خمسـون عامًا من المقاومة الصحراوية تفضـح الاحتلال المغربي

المخزن الكولونيالي.. بُهتان في النزع الأخير

محمد لعرابي

أثبت الشعب الصحراوي، على مدار خمسة عقود كاملة، أن إرادة التحرر قادرة على الصمود في وجه أطول احتلال في القارة الإفريقية، فمنذ اندلاع النزاع سنة 1975 عقب الانسحاب الإسباني من الصحراء الغربية، ظل الصحراويون متمسكين بحقهم في تقرير المصير، رافضين كل محاولات فرض الأمر الواقع من طرف المغرب، الذي سعى عبر دعاية سياسية مغرضة، وتحركات عسكرية مشؤومة، واتفاقيات اقتصادية غير مشروعة، إلى تكريس وجوده الاستعماري على الإقليم، غير أن الشعب الصحراوي العظيم، عرف كيف يذيقه الهوان، ويعلمه أن الأحرار أعلى من المساومات الرخيصة، والألاعيب الدنيئة.

هذا الثبات الصحراوي في الموقف، تحوّل إلى عنصر حاسم في إرباك استراتيجيات المخزن، وفق ما أكّد المشاركون في ندوة علمية نظمها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة بالجزائر، تحت عنوان: “القضية الصحراوية: 50 سنة من النضال والكفاح والصمود”، والتي شهدت مداخلات دبلوماسيين وخبراء وباحثين سلطوا الضوء على أبعاد الصراع، وأدوات المواجهة، والتحدّيات الراهنة.

أنـوار الحقيقـة لا تُطمس..

في كلمته، شدّد سفير الجمهورية العربية الصحراوية بالجزائر، خاطري ادوه، على أن الاحتلال المغربي بنى استراتيجيته الإعلامية منذ البداية على “شيطنة” الكفاح الصحراوي، ووصم القضية بأنها “مفتعلة” لا علاقة لها بحق تقرير المصير، في تناقض صارخ مع قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
وأضاف السفير أن هذه الحرب الدعائية لم تقتصر على تشويه صورة جبهة البوليساريو -  الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي - بل شملت محاولات لخلق بدائل سياسية وهمية، وطرح مقترحات للحكم الذاتي تتجاهل الطبيعة القانونية للنزاع باعتباره قضية تصفية استعمار، ومع ذلك، فإن صمود الشعب الصحراوي في الميدان السياسي والمقاومة المدنية والعسكرية أفسد هذه المخططات، وأجبر المغرب على البقاء في موقع دفاعي على الساحة الدولية.

الحرب النفسية الدّعائية..

الكاتب والإعلامي الصحراوي، حمة المهدي، لفت في مداخلته إلى خطورة الحرب النفسية التي يقودها الإعلام المغربي، والتي تستهدف تضليل الرأي العام المحلي والدولي عبر بث روايات مشوّهة، وتزييف الحقائق التاريخية والقانونية، وأوضح أن هذه الحملة تسعى لتقديم المغرب كـ«قوّة مديرة” للإقليم، وهو توصيف ترفضه الأمم المتحدة، وتعتبره صيغة دعائية تهدف إلى إخفاء حقيقة الاحتلال.وفي المقابل، شدّد المهدي على أن الرد على هذه الحرب يتطلب جهدًا استراتيجيًا في التعريف بالقضية الصحراوية عبر منصات إعلامية دولية، والاستعانة بشهادات وتقارير موثقة من منظمات أممية وحقوقية لإثبات بطلان الرواية المغربية.

الهوّية الوطنية.. خطّ دفاع ثقافي

ممثل جبهة البوليساريو في المشرق العربي، مصطفى الكتّاب، تناول جانبًا بالغ الأهمية، وهو الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للشعب الصحراوي في مواجهة محاولات الاحتلال لطمسها، وأكد أن الروابط التاريخية والثقافية العربية والإسلامية للصحراء الغربية، تعد من ركائز النضال، وأن الحفاظ عليها يمثل مقاومة ناعمة، لكنها فعّالة، لمخططات التذويب الثقافي التي يسعى إليها المخزن المغربي.

استنـزاف العــدّو

قائد الناحية العسكرية الرابعة للجيش الصحراوي، حبوها عبد الله أبريكا، قدّم قراءة ميدانية لمسار الصراع المسلّح، مؤكدًا أن حرب الاستنزاف التي يخوضها الجيش الصحراوي منذ استئناف القتال أواخر 2020، كبّدت القوات المغربية خسائر مادية وبشرية، وأسهمت في زيادة الضغوط الاقتصادية على الرباط، التي تعاني أصلًا من مديونية مرتفعة ونسب بطالة متنامية.
وأشار أبريكا إلى أن هذه الحرب، رغم أنها لا تحقق تقدمًا سريعًا على مستوى السيطرة الجغرافية، إلا أنها تؤثر بشكل كبير على معنويات الجيش المغربي، وتُبقي القضية الصحراوية حاضرة كملف نشط في الأجندة الدولية.

انتهاكــات إنسانيـة بالجملــة

على الصعيد الإنساني، كشف رئيس الاتحاد العام للعمال الصحراويين، نفعي أحمد، عن جرائم ارتكبها الاحتلال ضد المدنيين، بينها القصف بأسلحة محظورة دوليًا، واستهداف التجمعات السكنية بطائرات مسيّرة، ما أسفر عن سقوط ضحايا في صفوف العائلات الصحراوية. واعتبر أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتستوجب تحقيقات أممية مستقلة.

نهب الثروات… الوجه الاقتصادي للاحتلال

من أخطر أبعاد الاحتلال المغربي للصحراء الغربية، ما أثير مؤخرًا حول مشروع طاقوي جديد في منطقة الكركرات المحتلة، والذي وصفته رئيسة المرصد الصحراوي لمراقبة الثروات الطبيعية، ياقوتة المختار، بأنه خرق سافر للقانون الدولي، ومحاولة لتكريس الاحتلال عبر مشاريع ظاهرها “تنموي” وباطنها خدمة المصالح العسكرية والاقتصادية للمخزن المغربي.
وكان الاحتلال المغربي قد أعلن عن إطلاق مناقصة دولية لإنشاء وتشغيل محطة طاقة هجينة في منطقة الكركرات بالجزء المحتل من الصحراء الغربية، على الحدود الموريتانية، على مساحة تقارب 10 هكتارات، لتؤكد المختار أن أي استغلال للموارد الطبيعية دون موافقة جبهة البوليساريو يعد باطلًا وغير قانوني، مشيرة إلى أن الكركرات، كجزء من الأراضي المحتلة، لا يجوز استخدامها كحقل تجارب تقنية أو منصة استثمارية لصالح دولة الاحتلال، وأضافت المسؤولة الصحراوية أن هذا المشروع “يأتي في سياق مساع حثيثة من المغرب من أجل تكريس احتلاله للصحراء الغربية وتوسيع بنيته التحتية في مناطق خارج حدوده المعترف بها دوليا، وشدّدت على ضرورة دعوة الأمم المتحدة وجميع الهيئات الدولية إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية لوقف جميع المشاريع التي “تشرّعن” الاحتلال أو تستغل الثروات الصحراوية خارج إرادة الشعب الصحراوي الذي هو صاحب السيادة الوحيد على أرضه.
في السياق ذاته، أصدرت منظمة كوديسا بيانًا شديد اللّهجة، أدانت فيه استمرار نهب الثروات السمكية في الداخلة المحتلة، محذّرة من جرائم بيئية ناجمة عن الصيد الانتقائي وتدمير التنوّع البيولوجي البحري، في ظل تعتيم إعلامي وصمت دولي. وأكد البيان أن هذه الممارسات تسهم في إفقار الصيادين الصحراويين وحرمانهم من حقهم في مواردهم الطبيعية.
ونبّه بيان كوديسا إلى أن هذا “السلوك اللامسؤول” يؤدي إلى تدمير ممنهج للتنوّع البيولوجي البحري وتلويث مياه المحيط الأطلسي، مشدّدا على أن “الجرائم البيئية الجسيمة لا تنفصل عن سياسات الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية الذي ينهب موارد الأرض والبحر ويقصي أصحاب الأرض الأصليين من الشعب الصحراوي من حقهم الطبيعي في استغلال ثرواتهم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات المحاكم التي أكدت مرارا أن المغرب ليست له أي سيادة على الصحراء الغربية”.
 كما أكد البيان أن مدينة الداخلة المحتلة “تحوّلت إلى مسرح مفتوح للنهب والعبث بثرواتها الطبيعية في غياب أية رقابة بيئية أو محاسبة قانونية، حيث يتم تصدير كل هذه الخيرات في تجاهل تام لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والسيادة على موارده الطبيعية”.

تواطؤٌ دولي.. وفرنسا تحت المجهر

من جهة أخرى، توجهت أصابع الاتهام إلى فرنسا الغارقة في مشاكلها الاقتصادية، وتسعى إلى نهب الثروات الصحراوية تحت مسمى (الاستثمار)، وحث مركز التحليل للصحراء الغربية، فرنسا، على احترام القانون الدولي والأوروبي، بعد تخصيص الوكالة الفرنسية للتنمية مبلغ 150 مليون يورو لـ«مشاريع” في الأراضي المحتلة، وحذّر من أن هذا التمويل يمثل انتهاكًا صريحًا، وقد يعرّض باريس لمتابعات قضائية أمام المحاكم الأوروبية والفرنسية، خاصة بعد القرارات الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية التي أبطلت الاتفاقيات التجارية مع المغرب لعدم استشارة الشعب الصحراوي.
وفي السياق، أدان المركز “بشدّة” المعاملة “المنحازة والمضللة” لإحدى القنوات العمومية الفرنسية التي بثت تقريرا تلفزيونيا يروّج لما أسمته “تنمية اقتصادية مذهلة” في الصحراء الغربية بفضل ما وصفته بـ«الاستثمارات المغربية”، وذكّر أن الصحراء الغربية إقليم غير مستقل أدرجته الأمم المتحدة منذ سنة 1963 على قائمة الأقاليم الواجب تصفيتها من الاستعمار.

البُعد القانــوني  واضـــح

تستند القضية الصحراوية إلى أرضية قانونية صلبة، إذ أدرجت الأمم المتحدة الصحراء الغربية منذ 1963 ضمن قائمة الأقاليم غير المحكومة ذاتيًا، وأكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لعام 1975 أنه لا وجود لأي روابط سيادة بين المغرب والإقليم تبرر ضمّه، كما نصّت عدّة لوائح أممية على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير عبر استفتاء حرّ ونزيه، وهو ما ظل المغرب يعرقله منذ عقود، ويبذل “جهودا” غير معقولة في التلفيق وصناعة البهتان من أجل الاستيلاء على مقدرات شعب أعزل لا يرغب إلا في حقّه الشرعي في رفع الظلم المخزني.من الأمثلة على محاولات المغرب، استغلال الثقافة والفن لتجميل صورته في الصحراء الغربية، ومن ذلك السماح بتصوير فيلم للمخرج العالمي كريستوفر نولان في مدينة الداخلة المحتلة. ووفقًا لموقع “لا تنسوا الصحراء الغربية”، فإن هذه الخطوة ليست بريئة فنيًا، بل تأتي ضمن سياسة مدروسة لتطبيع الاحتلال وجعله يبدو جزءًا من الحياة الطبيعية في الإقليم، في محاولة للتأثير على الرأي العام الدولي.

ابتـزاز بالهجـــرة..

ولا يتوقف شرور المخزن عند حدود البهتان، والانتهاكات الانسانية، والترويع الممنهج للآمنين، بل يواصل في حماقاته، ويهدّد كل من يفكر في إحقاق الحق بوسائل شتى، منها ما تحدثت عنه الكاتبة الصحفية الإسبانية آنا ستيلا التي ذكّرت في مقال لها بحادثة سبتة عام 2021، حين سمح المغرب بعبور آلاف المهاجرين نحو الجيب الإسباني خلال ساعات قليلة، معتبرة أن هذا الحادث كشف بوضوح استخدام الرباط للهجرة كورقة ضغط وابتزاز سياسي على أوروبا، بهدف انتزاع مواقف داعمة لاحتلاله للصحراء الغربية.

جبهـة تضامـن دوليــة

أجمع المتحدثون والتقارير على أن استمرار الاحتلال المغربي في سياساته الاستيطانية والاقتصادية والثقافية في الصحراء الغربية يتطلب مواجهة أكثر صرامة من المجتمع الدولي، عبر تفعيل آليات المراقبة الأممية، وفرض عقوبات على أي طرف يشارك في استغلال موارد الإقليم بشكل غير قانوني. كما دعوا إلى تعزيز جبهة التضامن مع الشعب الصحراوي، خاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، لمواجهة اللوبيات الكولونيالية التي تنتهك المقدرات الصحراوية تحت غطاء “تأييد المغرب”.

صمـــود حتـى النصــر

خمسون عامًا من النضال أظهرت أن القضية الصحراوية ليست مسألة حدود أو نزاعًا ثنائيًا بين المغرب وجبهة البوليساريو، بل قضية تصفية استعمار تحظى بشرعية دولية كاملة. وبينما يواصل الاحتلال المغربي توظيف كل الوسائل - من الدعاية الإعلامية، والابتزاز السياسي، إلى نهب الثروات - لإدامة سيطرته، يبقى الرهان على قدرة الشعب الصحراوي على الصمود، وعلى تزايد الضغوط الدولية التي قد تفرض في النهاية حلًا يضمن حق تقرير المصير، وهو الحق الذي لا يسقط بالتقادم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025
العدد 19847

العدد 19847

الثلاثاء 12 أوث 2025
العدد 19846

العدد 19846

الإثنين 11 أوث 2025
العدد19845

العدد19845

الأحد 10 أوث 2025