تقول الأستاذة الجامعية خديجة باللودمو، إن الحديث عن اللغة العربية لا بد أن يكون احتفاليا، وهي اللغة التي تميزت بخصائص تثبت لها استقرارها وتجذرها الذي يمنع عنها الاندثار والتلاشي، وتعدّ من أكثر اللغات انتشارا عبر العالم بكل ثبات.
قدّرت أستاذة الأدب العربي المعاصر بجامعة الحاج موسى أخاموك بتمنغست، خديجة باللودمو، في تصريح لـ«الشعب”، أن الإشكال الأكبر الذي يواجه اللغة العربية اليوم، متعلق بكون الإنتاج التكنولوجي يأتينا من العالم الغربي، فهم أصحاب العلوم والتكنولوجيا في عصرنا هذا، ومن الطبيعي أن تُنتَج منتوجات هذا العصر وعلومه بلغتهم، “وهنا يجب علينا – تقول – تأمل اللغة العربية ودورها في استيعاب هذا الكم من المصطلحات الجديدة التي من الضروري أن توجَد لها مقابلات عربية، ففي كل يوم، بل في كل ساعة، تظهر تقنيات واستخدامات جديدة في لغة العلم والتكنولوجيا، ويجد الناطق باللغة العربية نفسه واقفا في حيرة من أمره أمام هذا المعطى الجديد”.
في السياق – تضيف باللودمو – إن صناعة المصطلح العربي المقابل للمفهوم الأجنبي، يتطلب جملة من الآليات كالنحت والاشتقاق والتعريب والترجمة، وهي آليات لا ترهق كاهل اللغة العربية التي هي في أساسها لغة اشتقاقية، ولها قدرة توليدية هائلة للمصطلحات في شتى المجالات، وهنا من الضروري جدا أن نذكّر بأن الطب البشري كان يدرّس باللغة العربية، ومختلف العلوم تأسست في حضن هذه اللغة، من فلك وجغرافيا ورياضيات وفيزياء وغيرها، فليس من المنطقي أن نخاف عليها في مواجهة هذا التحدي الرقمي الذي لا يمثل إلا شكلا من أشكال التغيرات التي تواجه كل لغة في العالم، فاللغة العربية – تواصل محدثتنا – تتفاعل بكل يسر مع التقنية الحديثة مفهوما ومصطلحا، لكنها بحاجة إلى جهود مكثفة لتحقيق هذا التفاعل وتأمين انخراط آمن للعرب في العصر الرقمي، للحفاظ على هويتهم بكل ما تحمل كلمة الهوية من معنى.
وتؤكد باللودمو أن التحدي الذي يواجه لغتنا العربية في هذا العصر الرقمي هو تحدٍّ مصطلحي، يتمثل في توفير مصطلحات عربية للإنتاجات المختلفة في مجال العلوم والتكنولوجيا، حتى لا يتعوّد المتلقي العربي على المصطلحات باللغة الأجنبية ويجد حرجا في توظيفها في جملة عربية في خطاب رسمي يوجّهه لجمهور عربي.، فليس من المعقول “أن لا يجد مدرسو العربية ما يعبّر عن آلة من الآلات لتعليمها لطلابهم، أو التعبير عنها وهم حرّاس اللغة وحافظوها، ولكن مهمة توليد المصطلحات ليست مهمة فردية، لأننا لاحظنا الإرباك الذي تحدثه الاجتهادات الفردية، وقد تسبّب بعض الضرر أكثر مما تنفع، إنها مهمة المؤسسات الرسمية والهيئات المعتمدة كمجامع اللغة العربية ومجالسها الخاصة بها”.
رغم هذا – تؤكد محدثتنا – “فإنه من الجحود ألا نعترف بالجهود التي تبذلها الجزائر للارتقاء بلغة الضاد ومواكبة التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، وكنموذج على هذا، تجربة المجلس الأعلى للغة العربية، بإصداره العديد من الدراسات والكتب والمجلات قصد ترقية اللغـة العربية في شتى مجالات الحياة، فهو يصدر مجلة سنوية حول أهم الانجازات والمشاريع”، وترى أن أبرز ما قام به المجلس هو تعريب الوثائق الإدارية والعسكرية، وله مساهمات في التعليم ويقدم خلاصات وتوصيات لرئاسة الجمهورية فيما يتعلق باللغة العربية، وغيرها من المعاجم، ودليل المحادثة الطبية والبيئة وعقد الملتقيات الدولية.
وأوصت محدثتنا بضرورة عدم اقتصار رهن احتفائنا بلغتنا العربية بيوم واحد، مشيرة إلى أن هذا اليوم هو فرصة لاحتفاء الآخر بها، ويحق لنا أن نفتخر بها في كل حين، والأهم أن نسعى للحفاظ عليها في وجه العصف الرقمي الذي تفرضه علينا العولمة وحاجتنا للتقنية التي ينتجها الآخر.
وأفادت باللودومو أن ما يربو عن 450 مليون شخص يتحدثون اللغة العربية حول العالم، وتعجّ قواميسها بالمفردات التي تفوق 12 مليون مفردة بدون تكرار، بالإضافة إلى ما يُنتج في أيامنا هذه، فالتحدي الرقمي “لن يهدّد هذه اللغة المتجذرة الشامخة في العالم، وستظل قادرة على مواكبة التطور اللغوي الحاصل مع كل اللغات، ما دامت الجهود الفردية والرسمية تسعى لتحقيق ذلك، ويظل تعلمها وإتقانها واجبا شرعيا لكل مسلم عبر العالم”.






