الدكتور شرقي الرزقي حول السياسة الاستعمارية في الجزائر

جرائم ضد الإنسانية اقترفت في حق الجزائريين دون متابعة قضائية

سهام بوعموشة

إن الإبادات الجماعية التي اقترفها الاحتلال الفرنسي في حق الشعب الجزائري ليست وليدة الثورة فحسب، وإنما هي سلوك عدواني معهود في تصرفاته غير الإنسانية منذ الاحتلال، فالتاريخ يشهد على ذلك بأمثلة كثيرة، هذا ما  أكّده الدكتور شرقي الرزقي أستاذ بجامعة تلمسان في مقاله بعنوان”نشاطات التنظيمات الإرهابية الفرنسية إبان الثورة التحريرية 1954-1962” الصادر في مجلة المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر1954، مضيفا أن أقدم المجازر هي  مذبحة قبيلة”العوفية” بتاريخ 06 أفريل 1830، التي قادها السفاح “روفيجو” وروى  تفاصيلها المفجعة من غير خجل وبكل افتخار .

وأضاف الدكتور شرقي أن الاستعمار الفرنسي،  اقترف مجزرة أخرى في زمالة الأمير عبد القادر ب«تاقدمت” التي قال عنها العقيد الإنجليزي “أسكوت” في مذكراته الشخصية حول مدة إقامته في صفوف جيش الأمير عبد القادر خلال عام 1841 ما نصه:«لقد شاهدت من أهوال الحروب وعاينت رفقاء السلاح الأعزاء يسقطون بجنب، ولكنني كنت اعتبر ذلك دوما من أقدار الحروب، غير أن الفظائع التي ارتكبت في حق الأبرياء العزل”بالجزائر” أمور يقشعر منها جلدي”.
ثم ينتقل إلى سرد تفاصيل تلك المجزرة، التي ارتكبتها القوات الفرنسية عقب تهديم وتخريب مدينة تاقدمت عاصمة دولة الأمير عبد القادر آنذاك، زيادة على ذلك فقد اقترفت فرنسا مجازر الثامن ماي 1945، التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد بمدن سطيف، قالمة، وخراطة، وتكررت تلك المجازر بشكل أكثر دموية أثناء ثورة التحرير .
ويعتقد الأستاذ شرقي بأن أبشع مجزرة هي التي ارتكبت بملعب سكيكدة بتاريخ 20 أوت 1955، كانتقام من الأهالي العزل ردا على الهجمات البطولية التي خاضها، القائد الثوري زيغود يوسف في المنطقة في وضح النهار، حيث حاصرت القوات الفرنسية الأهالي بداخل المدينة ، ثم شرعت في جمعهم وحشدهم بميدان الملعب البلدي وبعدها سددت نحوهم الرشاشات من كل جهة، وشرعت في إطلاق الرصاص على الجميع دون تمييز ثم استقدمت الجرافة لدفنهم.
وقال أيضا أن الشواهد المادية أظهرت أثار التعذيب الجسدي والذهني على المجاهدين من طرف مصالح الأمن الفرنسي خلال الثورة، وكذا الآثار المعمارية لمراكز التعذيب المنتشرة هنا وهناك عبر التراب الوطني، وفي مقدمتها مراكز مدينة الجزائر العاصمة شأن “دار سيزيني” و«دار اندوريا “ على وجه الخصوص، أضف إلى ذلك اعتراف الجلادين بما اقترفوه من تعذيب وتنكيل في حق الشعب الجزائري الصامد، وما أنجر عليه من أمراض عقلية وأزمات نفسية لبعضهم.
وقد اعترف الجلاد “بيير لوليب” في مذكراته الخاصة ساعة وجوده في صفوف المظليين الفرنسيين، مؤكدا أن التعذيب كان وسيلة نظامية في استنطاق الجزائريين، وقد كان أخطر مراكز استنطاقهم هو دار سيزيني ذات الزخرفة الجميلة، الواقعة بأعالي مدينة الجزائر العاصمة، ثم يواصل حديثه عن كيفية تعلم المظليين الفرنسيين أساليب التنكيل فيقول”تعوّد جنود المظليين أصحاب القبعات الخضراء على أساليب التعذيب الحديث شيئا فشيئا بعدما كانوا في البداية يرتعشون لمشاهدة ذلك، حيث عادوا يمارسونه باستمتاع وتذوق”، حسب ما جاء في مقال الأستاذ الجامعي.
وهناك فرقة ثانية من جنود المظليين دائما ترتدي القبعات الحمراء تلقت تدريبها في التعذيب بمركز الفرز التابع لمنطقة بوزريعة، وأصبحت تمارس ذلك في دار مهجورة غير مكتملة البناء تقع بمقربة الساحة العمومية بحي الابيار، وبين هذين الفريقين المظليين  أصحاب القبعات الحمراء والخضراء كانت تجرى المنافسات المحتدمة حول التفنن في فضاعة التعذيب، وكأنهم يتبارزون في مباراة كرة القدم.
وأضاف شرقي بدون مغادرة أعالي العاصمة نذكر نموذجا ثانيا لمراكز الاستنطاق والتعذيب، وهي “دار أندريا” تلك الدار التي نما وترعرع في أحضانها الإرهاب المحتمي بالدولة، وهو ما شجع على اختراع أسلوب جديد في التعذيب على يد الجلاد الفرنسي “جان أوجي”، الذي تغير اسمه إلى “جان الملعقة” نسبة إلى أسلوبه المبتكر في قلع عين الإنسان بملعقة الأكل العادية.
وقد أنشأ هذه الدار المرعبة أحد المحامين الفرنسيين، البارزين في النخبة السياسية الفرنسية وهو “بيار لومارشون” الذي دخل أحضان السياسة القذرة ابتداءا من عام 1948، ثم مشاركته للشرطة في قمع المظاهرات الاحتجاجية التي كان يقودها الفيلسوف “جان بول سارتر” عام 1956 ، لصالح الثورة الجزائرية، كما أسهم بنفسه في تصفية كثير من الجزائريين خلال حرب التحرير. وقد جعل “لو مارشون” من أحد نوادي رياضة الكاراتي بباريس، مركزا لتجميع وتدريب عملائه من الإرهابيين قبل نقلهم إلى الجزائر، وعين على إدارة ذلك النادي عميلا يهوديا من أصل تونسي اسمه “جيم الشيخ” وهو أحد أبطال هذه الرياضة القتالية العنيفة، فيما كان أبرز عملائه في هذا العمل القذر الإرهابي الكبير “كريستيون دافيد” الذي كان محل بحث من طرف الشرطة الدولية، والمخابرات الأمريكية لتورطه في تهريب الحشيش، حيث كان تاريخ التحاقه بدار “لو مارشون” في الجزائر بداية سنة 1961.
هذا ولم تقتصر العمليات الإرهابية الفرنسية على ذلك، فعقب انتهاء مفاوضات “ايفيان” والاتفاق على وقف إطلاق النار من 19 مارس  إلى 05 جويلية 1962، قررت منظمة الجيش السري”لواس” انتهاج سياسة الأرض المحروقة بتهديم المنشآت القاعدية، وحرق الإدارات العمومية نكاية في الجزائريين، وكثفوا من هجماتهم بقذائف”المورتي” العشوائية، وتفجير العبوات الناسفة في كل مكان وتفخيخ السيارات.
فقد قام التنظيم المعروف ب«الدالتا” الذي كان يترأسه الملازم “روجي دوقلدر” بإحراق المكتبة الوطنية الجزائرية بتاريخ ال7 جوان 1962، وإتلاف ستين ألف مجلد من كتبها ومخطوطاتها النفيسة، وفي نفس الوقت ذاته تم إحراق المركز الوطني لأرشيف الهوية الشخصية، التابع لمصالح وزارة الداخلية، كما تم حرق دار بلدية وهران ومكتبة البلدية بذات المدينة.
وحسب الأستاذ شرقي، فإن النشاطات الإجرامية الفرنسية في حق الشعب الجزائري وممتلكاته قد تضاعفت مرات عديدة خلال الشهور الأخيرة من عمر الثورة، ففي شهر جانفي 1962 سجلت 801 عملية إجرامية أسفرت عن مقتل 555 ضحية وجرح 990 آخر، وفي النصف الأول من شهر فيفري سجلت 507 عملية إجرامية أسفرت عن مقتل 256 ضحية، مما يفسر بوضوح تعمد إدارة العدو لخلط الأوراق مرة أخرى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024