أوراق متناثرة

موسكو ـ الغرب : لعبة شطرنج !

بقلم: عيسى عجينة
04 مارس 2014

أزمتان خطيرتان، إحداهما في قلب الشرق الأوسط منذ ثلاث سنوات، أما الثانية فهي في قلب أوروبا منذ شهر.
أعني هنا، سوريا وأعني اوكرانيا، وكلتاهما توجدان في منطقتي تماس بين مصالح متناقضة واستراتيجيات متعارضة وأهداف متباينة والتطورات المتسارعة للملفين، الأكراني منهما بالذات يدفع الى القول أن لعبة لي الذراع قد تتصاعد لكن ليس لحد المواجهة العسكرية.
الطرفان في هذه الحالة هما موسكو من جهة وواشنطن والغرب من جهة ثانية ويبدو أن روسيا التي تشعر بخداع الغرب الذي شارك قبل ثلاثة أسابيع في صيغة اتفاق بين يانوكوفيتش ومعارضيه سرعان ما إنحاز إلى جانب المعارضة التي خرقت ذلك الاتفاق واستولت على السلطة في كييف، وصعدت ضد موسكو، وباعتبار أن « المتطرفين» كما تصفهم روسيا هم الذين سيطروا على الحكم فإن ذلك يدفع بالقوميات الأخرى الى التشدد وهو ما يحدث أساسا في شبه جزيرة القرم التي تتواجد فيها أغلبية روسية.
المسألة الأوكرانية بدأت حول مسألة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وانضمام أوكرانيا لهذا الفضاء لكن ما وراد هذا المشروع بالنسبة لروسيا كما بالنسبة لحكومة حزب الأقاليم السابقة.
يخفي نيات الهيمنة والتوسع الذي ينتهجه الحلف الأطلسي تجاه الحديقة الخلفية لموسكو ومجالها الحيوي الذي يسعي الغرب لتقليصه بأساليب متعددة.
من ناحبة المصالح التجارية والاقتصادية ، فان تبادلات اوكرانيا وسلعها تتوجه أساسا للسوق الروسية ليس فقط لاحتياج روسيا لذلك لأنه لايمكن تسويقها في دول الاتحاد الأوروبي لأن معاييرها النوعية لا تستجيب لمقاييس بلدان الاتحاد التي ترفضها، كما أن المساعدات المالية التي تلوح بها دول الاتحاد الأوروبي التي تفرض على تكييف إجراءات صارمة ستؤدي الى المزيد من البطالة وتقليص النفقات ذات الأغراض الاجتماعية، واخضاع الاقتصاد الأوكراني الى الاجراءات التقشفية الصارمة التي تفرضها المؤسسات المالية الأوروبية وصندوق النقد الدولي.
ذلكم أحد عناصر الأزمة الأوكرانية فقط كما أن دعاوى الديمقراطية هي أحد عناصر الأزمة السورية وفي كل الحالات فإن الغرب في السنوات الأخيرة يخلق أزمات ويشعل حرائق، ثم يلق بالمسؤولية على الآخرين في الأزمة السورية ثبتت هذه الحقيقة وفي الأزمة الأوكرانية تأكدت وفي فنزويلا منذ حوالي شهر  تتجه الأحداث  نحو نفس السيناريو.
من الصعب تحديد الوجهة التي تسير نحوها الأحداث في أوكرانيا واذا كانت الأطراف الخارجية وأعني هنا موسكو وواشنطن وأوروبا تتفق على عدم التصعيد الا أن المقاربات مختلفة .
ذلك أن روسيا تدعو بالحاح للعودة الى اتفاق المعارضة مع الحكومة السابقة والذي شارك  في اعداده وصياغته الغرب فان هذا الأخير يسارع الى التعامل مع الأمر الواقع الذي فرضه استيلاء القوميين المتطرفين كما تصفهم موسكو على السلطة بالقوة وهو ما يعني بالضرورة أن الصراع سيتجه وجهة أخرى، أحد مظاهرها مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا ومن الصعب التكهن بما يمكن  أن يؤدي اليه بالتدقيق.
ذلك أن روسيا لا يمكن أن تسلم بهذا الأمر الواقع، كما أن الغرب لايمكن أن يفرط بمايعتبره مكسبا ديموقراطيا والتدخل العسكري المباشر من أحد الطرفين يعني مواجهة مباشرة بين روسيا والحلف الأطلسي ومن الصعب في تلك الحالة حصر القضية في الساحة الأوروبية وحدها.
والسؤال ماهي الحلول؟ اعتقد أن واشنطن وأوروبا يسعون نحو مقاضية روسيا والمساومة هي سوريا، التخلي عن دعم حكومة دمشق، مقابل الضغط على الحكومة الجديدة في تكييف بالعودة الى الوضع السابق، أي الاتفاق الذي خرقته المعارضة وأيدها الغرب.
وحتى في هذه الحالة فإن موسكو يمكن ان تساوم على مسألة وضع شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية كما أن كل المنطقة الشرقية لأوكرانيا تقطنها أقلية روسية مع أقليات أخرى تتخوف هي الأخرى على مستقبلها نتيجة سيطرة القوميين المتطرفين الأوكرانيين على السلطة في كييف..
احتمالات كثيرة مطروحة ولعل الانذارات الغربية المتكررة لموسكو هي التخوف من احتمالات تكرار سيناريو جورجيا منذ عشر سنوات خاصة وأن الحكومة المحلية في شبه جزيرة القرمس طلبت مساعدة موسكو وهو ما يذكرنا بواقعة نفس الطلب الذي عبرت عنه منطقة» أوستيا» الجنوبية بجورجيا واستجابت له موسكو.
خلال أحداث اوكرانيا التي أدت إلى استنفار عسكري روسي في مناورة ضخمة أعلن وزير الدفاع الروسي ان لبلاده مشاريع لاقامة قواعد عسكرية وبحرية في الفيتنام وسنغافورة في نيكاراغوا وفنزويلا كوبا، وهذا يعني أن إعادة الانتشار العسكري الروسي سيكون على مستوي الكون وهو أحد الردود على إقدام الغرب على تهديد الحديقة الخلفية لروسيا ومنطقة تعتبر تغيير وضعها تتهديدا مباشرا لأمنها القومي يندرج ضمن مشروع غربي واسع بدء من الردع الصاروخي والأزمة السورية ومحاولات التسلل لجمهوريات آسيا الوسطى.
كل هذه الوقائع تدفع موسكو الى القناعة أن خديعة ليبيا منذ ثلاث سنوات لا يمكن ان تسمح بتكرارها وهي قناعة تشاركها فيها الصين.
اذن هي أزمات ان كانت متباعدة في حيزها الجغرافي، فهي ذات توجه متقارب من حيث التوجه الاستراتيجي للقوى الكبرى في العالم إحداها صاعدة وأعني بها روسيا بوتين والأخرى تسعى للحفاظ على هيمنتها الكونية منذ تسعينات القرن الماضي وأعني بها الولايات المتحدة التي تشعر بتهديد عودة عالم القطبين او حتى متعدد الأقطاب.
انها لعبة شطرنج تشمل رقعتها الكون كله!.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024