إذا كان عملاق آسيا النائم هو الصين، فإن عملاق أمريكا اللاتينية هو البرازيل، بلد عرف وثبة اقتصادية في ظرف قياسي حقق خلالها وتيرة نمو كبيرة بعد سنوات طويلة من سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على إمكانيات هذا البلد وعلى مفاصله الاقتصادية وكان لذلك أثره البالغ على المعطى الاجتماعي لهذا البلد الذي يحاول القضاء على أحياء “الفافيلاس” التي تحولت إلى معاقل للمخدرات والجريمة المنظمة
وأصبح من أكبر التحديات الأمنية في البلاد، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت صعوبات اقتصادية أثرت على هذا البلد وتجلى ذلك بوضوح في الاحتجاجات التي عرفتها البلاد للتنديد بتنظيم كأس العالم السنة الماضية وهي من أكبر التحديات التي واجهت ديلما سيلفا رئيسة البرازيل، التي فازت في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي لعهدة ثانية.
البرازيل عملاق اقتصادي بكل المقاييس
يعتبر البرازيل أكبر دولة في أمريكا اللاتينية على الإطلاق، حيث تفوق مساحته بـ 16 مرة مساحة فرنسا ويأتي في المرتبة الخامسة من حيث الترتيب العالمي في المساحة حيث تبلغ أكثر من 8،5 مليون كلم مربع يغطي بذلك نصف أراضي أمريكا الجنوبية كما تربطه حدود مع كل دول القارة ماعدا الشيلي والإكوادور.
على الصعيد الاقتصادي تعتبر البرازيل من أكثر الدول فعالية في كتلة البريكس الاقتصادية إلى جانب كل من روسيا، جنوب إفريقيا، الصين والهند والذي يعتبر من أكبر التكتلات الاقتصادية لما يعرف بمصطلح الدول الناشئة لمواجهة العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وفي المجال الاقتصادي دائما تحتل البرازيل الترتيب السابع ضمن الاقتصاديات العشرة الأكبر عالميا متفوقة بذلك على روسيا والهند، في العام 2007 بلغ المنتوج الداخلي الخام للبرازيل 2190 مليار دولار أمريكي وهو رقم ضخم يعكس النشاط الصناعي والاقتصادي لهذا البلد الذي أصبح من أكبر الأقطاب الصناعية، علاوة على ذلك تنام البرازيل على مخزونات هائلة من الثراوات الباطنية حيث قدرت الوكالة الدولية للطاقة أن احتياطات البلد من النفط القابل للاستخراج تفوق المليار برميل العامل الذي قد يزيد من التفوق الاقتصادي لهذا النمر الأمريكي اللاتيني.
من مؤشرات القوة التي لا يمكن إهمالها في هذا الصدد هو الجانب العسكري، فالبرازيل بلد لا يستهان به في الصناعات العسكرية والإنتاج الحربي حيث يحتل الجيش البرازيلي المرتبة العشرين عالميا والثاني في القارة الأمريكية بعد الجيش الأمريكي وإذا أضفنا إلى كل هذه المعطيات العامل البشري لهذا البلد وهو الأهم على الإطلاق في كل المعجزات الاقتصادية فإن البرازيل تملك قدرة بشرية هائلة تعدادها 200 مليون نسمة من مختلف الأعراق والثقافات.
المونديال أصعب امتحان
إنها أول امرأة تصل إلى رئاسة البرازيل سنة 2010  وتم إعادة انتخابها لهذا المنصب خلال انتخابات الرئاسة التي شهدتها البرازيل الأحد الماضي، يمكن أن نطلق على هذه المرأة  لقب السيدة الحديدية فقد استطاعت خلال عهدتها الرئاسية الأولى تخطي أصعب امتحان تمثل في تنظيم بلادها لمنافسات كأس العالم الذي يعتبر من أكبر التظاهرات الرياضية العالمية على الإطلاق، وكان ذلك الحدث أصعب اختبار تجتازه روسيف بنجاح فقد تمكنت من تنظيم هذه الكأس في ظروف عادية وهذا رغم الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها البلاد الرافضة لاحتضان البرازيل لكأس العالم وهي مظاهرات بدت فيها بوضوح الخلفية السياسية لمنافسي سيلفا روسيف من اليمين على كرسي الرئاسة من أجل قطع الطريق أمام هذه المرأة التي تبلغ من العمر السادسة والستين والمعروفة خلال شبابها بجون دارك البرازيل لنضالها ضد الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قبل أن تسجن بسبب توجهها الفكري اليساري.
أول أمس أطلقت ديلما روسيف تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر جاء فيها عبارة “ شكرا جزيلا “ بعد فوزها بعهدة ثانية بنسبة 51.45 ٪ من أصوات الناخبين ومن المنتظر أن تستكمل روسيف خلال عهدتها الثانية الخطط الاقتصادية والاجتماعية لحزب العمال البرازيلي حيث استطاعت انتشال حوالي 40 مليون برازيلي من براثن الفقر.
الأكيد أن البرازيل أصبحت من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، كما أن الدولة عملت الكثير من أجل تطبيق سياسات اجتماعية تضمن توزيعا عادلا للثروة والشفافية في تسيير الشأن العام إلا أنه لايزال هناك الكثير من العمل يجب القيام به فلا تزال الفروقات الاجتماعية واضحة فخلف البنايات الزجاجية وناطحات السحاب والتجمعات السكنية الضخمة التي تعكس الطموح الكبير لهذا البلد الناشئ لا تزال في الجهة المقابلة أحياء الصفيح “الفافيلاس” التي تروي معاناة طبقة أخرى من الفقر المدقع.