الانتقال من موقع “المتلقي” إلى موقع “المنتج” في متناول اللغة العربية
تعتبر البروفيسور سعاد بسناسي من جامعة وهران 1 وعضو المجلس الأعلى للغة العربية، أن اللغة العربية تعيش اليوم لحظة مفصلية في تاريخها، إذ تتقاطع التحولات الرقمية المتسارعة مع قضايا الهوية والمعرفة والتنمية.
وأكدت بسناسي في تصريح لـ«الشعب” أنه في ظل الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، تبرز الحاجة إلى قراءة معمقة لواقع العربية في الفضاء الرقمي، واستشراف سبل تمكينها من التفاعل الإيجابي مع التقنيات الحديثة، مع إبراز الجهود الوطنية التي تبذلها الجزائر للارتقاء بلغة الضاد في عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة.
تحديات بنيوية ومعرفية وتقنية
ترى بسناسي أن اللغة العربية تواجه جملة من التحديات البنيوية والمعرفية والتقنية، من أبرزها ضعف المحتوى الرقمي العربي، فرغم المكانة المتقدمة للعربية من حيث عدد المتحدثين، إلا أن حضورها على أنترنيت لا يزال محدودا، نتيجة قلة الإنتاج المعرفي الرقمي وضعف المبادرات المؤسسية لصناعة محتوى عربي عالي الجودة، وتضيف أن اللغة العربية تعاني من فجوة تقنية في مجال معالجة اللغة الطبيعية، حيث يظل تطوير المحللات الصرفية، والمدققات النحوية، وأنظمة الترجمة الآلية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، دون المستوى المطلوب.
وتبرز المتحدثة هيمنة اللغات الأجنبية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ما يفرض على العربية تحدي مواكبة المصطلحات المستحدثة وتطوير آليات فعالة للتعريب والتوليد المعجمي، يضاف إلى ذلك التشتت الاصطلاحي وضعف التنسيق بين المؤسسات الأكاديمية والعلمية، ما يؤثر على جودة التواصل العلمي.
آفاق التفاعل مع التقنية الحديثة
إن تفاعل اللغة العربية مع الثورة الرقمية ضرورة حضارية لا خيارا ثانويا، كما ذكرت بسناسي، ويتحقق ذلك عبر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية واللسانيات الحاسوبية، وتعزيز المحتوى الرقمي العربي الرصين، وتحديث المصطلحات العلمية من خلال مشاريع تعريب ممنهجة، كما ينبغي إدماج العربية في التعليم الرقمي، ودعم الابتكار اللغوي عبر تشجيع تطوير التطبيقات الذكية والقواميس الرقمية وأنظمة المحادثة الآلية.
جهود جزائرية منيرة
سلطت الدكتورة سعاد بسناسي الضوء على ما تبذله الجزائر من جهود معتبرة لتعزيز حضور العربية رقميا، يتصدرها دور المجلس الأعلى للغة العربية في تحديث المصطلحات، ودعم البحث اللساني، وإطلاق مشاريع رقمية متخصصة، مؤكدة على أن الدولة وعبر سياساتها واستراتيجياتها تشجع رقمنة المعرفة والبحث العلمي، وتعمل على إصلاحات تربوية لإدماج الموارد الرقمية العربية في التعليم، إضافة إلى دعم الصناعات الثقافية والإعلامية، وتوسيع التعاون الدولي في مجالات التعريب والذكاء الاصطناعي.
كما أكدت محدثتنا أن مستقبل اللغة العربية في العصر الرقمي مشروع حضاري يتطلب إرادة سياسية، ورؤية علمية، وتنسيقا مؤسسيا فعالا، معتبرة أن مع الجهود المبذولة في الجزائر، يمكن للعربية أن تنتقل من موقع المتلقي للتكنولوجيا إلى موقع المنتج لها، وتستعيد دورها كلغة علم ومعرفة وإبداع.






