الأسابيع الثّقافية..فضاءات يتجسّد فيها التنوع الثقافي الجزائري بأبهى صوره، ويتحوّل التراث المحلي إلى جسر للتواصل والتعارف بين أبناء الوطن الواحد. وفي هذا الإطار، احتضنت ولاية عين تموشنت فعاليات الأسبوع الثقافي لولاية المنيعة، فتعاقبت العروض الفنية والفلكلورية وسط حضور جماهيري معتبر، منح للتظاهرة روحاً حية ووقعاً خاصاً في الذاكرة.
لقد كانت المناسبة فرصة لإبراز العادات والتقاليد التي تزخر بها ولاية المنيعة، من خلال فرق فنية وشعبية قدّمت لوحات من الشعر الشعبي الملحون والفلكلور المحلي، لتؤكّد أن الثقافة الشعبية لا تزال قادرة على التعبير عن مكنون الهوية، وإيقاظ الحنين الجمعي، وهو ما أشار إليه مدير الثقافة والفنون، ياسين العابد، فإنّ هذه المشاركات تسلّط الضوء على مخزون ثقافي غني يربط الماضي بالحاضر، ويذكّر بأن التّراث ليس مجرد حنين إلى الأمس، بل رصيد متجدّد يثري الحاضر ويمنح للمستقبل جذوراً راسخة.
ولم تقتصر التّظاهرة على العروض الغنائية والشعرية، بل امتدّت لتشمل معارض للفن التشكيلي والكتب، وأخرى للصناعات التقليدية التي اشتهرت بها المنطقة، كالطرز ونسيج الزرابي، في محاولة لفتح نافذة على إبداع الحرفيين، وإبراز قيمة الصناعة التقليدية كجزء من الاقتصاد الثقافي الوطني، فهذه الحرف هي سجل حيّ لذاكرة المجتمع، ورموز لموروث حضاري يمتد عبر الأجيال.
ولقد جاء الأسبوع الثقافي للمنيعة كمثل باقي الأسابيع التي برمجتها وزارة الثقافة والفنون، من أجل إبراز الرصيد الحضاري لكل منطقة من الوطن، وجعل الثقافة وسيلة للتقارب بين الولايات المختلفة، فالتنقل بالتراث من ولاية إلى أخرى يظهر الغنى الكبير الذي تتمتّع به بلادنا.
إنّ تظاهرات من هذا النوع تحمل أكثر من بعد احتفالي، فهي أيضاً فعل مقاومة ثقافية في زمن العولمة، ورسالة مفادها أنّ الجزائر قادرة على حماية تراثها المادي واللامادي عبر آليات العرض، التوثيق والتثمين، كما أنّها تؤكّد أن الثقافة الشعبية ـ من الملحون إلى الزرابي ـ ما زالت قادرة على فرض حضورها في المشهد الوطني، حين تُمنح فضاءات التعبير المناسبة.
ولعل أهم ما تكشفه مثل هذه اللقاءات هو الحاجة الملحّة إلى دمج الثقافة المحلية في السياسات التنموية، لأنّ التراث ليس مجرد ترف فكري أو مادة للعرض السياحي، بل هو طاقة رمزية واقتصادية يمكن أن تسهم في تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز صورة الجزائر في الخارج.
سمية . ع