خطر.. مع وقف التنفيذ

سعيد بن عياد
28 أكتوير 2017

تقف المؤسسة الجزائرية بغض النظر عن طابعها القانوني عمومية وخاصة أمام اتجاهين ولا يمنح الظرف مزيدا من الوقت للحسم في الاختيار بين طريق النجاعة بكل التحديات التي تواجهها أو الفشل أمام ما يحمله المستقبل من صعوبات سوف تزداد تحت طائلة تفكيك نظام الرسوم الجمركية بحكم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في 2020 بعد تمديد المهلة المحددة مسبقا في 2017، ما يجعل المؤسسة الاقتصادية الجزائرية أمام خطر محدق يهدّدها مع وقف التنفيذ إلى حين.
حقيقة ضيعت المؤسسة في غالبيتها على الأقل فرصة الأريحية المالية في السنوات الماضية بعد أن فضلت الحلول السهلة باللجوء إلى الاستيراد الجاهز للسلع والتجهيزات بدل الاستثمار في مختلف جوانب اقتصاد المعرفة من خلال الرفع من الابتكار والاقتناع بأن البحث والتنمية أفضل جسر إلى العولمة، غير أن الفرصة لا تزال قائمة اليوم لاستدراك الموقف بالإسراع في إعادة صياغة المخططات وترتيب عقلاني للأولويات وترشيد للنفقات.
ويعلّق الكثير من الأمل المشروع على القطاع الخاص الوطني المنتج للثروة، وليس الذي يعيش عالة على الميزانية العمومية والمضاربة في الصفقات، لإنجاز الوثبة الاقتصادية وبعث حركية النمو ولو بنسبة متواضعة وهي مأمورية مصيرية لا تقبل التقاعس أو البقاء عند مستوى متدن من النقاش بينما الفرص تتملّص لفائدة المؤسسات الأجنبية التي تعرف كيف تستثمر في الأزمة وتجيد قراءة المؤشرات، إلى درجة أن الكثير من المؤسسات الأجنبية استطاعت أن تجد في السوق الجزائرية متنفسا سمح لها بالإفلات من الافلاس في أسواق أخرى.
وفي هذا الاطار المتعلق بضرورة الإمساك بعجلة النمو، لا يمكن للمؤسسة الجزائرية أن تنهض وفقا لمعادلة التنافسية العالمية بدون إدراكها لقوة وثقل الاهتمام بالجودة في كل النشاطات سواء انتاج السلع أو الخدمات التي تعتبر الجبهة الميدانية لمعركة الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، حيث لا مجال للنوايا والتصريحات بقدر ما هي للمنتوج من حيث مدى مطابقة المعايير والتزام الجودة.
فإلى جانب أهمية العقار والتمويل البنكي وكبح البيروقراطية، وهي انشغالات تمّ الإصغاء إليها بشكل واضح في ضوء التطمينات التي قدمتها الحكومة بتأكيد من الوزير الأول في لقائه الأخير برؤساء المؤسسات، وسبق أن كرّسها رئيس الجمهورية بوضوح في أكثر من مناسبة تعرض فيها لواقع ومستقبل الاقتصاد الجزائري، فإن المؤسسة الجزائرية الجديرة بهذا الوصف مطالبة بإن تنخرط في مسار العمل بالمعايير المتعلقة بالجودة كونها أفضل ضمانة لدخول الأسواق الخارجية ومقاومة الاستيراد، خاصة في المستقبل بحكم انهيار الحماية الجمركية.
ويتطلّب رفع هذا التحدي إحداث تحول في سلوكات رؤساء المؤسسات بالتوجه أكثر إلى تعزيز مساحة الإنتاج وتنويعه مع تنمية الابتكار وتحفيز التنافسية على كافة المستويات، مع الاقتناع بشكل حاسم الحلول يجب أن تكون محلية من خلال لانفتاح على المحيط بكافة مكوناته بما في ذلك اطلاق شراكة جزائرية متنوعة الفروع والتخصصات وتأسيس مجمعات متكاملة يكون لها وزن في التفاوض مع الأسواق الخارجية. ولعلّ هذا ما دفع الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين باعتباره طرفا معنيا بالتحولات ومرافقة الاصلاحات الشفافة إلى الدعوة لإرساء تشريعات وتنظيمات واضحة تحكم بناء الشراكة الاقتصادية بين القطاعين العام والخاص حتى لا تحدث انحرافات أو تلاعبات قد تغري قصيري النظر وانتهازي الأزمات الظرفية.
إن مثل هذه الشراكة ذات الطابع الوطني والاستراتيجي يقوم بها متعاملون احترافيون لديهم إرادة والتزم واضحان بخدمة الاقتصاد الوطني ضمن خيار اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يقوم على الفعالية وروح المبادرة والعدالة الاجتماعية والشفافية في المعاملات. ويعني الأمر المؤسسة التي تنشط في إطار القانون وتلتزم بدفع الضرائب والتصريح بالعمال للضمان الاجتماعي وتحرص على تأمين استقرار السوق بالامتناع كثقافة مواطنة عن الاحتكار والمضاربة والاستثمار في الندرة.
المؤشرات اليوم تبدو صعبة بالنظر لتراجع قيمة الدينار الجزائري الذي يتحمّل عبء ضعف الانتاجية وانهيار ايرادات النفط واتساع رقعة السوق الموازية للعملة الصّعبة، إلا أن اللجوء اضطرارا إلى آلية الإصدار النقدي قد توفر مساحة مقبولة للمناورة في مواجهة الظرف شريطة الحرص على التحكم في العملية وخاصة من حيث المراقبة بأن توجه موارد التمويل غير التقليدي لفائدة القطاعات والمشاريع المنتجة للثروة والتي تندرج في إطار الرفع من قدرات التصدير خارج المحروقات، مع الحذر من وقوع المتعامل ومسير المؤسسة أو صاحب مشروع استثماري في فخّ الإشاعة المضخمة في كثير من الأحيان بهدف كسر اتجاه التحدي.

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024