بالأخلاق نسمو

المتجول في شوارع وأحياء بعض مدننا يصاب بالذهول والحيرة من سلوكات لا أخلاقية عدوانية تصدر عن بعض الشباب، يصنعون مشاهد غريبة وعجيبة يومية أمام مرآى الجميع لا تمت بصلة لقيمنا وتقاليدنا السمحة.
ولعل أبرز هذه السلوكيات العنف اللفظي والكلام البدئ والشجارات. فلأتفه الأسباب يتجرد بعض الشباب من أخلاقهم، ويصبحون ينظرون للآخرين بقسوة وعصبية، ويتواصلون بعنف وكلام فاحش، ويتحولون إلى مصدر للخصومات والعراك في عدة أماكن، يحولونها لمسارح لاستعراض القوة والشتم والغضب، عواقبها وخيمة قد تصل في بعض الأحيان إلى جرائم دامية، تستعمل فيها مختلف الوسائل والأدوات والأسلحة البيضاء.
ومن السلوكيات المؤسفة أيضا رفع منبهات السيارات في أوقات متأخرة من الليل بدون سبب، يصاحبها صخب الموسيقى دون أدنى احترام للساكنة في سلوك غير حضاري يعاقب القانون مرتكبيها في بعض الدول، لكن هؤلاء يرون فيه نوعا من التباهي والتفاخر، كأنهم يقولون للآخرين «أنا أُزعج أنا موجود». كما يستغرب مستعملو وسائل النقل المختلفة من تصرفات بعض الشباب المشينة دون احترام لمرتاديها الكبار والصغار والنساء.
قد يقول قائل أن هذه السلوكيات والانحطاط الأخلاقي ما هي إلا نتيجة للظروف الاجتماعية الصعبة والضغوط النفسية التي يعيشها بعض الشباب، لكن مهما بلغت قساوة الظروف وتأزم الأوضاع لا يمكن بحال من الأحوال العفس على القيم الأخلاقية التي تربى عليها أسلافنا، ومن غير المعقول تبرير مثل تلك السلوكيات أو ربطها بظرف معين لأن ذلك يصبح في خانة تشجيع لها ووضع أصحابها ضمنيا في موقف الضحية.
الشباب مدعو في كل الأحوال والأوقات للسمو بأخلاقه ومعاملاته وعفة اللسان في كل الظروف والأوقات، ويترفع عن الكلام البدئ والسلوكات غير الحضارية، لأن الخصومات ومعاداة الآخرين يولد الحقد والضغينة، فما أحوج الشاب إلى التدبر في معاني التسامح واستحضار قيم المحبة، حتى يكون مواطنا صالحا يسعى إلى الخير في المجتمع ويجتنب الشر والتعدي على الغير. وتصالح الشاب مع ذاته يحقق راحة القلب وهدوء البال، فعليه أن يبادر إلى إصلاح أخطائه وانحرافه اليوم قبل الغد، وعليه أن يقتنع بأن احترام الآخرين يرفع من قيمته أمام أفراد مجتمعه ويجعله محل تقدير الجميع، لأن بمثل هذه السلوكيات تُرفع المجتمعات والدول إلى أعلى المراتب والمستويات، وصدق الشاعر حين قال «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا».