في فضاء المسرح البلدي “حسان بلكيرد” بسطيف، سيتجدّد اللقاء بين الصوت والروح، وبين التراث والابتكار، خلال الأيام الوطنية للسماع والمديح الديني التي تعقد في طبعتها الثانية من 2 إلى 4 سبتمبر المقبل. هذه المبادرة التي ترعاها الجمعية الثقافية “قاردينيا” تأتي وفية لروح المولد النبوي الشريف، تحت شعار يختزل المعنى: “وُلد الهدى فالكائنات ضياء”.
الاحتفالية التي تحوّلت إلى موعد سنوي، ستجمع تسع فرق إنشادية قادمة من سطيف وعنابة وجيجل والمسيلة وبسكرة، في تلاق فني يعيد إحياء مدرسة المديح والسماع، تلك التي ظلّت عبر التاريخ الجزائري مدرسة للذوق الرفيع، ومجالاً لتربية الذائقة الروحية، وحفظاً لذاكرة جماعية امتزج فيها الدين بالهوية الوطنية.
ولأنّ السماع لا ينفصل عن بقية الفنون، يوازي العروض الإنشادية معرض للفنان عبد الوهاب خنينف في الزخرفة الإسلامية والحروفيات، حيث سيترجم الحرف العربي إلى لوحات مشبعة بالروحانية، كما يثري شعراء من مختلف الأجيال البرنامج بقراءات في مدح الرسول الأكرم، لتتحوّل القاعة إلى مساحة يتعانق فيها الشعر بالصوت، والنغمة بالكلمة.
ولم ينس المنظّمون الوفاء لأهل البصمة والريادة، إذ سيُكرَّم اسم المنشد الراحل توفيق بوراس، اعترافاً بجهوده في خدمة فن السماع، الذي ظل صوته فيه محفوراً في ذاكرة المستمعين.
إنّ هذه التظاهرة ليست مجرد عروض فنية، بل هي دعوة إلى استعادة ما يسميه بعض النقاد بـ “التربية الجمالية للروح”، حيث يصبح المديح الديني مدرسة للتأمل والسكينة، ووسيلة لبناء جسور بين الأجيال. فالمديح في الجزائر لم يكن فناً عابراً، بل عنصراً مكوّناً من عناصر الهوية الثقافية التي قاومت الاستلاب، وحافظت على صلتها بالموروث الروحي.
من هنا، فإنّ أيام السماع بسطيف تمثّل أكثر من موعد فني..إنها عودة إلى ينابيع الصفاء في زمن ضاجّ بالضجيج، وتأكيد أن الفن الروحي ما زال قادراً على جمع الناس حول قيم الجمال والمحبة.