مسار إبداعي تاريخي في معرض

”فيـلا عبــد اللطيــف”..ذاكــرة الفنــون الجميلـة

فاطمة الوحش

يتواصل المعرض الذي تحتضنه قاعات المتحف الوطني للفنون الجميلة بالحامة، خلال شهر سبتمبر الجاري، في إطار البرنامج الصيفي للمتحف، مسلطا الضوء على أعمال فنية أنجزها فنانون عالميون سبق لهم الإقامة في فيلا عبد اللطيف، التي تشكل اليوم مقرًا للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، وفضاء ارتبط اسمه بمسارات إبداعية أثرت الساحة الفنية الجزائرية لأكثر من قرن.

يعرض هذا الموعد التشكيلي نحو ستين عملا فنيا متنوعا بين اللوحات الزيتية والمائية، والمنحوتات، والنقوش، والميداليات، موزعة بين قاعة بشير يلس وبهو الاستقبال، في توليفة فنية تحتفي بروح المكان الذي ألهم أجيالا من المبدعين، من خلال عماراته المتوسطية، وإطلالته الساحرة على خليج الجزائر، وفضائه الطبيعي الهادئ.
ويشكل المعرض دعوة مفتوحة لاكتشاف أو إعادة اكتشاف تجربة الإقامة في فيلا عبد اللطيف، التي استقبلت منذ سنة 1907 ما لا يقل عن 89 فنانًا من مدارس وتيارات وأساليب مختلفة، من رسامين ونحاتين ومهندسين معماريين ومصممين. وتُعرض أعمال تعود إلى أول نزيل في الفيلا، الفنان ليون كوفي، كما تمثل أعمال الفنان تيليبي، المقيم سنة 1961، أحدث المراحل في هذا المسار.
وتتنوع المعروضات بين ما يُعرض لأول مرة، وما سبق تقديمه في مناسبات فنية سابقة، في إعادة قراءة جديدة لمسار فني موصول بالمكان والذاكرة.
وتجسد بعض الأعمال المعروضة علاقة حسية مباشرة بين الفنان والفضاء، كما في لوحات كورنو أوجين لويس، خاصة “مدخل فيلا عبد اللطيف”، ولوحة جاك شامبران “حسين داي من فيلا عبد اللطيف”، وأعمال أخرى التقطت تفاصيل معمارية وجمالية دقيقة مثل “النافورة” لإتيان بوشو، و«باب الدخول” لِجان شابو، و«جناح في الحديقة” لبول راغونو.
كما تكشف هذه الأعمال عن استخدام لوني ذكي يزاوج بين دفء الألوان المتوسطية وبرودة الظلال، ما يمنح التكوينات بعدا تعبيريا، وعمقا بصريا، ويعكس قدرة الفنانين على توظيف الضوء الطبيعي لتجسيد أجواء مختلفة، ومزج الانطباع الذاتي بواقع المكان.
وفي مجال النحت، تتجلى مهارة التشكيليين في تنوع الخامات المستعملة، من البرونز إلى الحجر، كما في أعمال شارل بيغونيه مثل “الأعمى” و«امرأة جاثية”، ومنحوتات مارسيل دامبواز مثل “امرأة بالسروال الجزائري”، إلى جانب “الصلاة” لبيناو ليدوفيك، وغيرها من الأعمال التي تكشف حسا تشكيليا دقيقا وروحا تفاعلية مع البيئة الفنية الجزائرية.
ولا يغفل المعرض أيضا الإشارة إلى الدور المحوري للمتحف الوطني للفنون الجميلة في مرافقة هذه المسارات، سواء من خلال اقتناء الأعمال أو تنظيم التظاهرات التي ساهمت في إبراز هذه التجارب. واللافت أن عددًا من الفنانين المقيمين اختاروا الاستقرار نهائيا في الجزائر، ما سمح لهم بالاندماج في نسيجها الثقافي، وتطوير أساليبهم بما يعكس التفاعل مع المحيط والانفتاح على التأثيرات المحلية.
ومن المرتقب أن يتواصل هذا المسار الفني، خلال شهر سبتمبر، بشطر ثان مخصص لأعمال فنية تتمحور حول المناظر الطبيعية والبورتريهات، في استمرار لرحلة تشكيلية ثرية تُرسخ فيلا عبد اللطيف كفضاء مركزي في المشهد الثقافي الجزائري، حيث يلتقي الفن بالهوية، وتتحول الإقامة إلى فعل إبداعي دائم التأثير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025
العدد 19863

العدد 19863

الأحد 31 أوث 2025
العدد 19862

العدد 19862

السبت 30 أوث 2025
العدد 19861

العدد 19861

الخميس 28 أوث 2025