حـل القضيـة الصحراوية في تقريــر المصـير..ولا بديــل عـن الحريــــة
نهـب الــثروات انتهـاك صــارخ للسـيادة الصحراوية والقانون الدولــي
تتعالى الأصوات الحرة المطالِبة بتصفية الاستعمار، وتُركّز الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، بينما يواصل المخزن المغربي إنكار الواقع القانوني والسياسي للصحراء الغربية، متمسكًا بأطروحة متآكلة لا تجد لها موطئ قدم في ميثاق الأمم المتحدة ولا في قرارات محكمة العدل الدولية، ليبقى الشعب الصحراوي الشقيق تحت وطأة احتلال عسكري مباشر، يفرضه المخزن في تحدٍّ سافر للشرعية الدولية، بل يمارس تجاهلا تامّا للحق الثابت لشعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، رغم وضوح الوضع القانوني للإقليم، ومحورية قضية الاستفتاء في قرارات الأمم المتحدة..
شهدت جامعة بومرداس انطلاق أشغال النسخة 13 من الجامعة الصيفية لإطارات جبهة البوليساريو، الأحد المنصرم، بحضور كثيف تجاوز 400 إطار صحراوي، يمثلون مختلف هيئات ومؤسسات الجمهورية الصحراوية، ويتجدّد التأكيد على عدالة القضية الصحراوية، وينكشف سلوك الاحتلال الذي يلقي أراجيف لم تعد تجد من يصدّقها في العالم.
وأجمع المشاركون بالجامعة الصيفية للبوليساريو، وفيهم خبراء في العلاقات الدولية وأكاديميون مرموقون، على أن الحل الوحيد والعادل للقضية الصحراوية يكمن في تنظيم استفتاء حر وشفاف، يتيح للشعب الصحراوي التعبير عن إرادته وفق ما تنص عليه لوائح الأمم المتحدة. وهو الخيار الذي يتنكر له المغرب، مع أنه ليس مطلبا سياسيا، وإنما هو التزام قانوني دولي مؤسس منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991 برعاية أممية.
وشدّد المحاضرون على أن قضية الصحراء الغربية لا يمكن اختزالها في “نزاع إقليمي”، كما يحاول النظام المغربي تصويرها، فهي آخر قضية تصفية استعمار في إفريقيا، ما تؤكده بوضوح قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي أقرت بعدم وجود أي سيادة قانونية للمغرب على الإقليم.
وتهاوت المزاعم المغربية بشأن (سيادة تاريخية) مزعومة على الصحراء الغربية، أمام شهادات قانونية دولية دامغة. إذ كانت محكمة العدل الدولية واضحة في رأيها الاستشاري عام 1975، حيث نفت وجود أي روابط سيادية بين المغرب والصحراء الغربية، وشدّدت على أن الشعب الصحراوي هو وحده صاحب الحق في تقرير مصيره. ولا تزال الأمم المتحدة تصنف الصحراء الغربية ضمن قائمة الأقاليم غير المحكومة ذاتيًا، ما يكرّس وضعها كقضية تصفية استعمار.
إن ما تمارسه الرباط بالصحراء الغربية هو احتلال عسكري واضح، يُرافقه قمع سياسي ونهب اقتصادي وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وكل ذلك يتم وسط صمت دولي وتواطؤ شركات متعددة الجنسيات تنهب الثروات الطبيعية للإقليم بشكل غير قانوني.
ولقد أكد الوزير الأول للجمهورية الصحراوية، بشرايا حمودي بيون، في كلمة افتتاح الجامعة الصيفية للبوليساريو، أن الحل الوحيد والعادل للنزاع، تنظيم استفتاء لتقرير المصير وفق مقتضيات الشرعية الدولية، وعبّرت جبهة البوليساريو عن استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة وجدية، ترعاها الأمم المتحدة، بعيدا عن الإملاءات والشروط المسبقة، ويحظى هذا الموقف بدعم واسع من خبراء القانون الدولي والسياسيين الذين وصفوا الاستفتاء بأنه “الحل الأنسب للجميع”، بما في ذلك المغرب نفسه، معتبرين أن إنكار المخزن لوجود دولة صحراوية قائمة بحد ذاتها، هو تعبير عن أزمة داخلية للنظام المغربي وليس موقفًا قانونيًا.
خطاب المخزن..هروب إلى الأمام
رغم الوضوح القانوني الصارخ لمكانة الصحراء الغربية كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، يسعى المغرب إلى تطبيع الوضع القائم عبر لغة سياسية مراوغة، يوظف فيها مصطلحات مضللة مثل “النزاع” أو “الجهوية المتقدمة” أو “الحكم الذاتي”، وهي مفاهيم لا مكان لها في قرارات الأمم المتحدة، كما صرح بذلك عدد من المشاركين في الجامعة الصيفية، وعلى رأسهم الأستاذ صويلح بوجمعة الذي شدد على أن “الحكم الذاتي” ليس خيارًا قانونيًا مطروحًا في أروقة الأمم المتحدة.
التقارير الإعلامية عبر العالم، لا تتردد في تسمية الأمور بمسمياتها، لتصف ما يجري بالصحراء الغربية بأنه “استعمار مباشر” لا يختلف عن أي تجربة كولونيالية تقليدية، فالمغرب يرتكب، - بحسب العديد من التقارير - انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، وعلى سبيل المثال، تحدثت الصحفية الإسبانية آنا ستيلا في مقال بعنوان “الإبادة الجماعية المسكوت عنها”، عن عمليات إخفاء قسري طالت المئات من الصحراويين منذ بداية الاحتلال، مشيرة إلى وجود مقابر جماعية وأدلة موثقة على الإعدام خارج القانون. كما وثّقت الصحفية مجزرة قرية أم دريكة في فيفري 1976، حيث استخدمت الطائرات المغربية أسلحة محرمة دوليًا لقصف المدنيين.
النهب تحت غطاء الاستثمار
بعيدًا عن الخطاب السياسي، فإن جوهر المشروع الاستعماري المغربي في الصحراء الغربية يتمحور حول السيطرة على الموارد، فالفوسفات، والسمك، والرمال، والطاقة الشمسية والريحية، كلها تُستنزف بشكل غير قانوني من طرف شركات متعددة الجنسيات، بعقود يوقعها المغرب نيابة عن شعب لا يعترف بسيادته. وقد سبق لمحكمة العدل الأوروبية أن أكدت بطلان الاتفاقات التجارية التي تشمل الصحراء الغربية دون موافقة سكانها الأصليين، ممثلين في جبهة البوليساريو، وواضح أن هذا النهب الممنهج يكرّس واقعا استعماريا اقتصاديا، حيث يستفيد المحتل من خيرات الإقليم بينما يُحرَم أصحابه من أبسط حقوق التنمية والحياة الكريمة.
إن الاحتلال المغربي يمارس سياسة نهب منظم للثروات الصحراوية، وهي أنشطة تتم تحت غطاء “الاستثمار”، رغم أنها تُعد، قانونيًا، انتهاكات صارخة للسيادة الصحراوية التي يعترف بها القانون الدولي لشعب الصحراء الغربية وحده.
ولقد سجّلت ممثلة الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، خديجة أعلي، خلال مشاركتها في ورشة حقوقية دولية بمابوتو، أن هذا النهب الاقتصادي يترافق مع قمع اجتماعي، حيث تعاني النساء الصحراويات من التهجير والعنف الممنهج، بما يفضح الطابع الاستعماري للاحتلال المغربي.
المخزن يتآكل من الداخل
في الداخل المغربي، بدأت ملامح التصدع تظهر في المشهد السياسي والاجتماعي، خصوصًا مع تصاعد وتيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، مايمثل تهديدًا مزدوجًا: خارجيًا على أمن واستقرار المنطقة، وداخليًا على سيادة المغرب ذاته، وقال منسق الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، عبد الصمد فتحي، إن التطبيع لم يعد مجرد “خيانة للقضية الفلسطينية”، بل صار “مدخلا لاختراق صهيوني ناعم يهدد النسيج الوطني المغربي نفسه”، فـ«شراء الأراضي، تعديل القوانين العقارية، منح الجنسية المزدوجة ليهود من أصول مغربية، كلها مؤشرات على استيطان صهيوني صامت، يعيد إنتاج نكبة فلسطين على الأراضي المغربية، ما يعني أن الاحتلال المغربي لا يهدد الشعب الصحراوي فقط، بل يفتح الباب لانتهاك السيادة الوطنية عبر تحالفاته مع قوى استعمارية توسعية بطبعها.
وحذر عبد الصمد فتحي، من “النكبة الجديدة” التي تهدد المغرب، مشيرًا إلى أن اتفاقات التطبيع فتحت الأبواب أمام مشاريع استيطانية صهيونية ناعمة تستهدف الأراضي المغربية والهوية الوطنية على حد سواء.
هذا المناخ المسموم، كما وصفه، يجعل من مقاومة التطبيع واجبًا وطنيًا يتجاوز مجرد التضامن مع فلسطين، ليصبح دفاعًا عن سيادة البلاد وهويتها الاجتماعية والثقافية، وهو ما ترجمته الاحتجاجات الواسعة في مدينة طنجة ضد رسو سفن الأسلحة الصهيونية، والتي تمثل شراكة غير أخلاقية بين المخزن وآلة الإبادة في غزّة.
البهتـان لا يجـدي أمـام الحق الناصع
موقف الإعلام الإسباني شهد تطورًا لافتًا، إذ أصبحت كبريات الصحف الإسبانية تتحدث بصراحة عن “احتلال” لا عن “نزاع”، والكاتب كارلوس كريستوبال، على سبيل المثال، فند في مقالاته مزاعم المخزن، مؤكدًا أن السيادة على الصحراء الغربية لا تخص المغرب، بل الشعب الصحراوي وحده. واستند في ذلك إلى قرارات محكمة العدل الدولية التي تمنع المغرب من توقيع أي اتفاقات تخص موارد الإقليم دون موافقة جبهة البوليساريو.
من جهتها، قالت عالمة الاجتماع والناشطة الاسبانية، مايدر سارالغي، إن الشعب الصحراوي يعيش منذ عقود في ظل واقع خانق تفرضه ممارسات الاحتلال المغربي الذي جعل من الحياة اليومية شكلا مستمرا من المعاناة والحرمان، مؤكدة أن ما يحدث في الصحراء الغربية ليس مجرد حالة إنسانية طارئة، بل نتيجة مباشرة لانتهاكات ممنهجة تهدف إلى إخضاع الشعب الصحراوي وحرمانه من حقوقه الأساسية.
وفي مقال بعنوان “في الصحراء لا يمكن العيش، فقط البقاء على قيد الحياة”، نشرته على موقع إذاعة “أوندا فاسكا”، وصفت سارالغي الظروف التي يجبر الشعب الصحراوي على التعايش معها، موضحة أن الاحتلال المغربي مسؤول بشكل مباشر عن انتهاكات واسعة ترتكب يوميا في المناطق الصحراوية المحتلة، تشمل الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، المحاكمات الجائرة والتضييق على الحريات العامة والفردية، إلى جانب النهب الممنهج للثروات الطبيعية التي تستغل دون وجه حق، وأشارت إلى أن سياسات الاحتلال المغربي لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأرض، بل تسعى إلى إنهاك الشعب الصحراوي نفسيا واجتماعيا، عبر خلق مناخ دائم من التهديد والخوف واللااستقرار، لافتة إلى أنه رغم كل ذلك، فإن الشعب الصحراوي لا يزال متمسكا بحقوقه، ويرفض بشكل قاطع أي تسوية تنتقص من حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال.
هذا الخطاب الإعلامي يشكل تحديًا مباشرا للدعاية المغربية التي تعمد إلى تسويق حلول وهمية وفرض واقع بالقوة، غير أن الحقيقة القانونية والإنسانية تبقى ثابتة: الصحراء الغربية أرض محتلة، وشعبها يملك الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
الحق الصحراوي نافذ..
رغم العنف والتضليل، والتحالفات المشبوهة، تظل القضية الصحراوية عنوانًا ناصعًا للعدالة الدولية، يقف فيها شعب بأكمله مطالبًا بحقه المشروع في الحرية والاستقلال، لأن ما يعيشه الصحراويون اليوم ليس مأساة احتلال فقط، بل مواجهة مفتوحة مع منظومة استعمارية تسعى لطمس وجودهم.
..ويمضي المخزن المغربي مكابِرًا في وجه التاريخ، متوكئًا على ركام من الأكاذيب وخرائط الأوهام، ظنًّا أن الاحتلال يدوم، وأن القمع يمكن أن يبتدع “الشرعية”، وينسى أن الشعوب المتشبثة بحقوقها لا يمكن أن تنهزم، ولا أن تُمحى من أرض تكتب تاريخها بالدم والصبر والكفاح..لا ينتبه المخزن إلى أن الصحراء الغربية قضية تتابعه منذ أكثر من نصف قرن، وهي تتوهج أكثر عاما بعد عام، فهي الجرح المفتوح في ضمير الإنسانية، وآلامه المضنية لا تكف إلا بالحرية.
إن نسائم الحرية تهبّ من رُبوع السمارة والداخلة، ومن خيام اللاجئين ومن أصوات المقاومين في الأرض المحتلة..نسائم محملة بإرث النضال ورائحة الأرض، لتعلن أن شمس الاستقلال آتية لا محالة، وأن زمن المخزن بجبروته وتنطعه وتطبيعه الرخيص..إلى زوال.