الدكتور يونس بوناقة:

المزاولة النّقدية تأتي طائعة للنّاقد نهم القراءة

حوار: فاطمة الوحش

يونس أستاذ جامعي متحصل على شهادة دكتوراه في اللغة والأدب العربي، في تخصص الدراسات البلاغية والأسلوبية بجامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، وكاتب فتي القلم، من مواليد 24 سبتمبر 1990 بولاية الشلف. يشتغل على الكتابة الإبداعية والنقدية معا. ويمثل الدكتور يونس بوناقة حلقة ناشئة من الحلقات المناهضة عن اللغة العربية؛ لغة القرٱن الكريم، والمنافحة عنها من اللحون والزيغ المشيب لجمالها. ومن يقرأ كتاباته يجده متأثرا باللغة القرٱنية وبكتابات التراثيين العرب، ومحدثيهم على غرار تأثره البالغ بمصطفى صادق الرافعي في جل كتاباته. وهذا ما جعل من قلم دكتور يونس بوناقة قلما متمازج النسوج تجليها إبداعيّة حرفه الزاهي البديع.

-  الشعب: ما هي نظرتك للسّاحة النّقدية الجزائرية؟
 الدكتور يونس بوناقة: لا يخفى على الباحثين الجادين، والدارسين المهتمين بالأدب الجزائري على مر أعصره الأدبية، أنه كان لهذا الأدب حياة في قديم العهد في التاريخ الأدبي، وليس وليد عصرنا هذا، وكان لمراحل تطوره منذ القديم إلى اليوم الأثر البالغ في تشكله التام على الهيئة الرصينة التي هو عليها اليوم، فمن من الفقراء يطلع على كتابات جهابذة النقد الجزائري اليوم و نحاريرهم يلتمس ضروبا واسعة من الجدة تارة، ومن الحذاقة والإبداع تارة أخرى.
فعلى سبيل المثال، ما نقرؤه اليوم لشيخ النقاد الجزائريين المعاصرين، أ - د عبد الملك مرتاض يغنينا عن المقال، لكون كتاباته صارت اليوم بوابة للأدب الجزائري. فلغته الرصينة البديعة جعلت منه أيضا قبلة كل الباحثين في تاريخ الأدب الجزائري.
فالنقد الجزائري اليوم صار نقدا متكامل الأطراف، متناسج التراكيب، بل إننا نلفيه نقدا مزاوجا للممارسة النقدية التراثية التليدة، وللمزاولة النقدية المعاصرة وما تحملانه من أبعاد فكرية عميقة في الدرس النقدي عموما..

-  كيف ترى التشخيص النقدي لعديد المسائل النقدية؟
 لا يمكننا الحكم على الممارسة النقدية في الأدب الجزائري دونما معرفة من هم حملة لواء النقد الأدبي المعاصر في الجزائر، فمثلا ما يصنعه قلم أ - د عبد الملك مرتاض، وأ - د العربي عميش (أستاذ بجامعة الشلف)، وأ - د عبد الله العشي، وأيضا أ - د يوسف وغليسي...وغيرها من الأسماء ثقيلة الوجود في الساحة النقدية اليوم فإنها تحاول جاهدة إلى جعل النقد الأدبي أداة إنسانية بالدرجة الأولى لاستظهار أغوار النفس الكاتبة، ولعل كتاباتهم النقدية تغنيني عن الغوص أكثر في فكرهم النقدي العميق والمتجدد دوما.
والبارز في كتابات هؤلاء النقاد المتميزين بسحر لغتهم النقدية الٱسرة، وتبحرهم في عوالم النقد يلحظهم أميل إلى الصرامة الإجرائية في تشخيص النصوص / الخطابية الأدبية، وهو ما يزيد من مصداقية النقد عندهم وتمثله التام للموضوعية في الأحكام وتجافيها عن الذاتية في الأغلب الأعم.
اليوم، والنقد الجزائري المعاصر يتنامى ويشتد عوده بفضل حماته ومجتهديه، فإن الرائي للتشخيص النقدي لكثير من المسائل النقدية ما يلبث أن يكون تشخيصا صادقا صارما متنافيا والميل إلى عويصة التحيز التي كان النقد معانيا منها، وما يزال ردحا من الزمن.

-  ما هو المطلوب اليوم من كل باحث أكاديمي لإعادة ما جبس ويبس من معارف نافعة لكل باحث في أغوار الأدب العربي؟
 مما لا مشاحة فيه في أي أدب من الٱداب العالمية، ونستثني ذكرا الأدب العربي، أن حياة الأدب تكون قائمة أساسا على عملية التجديد كل حين، وأن لا يترك قابعا بين دفات الكتب، وعلى رفوف المكتبات فتنساه الألسن ذكرا، ويغيب نفعه عن الجيل القادم. وما جيء بالأدب إلا لنقل الوقائع الاجتماعية والفكرية والثقافية وحتى العقائدية التي تعيشه اي أمة من الأمم، في شكل تناسجات لفظية موحية مشكلة لهذا الواقع، لتصل إلى القارئ كما قدمها الكاتب في صورتها الموضوعة فيها.
ولهذا نقول لكل دارس للأدب العربي لابد، بل يسلتزم علينا كقراء للأدب العربي العودة إلى موروثنا الأدبي غزير العطاء، فياض المعاني، أدب يفيض بالإنسانية السمحى، وواجب علينا العودة إليه، والسير به سويا وسكة الأدب اليوم، ليغدو مشكلا في هيئة بديعة الوضع، راقية النظم، ساحرة التشكيل، فيكون قبلة كل باحث مريد البحث في أدبنا العربي البديع.

- كباحث وناقد كيف تبتغي سبل التوسع في معارفك النقدية؟
 النقد، هذا العالم الرحيب المهيع، وهذا الكون الراقي الذي لا يقبل دنو الشأن ولا ضعة الحال، وهذا البحر الطامي الوالج إلى عمقه يحوز دررا والقابع على شطٱنه ليس ينال إلا زبدا، فالممارسة النقدية مضطلعة أساسا على الدربة والمراس، وصحيح أنه ثمة من هو ملهم للممارسة النقدية، لكن لفعل القراءة والمطالعة التأثير الكبير في صقل الموهبة النقدية عند كل ناقد، فأساس النقد القراءة والاطلاع على التٱليف النقدية والأدبية واللغوية، قديمها وحديثها، عربيها وغربيها، فلا نقد من دون قراءة واطلاع، فالقراءة والنقد وجهان لعملة واحدة، فمتى ما صحت قراءة الناقد عظم جني ثمرها في ممارسته النقدية.
ولهذا فالمزاولة النقدية تتأتى طواعية للناقد صادق الإقبال على فعل القراءة، وواسع الاطلاع، ومتى ما حصل ذلك كانت المعارف والمكتسبات الحائز عليها كل ناقد بمثابة الزاد والمعين له في كل سفر بحثي يتغيا به نبش نص ما، أو في خطاب ما.

- كيف يمكن إدراك القلم الجاد في الكتابة النقدية؟
 طبعا، فالكاتب الجاد، والناقد المجد، والأديب الرصين، حتما يتجلى تميزه عيانا لكل قارئ حذق، ومتلق حصيف نبيه، فأساس فعل الكتابة النقدية عائد إلى اللغة الموظفة الواصلة بين روح النص وعمق المتلقي، فمتى ما كان ذلك واردا صار لعملية التلقي جوهرا خالصا نقيا لا تشوبه شائبة، وغير ذلك يجعل من الكتابة النقدية مترنحة بين الإصابة والزلل، ولم تكن اللغة وحيدة الأسس التي يضطلع عليها النقد الأدبي، وحتى أننا نجد كيفية طرح الأفكار النقدية، وسبل صياغتها في مناويل تجعل من إدراك المنتهى مما هو منقود يسيرا سهلا، وتكون بعيدا عن التكلف والتوعر. فروح النقد رهينة بالسلاسة والسلامة اللغوية، وبعمق الطرح النقدي، وبحسن التخلص والانتهاء لما هو منقود، فيصر بعدها النفع جما.

-  عَلِمنا أنّ لك مطبوعة قيد النّشر؟
 فعلا، وهو في خواتيم تشذيبه، وفي أواخر تهذيبه، فلم يتبق إلا القليل عن الانتهاء من تشكيله التام، بحول الله، وربما سيصدر قريبا عن دار نشر مقرها في الغرب الجزائري.

- هل يمكن الحديث عن مضمونها؟
 مؤلفنا هذا موسوم بـ «سمات المصطلح البلاغي في تفكير الجاحظ اللغوي»، إذ هو عبارة عن رؤية مستجدة لتاريخ البلاغة العربية و المتجذر في أغوار بوادئ تاريخ الأدب العربي، والوقوف على التغيرات الراديكالية التي مست تاريخ البلاغة العربية بدءا من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا، وخصص الدراسة أساسا على بلاغي جهبذ، وناقد خرّيت، وهو الجاحظ، فالفضل الكبير له في إرساء قاعدة متينة للبلاغة العربية جعلنا نميل إليه ميلا كبيرا، ويكأننا نحاول الغوص في هذا العقل الموسوعي، ما استطعنا.
وقد قسم المؤلف إلى أربعة فصول متناسقة، متناسجة، متغافصة ، متعاضدة يكمل بعضها بعضاً حينا، ويناجز بعضها بعضاً حينا ٱخر.

- أخيرا كيف ترى واقع النّشر في الجزائر؟
 يمثّل النشر أساسا مهما من أساسات الرقي بالعلوم، والدفع بها إلى الأمام، وكلما كانت الصرامة موجودة في دور النشر كان إقبال الكتاب والأدباء واسعا، لأن الصرامة في التعامل مع الكتابات يجعل من الأدب مثلا أدبا متميزا بسلامته اللغوية، وهي الركن الضليع في الحفاظ على الأدب.
واليوم نجد عددا قليلا من دور النشر التي باتت تحافظ على رونق الصرامة، وبهاء المصداقية، وسنحاول جاهدين للمحافظة على ما بقي منها حتى يصان بها الأدب، ويرتقى به إلى مصاف ٱداب العالمية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024