في حفل تكريمي للكاتبة ياسمينة سلام.. الرئيس المدير العام لـ”آناب”

النجاح يبـدأ بفكرة يؤمـن بهـا الإنسان بصدق

فاطمة الوحش

الجائزة الأولى في مسابقة عالمية.. تتويج للمشهد الثقافي الوطني 

أثبتنا أن الجزائر حاضرة ومبدعة ثقافيا وحضاريا 

سـلام: كتاب “الكسكس، جذور وألوان من الجزائر” يقدّم مادة علمية

في خطوة تعكس اعترافا دوليا بالموروث الثقافي الجزائري، وتقديرا للجهود الإبداعية والعلمية في توثيق التراث الوطني، نظّمت المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار (ANEP)  حفلا تكريميا خاصا، على شرف الكاتبة والأكاديمية ياسمينة سلام، بمناسبة فوزها بالجائزة الأولى في مسابقة  Gourmand World Cookbook Awards 2025 عن كتابها “الكسكس، جذور وألوان من الجزائر”، الصادر عن منشورات .ANEP

احتضنت قاعة “آسيا جبار” بمقر المؤسسة بالجزائر العاصمة الاحتفالية، وسط حضور نوعي ضمّ فاعلين في مجالات النشر، والكتابة، والصناعة الثقافية، إلى جانب ممثلين عن وسائل الإعلام.
وفي كلمته خلال الحفل، أكّد الرئيس المدير العام للمؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار، كمال مسعود ألغم، أن تتويج كتاب “الكسكس” يُعدّ تتويجا للثقافة الوطنية الجزائرية في ساحة التنافس الدولي، مشددا على أن النجاح يبدأ دائما من فكرة يؤمن بها الإنسان بصدق.
وقال: “نجاح كتاب الكسكس لم يكن وليد الصدفة، بل بدأ بفكرة آمنت بها السيدة حنّاش والكاتبة ياسمينة سلام.. عندما يؤمن الإنسان بفكرة مشروع، يُصبح النجاح ممكنا ـ ليس فقط داخل الوطن، بل خارجه أيضًا.”
وأضاف أن هذا النجاح هو ثمرة تضافر جهود متعددة: جهد فريق مؤسسة ANEP، وجهد الكاتبة التي وضعت ثقتها في المؤسسة، مؤكدا أن هذه الثقة دفعت الجميع لبذل أقصى ما لديهم من أجل إنجاح هذا المشروع.
وختم: “نجحنا في تقديم الجزائر من خلال هذا الطبق عميق الدلالة، وأثبتنا للعالم أن الجزائر حاضرة ومبدعة، خصوصا في الجوانب الثقافية والحضارية.. هذا النجاح ليس للمؤسسة والكاتبة.. هذا النجاح للجزائر..”
جائزة لروح الفريق
من جهتها، عبّرت الكاتبة ياسمينة سلام عن امتنانها الكبير لهذا التكريم، مؤكدة أن الجائزة تعد للموروث الثقافي الوطني العريق، وقالت: “هذا التتويج ليس مجرّد إنجاز شخصي، بل ثمرة تظافر مجهودات جماعية.”
وأشارت سلام، إلى أنها كانت تُحضّر المادة العلمية للكتاب، في حين تكفّل عدد من الكفاءات داخل مؤسسة ANEP بالجوانب الأسلوبية والفنية، مخصّصة الشكر للسيدة حنّاش، صاحبة الفكرة الأولى، والسيد سمير الذي تولّى الجانب الجمالي والفني، فيما أُسندت مهمة المراجعة والتصحيح إلى رضا إيدير.
وقالت “هؤلاء الثلاثة كانوا بمثابة مهندسي الكتاب الجميل الذي شاركت به في المسابقة. لقد صنعت لي مؤسسة ANEP كتابا رائعا. وعندما عُرض في الخارج، قالوا لي إن هذا النوع من العمل يُنجز بشكل طبيعي في الجزائر.”
الكسكس وثيقة ثقافية..
قالت الباحثة ياسمينة سلام، إنها لم تتعامل مع الكسكس بوصفه طبقا يُحكى عنه، بل بوصفه مادة بحث علمي تستدعي أدوات دقيقة ومنهجا تحليليا. وقالت: “لم أكتب كتابا أدبيا أو نثريا، بل كتابا علميا بحتا. كان هدفي البحث عن الجذور والمؤشرات المرتبطة بالكسكس في علاقته بالجزائر، أي كل ما يربط هذا الطبق التقليدي بثقافتنا وهويتنا وذاكرتنا الجمعية.”
وأوضحت الكاتبة، أنها اشتغلت على المؤشرات الرمزية والاجتماعية التي يحملها الكسكس في المجتمع الجزائري، مثل حضوره في المناسبات والطقوس، إلى جانب الجذور التاريخية والأنثروبولوجية، وتتبّع تحوّلاته وانتقاله بين الأجيال. مؤكدة، “هو ليس pâte alimentaire، ليس هو الرشتة أو الشخشوخة. بل هو حبة سميد محوّرة، تُصنع يدويا بدقة ومهارة. وهناك نوع معروف باسم “المحوّر”، لذا يجب أن يُعطى له حقه، كونه يحمل تراثا حيا.”
من التاريخ إلى الذاكرة الجمعية..
ولفتت سلام إلى أن الطبخ ليس مجرد وصفات، بل هو سردية ثقافية وتاريخية، قائلة: “تاريخ فنون الطبخ لا يُبحث في كتب الطبخ، بل في كتب التاريخ. قرأت كتبًا بعدة لغات: الإنجليزية، والألمانية، والعربية، والفرنسية، لأتتبّع جذور الكسكس.”
كما ذكرت ياسمينة سلام، أن أقدم من كتب عن الكسكس هو إبراهيم بن المهدي، شقيق الخليفة هارون الرشيد، في القرن التاسع الميلادي. وأكدت أنها وجدت إشارات للكسكس في الشعر العربي، حتى في دواوين المتنبي، وكانت تربط هذه الإشارات دومًا بالجزائر.
وأشارت سلام إلى أن أصل الأطباق لا يمكن حصرها جغرافيا، لأن الإنسان كان دائم التنقل. وقالت: “ليس المهم أين وُلد الكسكس، بل المهم ما قدّمته الجزائر له. الجزائر هي من أنتجت أول مصنع وأول علبة مصدّرة. الفضل ليس للكسكس على الجزائر، بل العكس هو الصحيح.”
حين يتكلم الذوق..
وعن مشاركتها في حفل Gourmand Awards، قالت سلام إنها تواصلت مع المنظمين، وأرسلت لهم الكتاب الذي صُنّف ضمن فئة الكتب الفريدة، لأنه يتناول موضوعًا واحدًا بعمق. “وبعد شهرين، أخبروني أنني من المتأهلات للنهائيات، وطلبوا مني السفر إلى البرتغال.” تضيف سلام لتؤكد أنها قدّمت une dégustation، حيث أعدّت نماذج من أطباق الكسكس التقليدي بمختلف أنواعه. وقد “راعت في التقديم تسلسلا بيداغوجيا دقيقا، حيث بدأت بالكسكس العادي، ثم انتقلت بهم إلى أنواع أخرى أكثر خصوصية، حتى يشعروا وكأنهم يقرأون الكتاب بنكهاته.”
وأضافت: “كنت أريد أن يشعروا بأنهم يتذوقون فصول الكتاب، طبقا بعد طبق نكهة بعد نكهة جعلتهم يسافرون بين مناطق الجزائر، فقط عبر حبة الكسكس.”
وفي هذا السياق، أشارت الكاتبة إلى أن المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار تكفلت بشكل كامل بكل ما يتعلق بسفرها ومشاركتها في الحفل، بما في ذلك مستلزمات تحضير الأطباق التي تم اقتناؤها بعناية، وأحضر جزء كبير منها خصيصًا من الجزائر لتكون تجربة التذوق أمينة لروح الطبق الأصل. وقالت: “لقد رافقتني المؤسسة من الغلاف إلى المذاق. لم تكن مجرد ناشر، بل شريك حقيقي في التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق. كانوا حاضرين في كل مرحلة حتى في المطبخ.
وتحدثت سلام بتأثر، عن تفاعل الحضور مع هذا التذوق، قائلة: اقتربت مني سيدة بعد الحفل وقالت لي: لن أنسى طعم هذا الكسكس إلى أن أموت.. حينها تأكدت أن الذوق قد وصل، ومعه رسالتنا الثقافية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025
العدد 19818

العدد 19818

الأربعاء 09 جويلية 2025
العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025