ترى الأستاذة بجامعة بسكرة، نعيمة سعدية، أن اللغة العربية تواجه تحديات عميقة ومتسارعة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، خاصة مع صعود اقتصاد المعرفة وتنامي العولمة والتطور التكنولوجي، وتؤكد بأن الرهان الحقيقي أصبح مرتبطا بقدرتها على الاندماج الفعلي في منظومة الاقتصاد المعرفي، بوصفها لغة حية وقابلة للتكيف مع العصر الرقمي.
وتقول الدكتورة سعدية في تصريح لـ«الشعب” إن اقتصاد المعرفة الذي يقوم أساسا على إنتاج المعرفة وتوزيعها واستثمارها، جعل من المهارات والخبرات والابتكار عناصر أكثر أهمية من الموارد الطبيعية ورأس المال المادي، ومن هنا، تبرز اللغة بوصفها أداة إستراتيجية لا غنى عنها لنقل المعرفة وتداول المعلومات وبناء المحتوى الرقمي.
وتضيف أن اللغة العربية، رغم ثرائها التاريخي وعمقها الحضاري، لا تزال تعاني من ضعف حضورها في هذا المجال مقارنة بلغات أخرى، ما يفرض ضرورة فهم التحولات الجذرية التي طرأت على أنماط التواصل اللغوي في العصر الرقمي.
وتشير البروفيسور نعيمة سعدية إلى أن اللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من 400 مليون نسمة، تمتلك مؤهلات حقيقية للانخراط في اقتصاد المعرفة، لما تتميز به من قدرة عالية على التوليد المصطلحي وثراء في المفردات والتراكيب، إضافة إلى تراث علمي ومعرفي عميق، غير أن هذه الإمكانات لم تُستثمر بعدُ بالشكل الكافي، خاصة في مجالات التعليم العالي، والتكنولوجيا والبحث العلمي، حيث ما يزال المحتوى الرقمي العربي محدودا من حيث الكم والنوع.
وتكشف الإحصائيات، وفق ما تذكر محدثتنا، أن نسبة المحتوى العربي على الإنترنت لا تتجاوز 5 بالمائة من إجمالي المحتوى العالمي، رغم الارتفاع الكبير في عدد المستخدمين الناطقين بالعربية، ويعود ذلك إلى جملة من التحديات التقنية واللغوية والاقتصادية والتعليمية، من بينها ضعف البنية التحتية التكنولوجية الداعمة للغة العربية، وقلة الخبراء المتخصصين في تقنيات المعلومات بالعربية، إضافة إلى محدودية أدوات المعالجة الآلية والترجمة، وضعف الاستثمار في الصناعات اللغوية والمحتوى الرقمي العربي عالي الجودة.
كما تؤكد أن تعدد اللهجات العربية، وغياب التوحيد المصطلحي، وصعوبة مواكبة المستجدات العلمية والتقنية، كلها عوامل تزيد من تعقيد وضع اللغة العربية في اقتصاد المعرفة، يُضاف إلى ذلك ضعف أساليب تدريس اللغة العربية وعدم مواكبتها للتحولات الرقمية، ما ينعكس سلبًا على كفاءة الأجيال الجديدة في استخدامها في المجالات المعرفية والتكنولوجية.
وتشدد نعيمة سعدية على أن الحفاظ على اللغة العربية في عصر اقتصاد المعرفة يتطلب استراتيجيات عملية تقوم على تطوير المحتوى الرقمي، ودعم البحث العلمي، وتعزيز الاستثمار في التقنيات اللغوية، مع تحقيق توازن واعٍ بين الأصالة اللغوية ومتطلبات الحداثة. فالأمن اللغوي والثقافي – كما تقول – جزء لا يتجزأ من الأمن المعرفي والتنمية المستدامة في المجتمعات العربية.





