احتفى، منتدى الكتاب، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بسكيكدة، في عدده “53” بالإعلامي والكاتب عمار صافي، وسط أجواء ثقافية راقية، بمناسبة صدور كتابه الجديد “كرونولوجيا صحفية”، الذي يقدم قراءة توثيقية عميقة لمحطات مفصلية من التاريخ الصحفي والاجتماعي للجزائر، ويعيد الاعتبار للذاكرة المهنية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية.
شكّل اللقاء مساحة للتأمل في مسار صحفي وإنساني طويل، حيث استهل بمداخلة أدبية قدّمها الروائي رضوان علوي، جاءت في صيغة قراءة شاعرية مكثفة، تجاوزت العرض الكلاسيكي للسيرة الذاتية إلى استحضار حي للأمكنة والأزمنة، التي صاغت تجربة عمار صافي.
وتتبع علوي ملامح الرحلة الأولى للكاتب منذ طفولته القاسية في دوار “زڨار”، مرورا بمحطات التكوين في العاصمة، وصولا إلى استقراره بمدينة القل، مبرزا كيف شكلت هذه التحولات الوجدانية والجغرافية وعيه الإنساني والمهني، وجعلته شاهدا على مرحلة دقيقة من تاريخ الجزائر، لا سيما من خلال مرافقة الرئيس الراحل هواري بومدين في خرجاته الميدانية، وهي تجربة منحت كتاباته عمق المعايشة وقيمة الشهادة.
وتوقف المتدخل عند المدن التي سكنت وجدان صافي، قبل أن يسكنها، مستحضرا عنابة بإشعاعها الثقافي، وقسنطينة بعمقها التاريخي، وكيف أسهم هذا التنوع المكاني في صقل ذائقته الفكرية وحسّه الصحفي، قبل أن يستوي باحثا وأكاديميا في فضاء الجامعة، جامعا بين التجربة الميدانية والتأصيل المعرفي.
من جهته، قدم البروفيسور علي خفيف، قراءة نقدية معمّقة في مضامين الكتاب، انتقل فيها من الوصف إلى التحليل، متوقفا عند نماذج من المقالات التي يضمها “كرونولوجيا صحفية”، ومبرزا قدرة المؤلف على مقاربة القضايا السياسية والاقتصادية بوعي نقدي ورؤية استشرافية، دون التفريط في البعد الثقافي الذي يمنح النص روحه وفرادته الأسلوبية. وأكد خفيف أن العمل يشكل وثيقة تاريخية ومكانية تستعيد ملامح زمن كامل، وتؤرخ لذاكرة الأمكنة والأحداث التي صنعت مسار إعلامي ظلّ وفيا لقيم المهنة ومسؤوليتها تجاه المجتمع.
وفي ختام فعاليات المنتدى، احتضن بهو المكتبة جلسة بيع بالتوقيع لكتاب الضيف، إلى جانب معرض كتاب ضمّ إصدارات ضيوف المنتدى، في صورة عكست حيوية العلاقة بين الكاتب والقارئ وديناميكية الفعل الثقافي داخل هذا الصرح. كما تمّ تكريم الكاتب عمار صافي بحضور والدته وعائلته، إضافة إلى تكريم المشاركين، في التفاتة تجسد ثقافة الاعتراف والتقدير التي تحرص عليها المكتبة.
وعلى هامش هذه الفعاليات، قام ضيوف المنتدى القادمون من ولاية عنابة بجولة في مختلف فضاءات المكتبة رفقة القائمين عليها، حيث اطلعوا على مرافقها وأقسامها المتنوعة، وما تزخر به من رصيد وثائقي وخدمات ثقافية ومعرفية موجهة لمختلف الفئات، في أجواء ودية عكست روح التبادل الثقافي والتواصل بين الفاعلين في الحقل الثقافي والإعلامي، وأبرزت دور المكتبة كمؤسسة ثقافية حيوية ومنبر مفتوح للمعرفة وفضاء حاضن للمبادرات الفكرية التي تعزز الإشعاع الثقافي لمدينة سكيكدة.







