوم، والدليل على ذلك أن المنطقة الشرقية الحدودية داخل التراب التونسي مثل غار ديماو وساقية سيدي يوسف وغيرها من المدن كانت كلها تحتضن مراكز لتدريب الجيش الجزائري ومستشفيات عسكرية وكذلك أماكن أخرى لإيواء الجزائريين، وبالتالي كانت قاعدة خلفية للثورة الجزائرية.
ومنها كان يتمّ تمرير السلاح ومن هنا يمرّر التموين وبالمقابل تستقبل الجرحى المعطوبين من الثوار الجزائريين داخل التراب التونسي، وبالتالي التطبيب والاستشفاء في هاته الأماكن وغيرها.
ويضيف: «لا ننسى أن هذا التضامن والتلاحم بدأ في من زمن الحركة الوطنية، حيث كان للجزائريين دور كبير في الحركة الوطنية التونسية وتفاعلوا مع تلك الحركة وكانت لهم بصمتهم».
ويذكر محدثنا بالدعم الذي قدّمه التونسيون لكل المبادرات التي كانت تقوم بها جبهة التحرير الوطني، فتأسيس أول فريق لجبهة التحرير الوطني في أفريل 1958 كان بتونس وكذلك الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني تأسست على التراب التونسي وبدعم من الأشقاء التونسيين الفنانين والموسيقيين والمسرحيين.
بالإضافة إلى إذاعة «صوت الجزائر المكافحة» من تونس بدأت بحصة يومية ثم تدعّم هذا البرنامج وكذا دور الاعلام التونسي في دعم القضية الوطنية وخاصة الصحف التي كانت تصدر يوميا منها جريدة الصباح وجريدة L’action، كانت تقوم بتغطية كل الاحداث والتطورات في القضية الجزائرية.
ويوضح الدكتور ميعادي، أن التضامن والتآزر بين الشعبين الشقيقين كانت له عدة مظاهر وعدة أشكال، ما جعل قيادة الثورة تركز مقرات الحكومة المؤقتة وتسييرها آنذاك في تونس. وهذا الدعم تواصل حتى اثناء الاستقلال، لأن الجزائر خرجت من حرب مدّمرة أتت على الأخضر واليابس واللاجئين الجزائريين على الحدود الجزائرية كانوا يجدون راحتهم فعائلتهم هناك وبعد الاستقلال عادت هذه العائلات الى الوطن.
ويبرز مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية الدور الكبير للهلال الأحمر التونسي في تقديم المساعدة المادية اللازمة للاجئين الجزائريين بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي دون إغفال دور الاتحاد العام للشغل التونسي الذي قدم دعما لبروز الاتحاد العام للعمال الجزائريين واستقباله على المستوى الدولي.
ويضيف: «إن هذا التضامن والتآزر متميز جدا بين الجزائر وتونس الشقيقة ونحن نشجع كل الأبحاث والدراسات التي تصبّ في هذا الموضوع لإبراز هاته الحقائق التاريخية التي مازالت تحتاج الى نفض الغبار وتعميق الدراسة حولها».
وعن الدراسات التي أنجزت في هذا المجال يؤكد الدكتور ميعادي أنها شحيحة نوعا ما أملا من الباحثين مستقبلا التركيز كثيرا على هذا التآزر والتضامن بين الشعبين بدراسات أخرى اكثر عمقا وبحوث أخرى جادة حتى نبزر النضال المشترك بين الشعبين الجزائري والتونسي.
 
إمكانية اطلاق مشروع تاريخي علمي مشترك
 
ويكشف ميعادي عن إمكانية اطلاق مشروع تاريخي علمي مشترك بين المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة اول نوفمبر 1954، وبين المركز الوطني الخاص بالحركة الوطنية التونسية وتشجيع كل أعمال البحث الجديدة والجادة حول هذا التاريخ الزاخر بين البلدين، ما يتيح فرصة كبيرة للباحثين في البلدين للاطلاع على الأرشيف المتخصص والمتعلق بالتاريخ المشترك.
ويؤكد أن باحثين تونسيين زاروا المركز وأبدوا استعدادهم للتعاون ويأمل تجسيد هذا الاستعداد في اطار اتفاقية رسمية بين المؤسستين، بالإضافة الى ترقية أعمال التشاور والتعاون في المجال المتحفي بحكم أن وزارة المجاهدين لديها متحف وطني زاخر بالأرشيف والمجسمات والوثائق والصور والتنسيق مع المتحف الموجود في غارديماو وهو متحف مشترك للذاكرة التونسية الجزائرية.
ويؤكد مدير المركز أنه «يستوجب ان لا نهمل أي محطة تاريخية من تاريخنا العريق والمتين والذي لا يمضي شهر ولنا فيه ذكرى وحدث، ويقول: «لا بد أن نعطي الذاكرة حقها لتخليد هذه المحطات والذكريات ونحن نتفاءل خيرا في التعاون المشترك».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024