أكّدت أستاذة الحقوق بجامعة الجلفة، الدكتورة نجاة جدي، أن الملكية الفكرية تعتبر حجر الزاوية في تطور المجتمعات والشعوب، وأن المصنفات الفكرية والأداءات الفنية هي عماد الملكية الأدبية والفنية، وأضافت أنّ الحقوق الأدبية أهم من الحقوق المالية، كون المساس بها يترتب على ذلك المساس بشخصية المؤلف وضياع مكانته كمبدع، وعليه تقول «فإن الحقوق الأدبية تعد جوهر حقوق المؤلف إن لم نقل جوهر الملكية الفكرية عامة، بينما الحقوق المالية تبنى على عمد الحقوق الأدبية ولا توجد إلا بوجودها».
وأضافت الدكتورة جدي في تصريح لـ «الشعب»، أنّ «الاستعمار اليوم لم يعد جغرافيا، بل أصبح معرفيا، يشمل براءات الاختراع، الأصناف النباتية الجديدة وحقوق البث الرياضي»، مشيرة إلى أنّ «الملكية الفكرية باتت ذات وزن اقتصادي عالمي، إذ تتجاوز نسبة التبادلات الاقتصادية العالمية التي تعتمد على المواد غير المادية 90 %، بما فيها حقوق المؤلف، وترتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية الاجتماعية والاستثمارات الاقتصادية».
وأشارت الأستاذة إلى أنّ «الدراسات أكدت أثر الاعتراف بالحقوق الاقتصادية للمؤلف على التنمية، خاصة في الدول النامية، وأن تحسين التعليم وتعزيزه يتطلب دعم المبدعين من خلال حماية حقوقهم الأدبية والمالية، وتوفير الوسائل القانونية لتيسير تداول إبداعاتهم، بما في ذلك العقوبات والزجر القانوني ضد الانتهاكات».
وأكّدت جدي أنّ الذكاء الاصطناعي «أحدث تحديات كبيرة في قوانين الملكية الفكرية»، مشيرة إلى «تقرير منظمة العفو الدولية الذي توقع أن تتفوق الآلات على الإنسان في كتابة المقالات العلمية بحلول عام 2031». وقالت المتحدّثة «عندما يؤلف الذكاء الاصطناعي شيئا، سواء كان رسما أو مقالا أو رسالة علمية، يجب الاعتراف له بحق أبوة الإبداع، أي نسبته لمؤلفه. لكن هل يكون هذا الحق ملازما للشخصية القانونية أم يمكن أن يمتد للآلة تمهيدا للاعتراف بالشخصية الرقمية للروبوت؟ وهل يؤدي ذلك إلى مساواة الإنسان بالآلة ضمن قوانين حقوق الإنسان؟».
وأضافت الدكتورة أنّ «شروط الحماية الحالية تتطلب أصالة الإبداع وانعكاس شخصية المؤلف، وفق المادة 3 من الأمر 03-05 المتعلق بحقوق المؤلف في الجزائر». وأوضحت أن الذكاء الاصطناعي «لا يمتلك شخصية، ولا يمكنه إضافة بصمة شخصية على الإبداع، وبالتالي لا يمكن منحه الحماية القانونية نفسها للمؤلف البشري». لكنها أشارت إلى أن «عدم الاعتراف للذكاء الاصطناعي بأي حقوق قد يثني الباحثين والمبدعين عن العمل في هذا المجال، ومن هنا ضرورة إيجاد آليات قانونية توازن بين تشجيع الابتكار وحماية الملكية الفكرية».
وأكّدت أستاذة الحقوق أنّ هذه الآليات تشمل «عدم الاعتراف للروبوت أو الذكاء الاصطناعي بالملكية أو الشخصية القانونية، مع التأكيد على أنه برنامج معلوماتي ويمثل مالا منقولا معنويا، والحقوق تكمن في الجهد البشري فقط. ضرورة الاعتراف بحق أبوة الروبوت على إبداعه، مع إضافة اسمه بجانب المؤلف البشري الذي طوره وزوده بالمعلومات. وإدراج أحكام قانونية خاصة بالاختراعات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، تختلف عن القوانين الخاصة بالمؤلفين البشريين، مع اقتصار حقوق المؤلف على الإنسان فقط».
واستعرضت الدكتورة «التحولات القانونية في الجزائر بعد تعديل 2003، الذي نص على حماية برامج الإعلام الآلي وقواعد البيانات (المادتان 4 و5 من الأمر 03-05)، وتجريم الأفعال التي تمس سلامة المصنفات الفكرية في المواد 151 إلى160»، وأكّدت أنّ «كل مساس بالحقوق الأدبية أو المالية للمؤلف يعد جنحة تقليد تستوجب العقوبة، بما في ذلك عقوبات أصلية وتكميلية ومالية»، لكنها ترى أن «التشريع مازال بعيدا عن مواكبة تحديات الذكاء الاصطناعي».
وأوضحت أنّ «التقليد والقرصنة الفكرية تهدّد حقوق الإنسان نفسها، إذ تمثل اعتداء على الإطار الاجتماعي للخلق والابتكار، بما يشبه آثار المخدرات على المجتمع، ممّا يتطلّب تعديل المنظومة القانونية للملكية الفكرية لمواكبة التطورات الرقمية». وشدّدت على ضرورة أن ينص التشريع على «عدم منح الآلة حقوقا، وكتابة اسم الآلة المبدعة بجانب اسم موجّهها البشري، وتغيير معيار الحماية من شخصي إلى موضوعي لاستيعاب إبداعات الذكاء الاصطناعي».
كما أشارت إلى أنّ «الثورة المعلوماتية وفرت وسائل جديدة لإبلاغ الإبداعات إلى الجمهور، لكنها وسعت نطاق الانتهاكات، إذ أصبح من السهل الوصول إلى المصنفات المختلفة واستنساخها وتوزيعها بسرعة وبكلفة منخفضة، ما دفع الدول إلى الاهتمام بحماية الحقوق لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية». وأضافت أنّ «حقوق الإتاحة للجمهور تتيح الوصول إلى المصنف في المكان والزمان الذي يحدده المستفيد، عبر الإنترنت أو الهواتف المحمولة».وعلى صعيد التعاون الدولي، استعرضت الدكتورة «الاتفاقيات العالمية التي تدعم حماية حقوق المؤلف عبر الإنترنت، بدءا باتفاقية تريبس، ثم اتفاقيتي الإنترنت أو «ويبو»، التي تناولت حقوق المؤلف والأداء والتسجيل الصوتي، وحدّدت نطاق حق الاستنساخ والتدابير التكنولوجية لحماية المصنفات الرقمية من النسخ غير المصرح به.