منظومة قانونية متكاملـة لتعزيز مناعــة البلاد فـي مواجهـة التحدّيات
في خطوة تعكس ديناميكية مؤسسات الدولة وقدرتها على مواكبة التحولات الداخلية والتحديات الدولية، شهدت الجزائر ما يمكن وصفه بـ«ثورة تشريعية» حقيقية، تُوّجت بالمصادقة، في جلسة برلمانية واحدة، على خمسة قوانين كاملة تمسّ جوهر الأمن الوطني، والعدالة، والذاكرة، وحماية الأرواح، والفضاء الرقمي. هذه الحزمة القانونية هي بمثابة منظومة متكاملة تستهدف تحصين الدولة وتعزيز مناعتها.
ففي جانب السيادة الوطنية، جاء تعديل قانون الجنسية ليؤطر هذا الملف الحساس وفق الدستور والالتزامات الدولية، مع التأكيد على أن التجريد منها إجراء استثنائي يُلجأ إليه فقط في حالات ثابتة تمسّ المصالح العليا للوطن. وهو ما يعكس توجهاً واضحاً للتصدي للممارسات التي تستهدف وحدة الدولة وأمنها، ضمن إطار قانوني مضبوط يحترم دولة القانون.
أما قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، فيحمل بعداً سيادياً وتاريخياً عميقاً، إذ يكرّس حماية الذاكرة الوطنية ويضع أسساً قانونية لمساءلة الماضي الاستعماري، بما يمنع محاولات التزييف أو التمجيد، ويحصّن الوعي الجماعي من أي اختراق رمزي أو ثقافي.
وفي الشق المتعلق بحماية الأرواح، يعكس قانون المرور الجديد إرادة تشريعية واضحة للحد من نزيف الطرقات، من خلال الجمع بين الردع والتوعية، وتحميل المسؤوليات القانونية لكل الأطراف، بما يعزز ثقافة احترام القانون ويضع سلامة المواطن في صدارة الأولويات.
كما يأتي قانون خدمات الثقة والتعريف الإلكتروني ليؤمّن الفضاء الرقمي الوطني، ويحصّن المعاملات الإلكترونية من التلاعب والاختراق، في ظل تزايد التهديدات السيبرانية، واضعاً أسساً صلبة لاقتصاد رقمي موثوق.
ويتوج هذا المسار بالقانون العضوي المتعلق بالقانون الأساسي للقضاء، الذي يكرّس استقلالية القاضي ويعزز دور المجلس الأعلى للقضاء، بما يشكل لبنة أساسية في بناء عدالة قوية، مستقلة، وقادرة على حماية الحقوق والحريات.
مجتمعة، تؤشر هذه القوانين على مرحلة جديدة، تؤكد أن التشريع في الجزائر بات أداة استراتيجية لحماية الاستقرار، وصون السيادة، وترسيخ دولة المؤسسات.




