خلّفت فيضانات آسفي، التي أدت لوفاة 37 شخصا في حصيلة أولية، أسى عميقا وسط المغاربة، وأثارت موجة غضب عارمة، وأعادت لواجهة النقاش الإهمال والفساد، الذي يطال المدينة منذ سنوات طويلة، شأنها شأن العديد من المدن المغربية الأخرى.
عقب المشاهد المؤلمة التي وثقت لغرق مواطنين وممتلكاتهم وسط السيول، تعالت المطالب بفتح تحقيق وتفعيل المحاسبة في حقّ كل المسؤولين المقصّرين، معيّنين ومنتخبين، وتعويض المتضرّرين، وتهيئة أزقّة المدينة بشكل يضمن عدم تكرار الكارثة.
تقصير واضخ ومطالب بالتحقيق
قال فرع حزب فيدرالية اليسار بالمدينة إنّ ما حدث، عشية الأحد، هو تكرار لوضع كارثي تعيشه جلّ أحياء المدينة منذ سنين خلت، فمعاناة الأسر القاطنة في دروب الأحياء العتيقة، وتجّار قرية الخزف وباب الشعبة، هو عنوان مألوف لموسم الشتاء في المدينة.
وحمّل الحزب في بيان له مسؤولية هذه المأساة للقائمين على تدبير الشأن المحلي، سواء منهم المعيَّنون أو المنتَخبون. فما حدث هو نتيجة تقصير واضح وغياب لتدابير وقائية فعّالة كان لزامًا القيام بها بشكل استباقي لتفادي ما وقع.
وأضاف الحزب أنّ هذا الحدث كشف القناع عن حقيقة “التنمية” التي لا يراها سوى أحزاب التحالف الحكومي، الذي يشكّل مع أطراف أخرى أغلبية مجلس جماعة آسفي. كما كشف عن مشاريع وإنجازات لا تعود فوائدها إلا على أشخاص معيّنين بدلاً من عموم السكان، وذلك أمام مرأى ومسمع السلطة المحلية التي تلتزم الحياد السلبي.
وأكّد “فيدرالية اليسار الديمقراطي” أنه حذّر مرارًا وتكرارًا من داخل المجلس البلدي، مطالبًا بتخصيص ميزانية لإعادة هيكلة البنيات التحتية للعديد من الأحياء الناقصة التجهيز، وبحث سبل ترميم العديد من البيوت الآيلة للسقوط، وسط تعنّت غير مبرّر من طرف الأغلبية المسؤولة.
وطالب الحزب بفتح تحقيق فوري وشفاف لمعرفة الأسباب الحقيقية والمباشرة لما وقع. والكشف عن مآل أموال مخطّط تأهيل المدينة العتيقة ومشاريع البنية التحتية ذات الصلة. وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة لضمان محاسبة كل من استهتر بأرواح وممتلكات المواطنات والمواطنين.
استثمارات استعراضية وبنية مهترئة
من جهتها، اعتبرت جمعية “أطاك المغرب” أنّ غرق عشرات المواطنين نتيجة فيضانات تسبّبت فيها ساعات قليلة من الأمطار الغزيرة، يُعدّ دليلًا دامغًا ومؤلمًا على حجم الإهمال والتهميش البنيوي، الذي تعانيه مدينة آسفي العريقة منذ عقود.
وعبّرت “أطاك” في بيان استنكاري عن غضبها العارم إزاء الوضع الكارثي للبنية التحتية بالمدينة، فبدل الاستثمار في مشاريع حيوية تضمن سلامة السكان وكرامتهم، تواصل الدولة توجيه الموارد العمومية نحو استثمارات استعراضية وبلا جدوى اجتماعية، من قبيل الملاعب العملاقة والقطار فائق السرعة، وهي مشاريع تموّل عبر الديون، في حين تُهمل الخدمات الأساسية، وتُفوَّت قطاعات حيوية للخواص، بما يفتح الباب واسعًا أمام الفساد والنهب المنظّم.
وسجّلت الجمعية تجاهل المسؤولين المتعاقبين لنداءات السكان المتكرّرة بخصوص تدهور شبكات الصرف الصحي والمرافق العمومية، واتباع سياسة الانتظار إلى أن “تسقط المنازل فوق رؤوس ساكنيها” تمهيدًا لتهجير السكان الأصليّين، معتبرة أنّ ذلك ليس صدفة ولا عجزًا تقنيًا، بل خيار سياسي متعمَّد قاد اليوم إلى هذه الكارثة الإنسانية.
وتوقّف ذات البيان على كون آسفي، تحتضن صناعات كبرى وحيوية، من قبيل المركّب الكيميائي لتحويل الفوسفاط، ومحطة إنتاج الكهرباء الحرارية، ومصانع الإسمنت والجبس، لكن سكانها اليوم يدفعون ثمنًا باهظًا لإهمال مزمن، رغم الثروات الهائلة التي تُنتَج على أرضهم ولا يجنون منها سوى التلوّث والموت.
وطالبت “أطاك” بفتح تحقيق فوري، جدّي وشفاف في أسباب هذه الفاجعة ومحاسبة كل المسؤولين عن الإهمال والفساد والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب، والقطع مع التوجّه العام المدان للدولة، الذي يُقدّم المشاريع الضّخمة وغير ذات الأولوية على حساب البنية التحتية الأساسية، وسلامة المواطنين، وحقّهم في الحياة.
معانـــاة متكــرّرة وآذان صمّـــــــاء
ارتباطا بالفاجعة، قال الحزب الاشتراكي الموحّد بآسفي إنّ الوضع المأساوي الذي يتكرّر مع كل موسم ممطر، تفاقم اليوم بشكل غير مسبوق، محمّلا المسؤولية فيما وقع للقائمين على التسيير المحلي من مختلف مستويات المسؤولية.
وسجّل الحزب في بيان له غياب الرؤية الاستباقية، مبرزا أنّ كثيرا من المواطنين حذّروا منذ سنوات من ضعف وتخلّف سياسة تدبير الأحياء، خاصة الفقيرة.
وطالب الحزب بفتح تحقيق لترتيب الجزاءات عن هذا التقصير والاستهتار بأرواح المواطنين وممتلكاتهم. وأشاد بالمتطوّعين من أبناء المدينة القديمة، الذين هبّوا، بما أتيح لهم من وسائل ذاتية، لإنقاذ العديد من الأرواح.


