إيمان عميق.. بالصرح المغاربي

جمال أوكيلي
14 فيفري 2014

بناء الصرح المغاربي يبقى من القناعات السياسية العميقة للجزائر، تضرب بجذورها منذ أن كانت الطلائع الأولى تقاوم الاستعمار.. زادها عنفوانا مؤتمر طنجة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي.
وهذا العنوان الكبير لم يبق شعارا خاويا.. يرفع في كل مناسبة بل إن قادة هذه البلدان اجتهدوا أيما اجتهاد من أجل إيجاد آليات ملموسة تكون بمثابة الإطار للتحرك في كل الاتجاهات المراد اتباعها.. كانت انطلاقتها بقمة زرالدة التي أرست قواعد العمل المستقبلي.. وفق رؤية استشرافية.. قصد وضع حد لكل طارئ يسعى لإفساد العلاقات بين هذه الشعوب التواقة إلى فضاء تنتقل فيه كما تريد.. دون حواجز إدارية وهذا ما كانت تنشده الجزائر منذ زمن طويل.
ويكفي القول هنا بأن كل المبادرات السياسية والانشغالات الاقتصادية والاجتماعية كانت ومازالت تصدر عن الجزائر من أجل تفعيل كل المجالس واللجان، وهذا بالدعوة إلى عقد سلسلة من الاجتماعات الدورية لدراسة ما مدى تطبيق التوصيات المنبثقة عن كل هذه اللقاءات وتقييم التقدم الحاصل في القطاعات المعنية بالبحث. وفي كثير من الأحيان يسجل التطور المرغوب في هذا الشأن.. وصل الأمر إلى حوالي ٣٦ اتفاقية قطاعية.. جزء كبير منها توج بالمطابقة مع القوانين الداخلية لكل بلد.. وماتزال هذه الحيوية سائرة المفعول.. نظرا لأهمية الموضوع من قبل كل البلدان في السعي من أجل إقامة حوار دائم وموسع لتبادل المعلومات والاستفادة من الاقتراحات لإثراء شتى المسائل المطروحة.
ونظرة الجزائر إلى سيرورة المغرب العربي.. تتجاوز المسائل الضيقة، بل تسعى من أجل أن يكون هذا التوجه مبنيا على إيمان دائم وليس ظرفيا مرتبطا بأحداث معينة كما يلاحظ. وهذا ما أثر بشكل واضح في هذا المسار إلى درجة الجمود.. لأن نظرة الآخر محدودة جدا في الأبعاد الجيو-استراتيجية للمنطقة.. ساهمت في إضفاء هذا الطابع على أي إرادة تريد الانتقال إلى وضع أكثر أريحية.. سياسيا خاصة.
 والتصريحات الأخيرة للسيد لعمامرة تصبّ في هذا الاتجاه الرامي إلى إخطار الآخر، بأن الأبواب مفتوحة لأيّ تواصل سياسي معه من أجل استقرار هذا الصرح باتجاه خدمة شعوب المنطقة، بالرغم من كل الاستفزازات والحملات التي تشنّ ضد الجزائر.
هذا الحرص كان دائما ميزة من مميزات الدبلوماسية الجزائرية في تقريب وجهات النظر وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير واعتماد أسلوب التشاور.. وهذا كله من أجل تقوية روابط العلاقات وتمتين أواصر الصداقة، مهما كانت طبيعة السياقات الراهنة، ونعني بذلك أن الحركية التي تشهدها تونس وليبيا ودول أخرى في المنطقة، تتطلب دعما وتضامنا مع كل هؤلاء لتجاوز هذه الأوضاع والتوجه إلى المستقبل لتجسيد حلم المغرب العربي الكبير.
ففي كل مرة، تكون الجزائر صاحبة هذه الرغبة في إبقاء هذا الاتحاد قائما وقادرا على لمّ الشمل. زيادة على تحريك كل تلك المؤسسات المتفق عليها لإثراء مجالات معينة كالتربية والموارد البشرية والجالية في الخارج والتنسيق الأمني وغيرها..
هذا هو الإطار الذي تنشط فيه الجزائر.. وهو ترقية الإرادة الراغبة في بناء الصرح المغاربي.. وفق نظرة واقعية لا تخلط بين الأشياء وإنما تضع الأولويات في رزنامتها، إيمانا منها بأن المنطقة تحتاج إلى المزيد من الهدوء، نظرا للتحديات الراهنة، خاصة في الساحل وتداعيات ما يجري فيها.. وكذلك توطيد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المبنية على تبادل التجارب، خاصة في كيفية التسيير على قاعدة النجاعة.. والجزائر تعد نموذجا في هذا الشأن، خاصة في التغطية الاجتماعية لمواطنيها، والتعليم والصناعة والفلاحة والمياه، والطرق والإعلام… كل هذه القطاعات وغيرها بإمكان البلدان المغاربية الاستفادة منها نظرا للتطور الكبير الذي شهدته في الجزائر.
وهذه المناسبة أو الذكرى ستكون محفزا قويا من أجل التفكير مليّا في هذا الإطار المغاربي لصالح شعوبه التواقة إلى غد أفضل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024