صناعـة المحتـوى ليست معركة أرقـام.. بـــل معركــة ضمـير
يرى الكاتب عماد الدين زناف أن الحديث عن صناعة المحتوى الرقمي في الجزائر يستلزم قراءة مركّبة للواقع، بعيدا عن التصنيفات السطحية بين الجيد والسيئ. فالمحتوى ـ بحسبه ـ لم يكن يوما محايدا، بل انعكاسا لتفاعلات الفرد والمجتمع معًا، بما في ذلك التناقضات التي يحملها الإنسان في داخله. ويؤكد أن النجاح الأخلاقي لصانع المحتوى لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بقدرته على تقديم رسالة هادفة دون أن يساوم على مبادئه، مشيرا إلى أن أكثر ما يواجهه المحتوى الرقمي اليوم ليس فقط صراع التميز، بل صراع الضمير.
أكد عماد الدين زناف في تصريحه لـ«الشعب”، أن مسار صناعة المحتوى في الجزائر مر بمرحلتين واضحتين: الأولى تمثلت في فترة استكشاف فضاءات التواصل الاجتماعي، وتعلّم آليات عمل خوارزمياتها، والثانية هي المرحلة التي نعيشها حاليا، حيث يسعى صانعو المحتوى إلى تطويع مضامينهم لتناسب متطلبات الانتشار وركوب موجات اللوغاريتم، بغضّ النظر عن المضمون أحيانا. وأوضح أن هذا التحول جاء نتيجة تفاعل متبادل بين الجمهور وصنّاع المحتوى، إذ لم يعد بالإمكان الحديث عن منتِج فقط، بل عن مستهلك يساهم بدوره في تشكيل الذوق العام.
وأشار إلى أن المتابع الجزائري، كغيره، يتعاطى مع المحتوى الهادف والتافه في آنٍ معًا، لأن الإنسان بطبيعته مزدوج التكوين، يميل إلى الجدية أحيانًا وإلى الهزل في أحيان أخرى، ويرفض السخافة علنًا، لكنه يستهلكها سرًا.
واعتبر أن هذا التناقض هو ما يجعل من الصعب إصدار حكم قاطع حول طبيعة المحتوى الرقمي، إلا أنه يرى أن أثره السلبي على المجتمع يفوق فائدته، خاصة في ظل تعميم التصنع والمظاهر الزائفة دون تحسن حقيقي في مستوى الوعي أو السلوك.
وعن التحديات التي تواجه منشئ المحتوى، قال المتحدث، إن أول عقبة هي التميز في عالم بات فيه التكرار هو القاعدة، مشيرًا إلى أن آلاف الأشخاص يقدمون نفس الأفكار بصيغ مختلفة، ما يجعل مهمة ابتكار مضمون جديد أكثر صعوبة. ثم تأتي معضلة تحقيق الدخل، إذ لا يمكن لأي محتوى أن يصبح مصدرا للعيش دون توافر شروط صارمة تفرضها المنصات، فيضطر الكثيرون للعمل خارج العالم الرقمي لتأمين معيشتهم، مما يحد من وقتهم وجهدهم الإبداعي.
كما لفت زناف، إلى تحد ثالث لا يقل خطورة، يتمثل في كيفية تقديم محتوى جذاب وتعليمي أو ترفيهي في الوقت نفسه، دون الوقوع في فخ التنازلات الأخلاقية أو إثارة الفتن. وصرح بأن طريق الشهرة والمال سهل لمن لا يعير القيم اهتمامًا، لكن الأصعب هو أن يحافظ المبدع على ذاته ومبادئه وسط هذا السباق المحموم.
وعن تعريف النجاح في مجال المحتوى الرقمي، أوضح زناف أن المفهوم يختلف من شخص إلى آخر، فبالنسبة للمنصات الرقمية، من يحصد التفاعل والمال يُعد ناجحًا، حتى وإن كان محتواه فارغًا أو مفسدًا. لكنه أضاف أن “هذا النوع من النجاح لا يحمل قيمة معنوية، لأنه يفتقر إلى البعد الأخلاقي. أما من يقدّم محتوى تثقيفيًا، أو تعليميًا هادفًا، دون أن يحقق أرقامًا كبيرة، فهو ناجح في ميزان القيم، حتى وإن خسر مادّيًا”. وختم بالقول: “إن الجمع بين النجاح الأخلاقي والمحتوى النظيف المحترم ليس مستحيلًا، لكنه نادر”.