آراء متعددة لمسألة واحدة

زواج المرأة بمن يصغرها سنّا في الميزان

تجارب وشهادات ترصدها «الشعب» من عمق المجتمع

 في كثير من الأحيان يجد زواج المرأة بمن يصغرها سنا رفضا من المجتمع بسبب الأفكار المسبقة التي كرستها العادات والتقاليد التي تسمح للرجل بالزواج من القاصر ولا تقبل العكس. ورغم التجارب الناجحة لكثير من الزيجات، إلا أن هذا النوع من الزواج دائما يجد المقبلين عليه حرجا في إخبار العائلة به.
في المقال التالي حاولنا التعرف على المشكلة والاطلاع على آراء المواطنين الذين انقسموا بين قبول ورفض وتردد، لكن الأكيد أنهم أجمعوا على أن السن لم تكن يوما أحد الأسس أو القواعد التي يبنى عليها الزواج أو نجاحه. التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي قامت به «الشعب».

فلة. ط ، 34 عاماً، موظفة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، مقبلة على الزواج من احد زملائها الذي يصغرها بـ4 سنوات، سألناها إن كانت ارتباطهما لم يلق رفضا من المحيط بسبب فارق السن بينهما فقالت: «لا أرى في ارتباط شاب يصغر العروس بسنوات أمرا مرفوضا أو غير مقبول لأنه ليس عائقاً رئيسياً أو مسا بقداسة الزواج، فالأمر أولا وأخيرا يرجع للتفاهم بين الطرفين فمع وجود الحب والوفاء بينهما تنمحي كل الفوارق الموجودة بينهما، حقيقة ا نامي رفضت الأمر في البداية بدعوى أنني سأشيخ قبله ما سيجعله ينظر إلى نساء أخريات إلا أنني أقنعتها بالعكس وقبلت ارتباطي به في الأخير، لأنها حياتي ولا احد يستطيع تسطيرها غيري.»
و أضافت فلة قائلة :» لم يدخل الشك إلى قلبي ولو للحظة في أن السن سيكون عائقا أمام سعادتنا خاصة بعد إن رأيت نجاح زواج إحدى صديقاتي برجل يصغرها بست سنوات فرغم تخوفها في البداية من كلام الناس في حدوث مشاكل بسبب السن، إلا أنها دائما تخبرني أنها تعيش حياة سعيدة وأعتقد أنه لا يوجد أي مشكلة في ذلك، إذ إن المرأة بطبيعتها وفطرتها تشعر أن زوجها كبير في الرأي والمشورة، وإنه رجل يتحمل المسؤولية بكل ما لديه.»
جميلة 30سنة، خياطة قالت عن زواج المرأة بمن بصغرها سنا: «الطبيعي بالنسبة للمجتمع أن يتزوج الرجل بمن هي أصغر منه سنا ولن يكون الفرق مهمّا، فكما يمكنه الزواج بمن تصغره بسنة هو أيضا بإمكانه أن يتزوج بمن تصغره بأربعين سنة ولنا في الكثير من الحالات دليلا قاطعا على ذلك، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن سبب رفض أو عدم تقبل المجتمع لزواج المرأة بمن يصغرها سنا، لأنه حتى الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بخديجة وهي أكبر منه وكانت نعمة الزوجة والأم والمساند في بدايات دعوته إلى الإسلام، بل كانت أول من آمن به، ولو كان في الأمر مضرة ما فعله صلى الله عليه وسلم».
واستطردت جميلة قائلة: «في كثير من الأحيان تقف الأعراف والتقاليد حجر عثرة أمام مواقف لا حرج ولا عيب فيها، فالزواج أساسه الحب والتفاهم والانسجام أما غير ذلك فهي من الأمور النسبية التي يقبلها البعض ويرفضها البعض الآخر، ففكرة «العيب»، فكرة مغلوطة بسبب العادات والتقاليد السائدة في المجتمع فالعمر لا يمثل اختلافاً كبيراً في كون الزواج ناجحاً أم لا، ولنا في كثير من التجارب الصورة الحقيقية التي تبنى عليها العلاقات الاجتماعية خاصة فيما يتعلق ببناء أسرة على قواعد متينة تمكنها من الصمود أمام الصدمات المختلفة في الحياة».
 الأسوأ ألا يتحمل المسئولية
- زوليخة. ت، 60 سنة، ربة بيت قالت عن هذا النوع من الزواج: «تزوجت ابنتي من رجل يصغرها بـ7 سنوات، بعد أن بدا يتغلغل إلى قلبها اليأس من زواجها، فخوفها من البقاء عانسا جعلها تقبل الزواج منه، ورغم أنني ووالدها تحفظنا على هذا الزواج إلا أن إصرارها جعلنا نرضخ لرغبتها ونقبل ارتباطها به، فقد كان زميلها في العمل وكان ابتعادها عنه أمرا مستحيلا، لذلك زوجناها له بعد فترة خطوبة دامت سنتين كاملتين، المهم انها بعد حفل الزواج كان دائما تخبرنا عن السعادة التي كانت تعيشها معه ولكن مع مرور الوقت اكتشفنا انه شخص انتهازي واتكالي ووصولي، وانه لم يتزوجها عن حب بل لتحقيق مآربه الخاصة لأنها كانت رئيسة مصلحة كان موظفا فيها، المهم بعد سنة تقريبا، وقع شجار كبير بينهما كان نتيجته الانفصال، فقد طلبت ابنتي الخلع، خاصة بعد اكتشافها انه على علاقة مع فتاة أخرى، وعندما واجهته بالحقيقة عايرها بسنها واخبرها انه يريد أن يجدد حياته مع امرأة صغيرة وشابة».
وأضافت زوليخة أن هذه الكلمات كانت كافية لتستفيق ابنتي من أحلام اليقظة التي كانت تعيشها واصطدمت مع الحقيقة المرة، فما كان منها سوى الانسحاب من حياته وإخراجه بالقوة من حياتها، لأنها أدركت حينها أن زواجها منه كان اكبر غلطة في حياتها، ما جعلها تشعر بندم شديد مع مرور الأيام، لأن فارق العمر أثر كثيراً في علاقتها معه وأحدث مشاكل كبيرة، فضلاً عن غياب أي نوع من التفاهم بينهما لأنه كان يرفض تحمل المسؤولية وكل ما يهمه نفسه فقط والخروج مع أصدقائه والسفر وحده، دون أخذ زوجته معه.
أكدت زوليخة في السياق ذاته أنه لا يمكن أن ترتبط المرأة بمن يصغرها سنا لان ملامح العمر والشيخوخة تظهر عليها قبل الرجل، كما أن شعوره بأن زوجته أكبر منه يجعله صعب التفاهم، خصوصاً إن كان رجلاً من مجتمع كمجتمعنا، فهو يحاول دائماً أن يثبت رجولته وقوته داخل البيت، وكون زوجته أكبر منه سناً فهذا يجعله يشعر بالضآلة، فتنشب الخلافات بينهما.
السن ليست مقياسا حقيقيا
كشفت أحدث الدراسات الاجتماعية بالدول العربية عن تزايد حالات زواج الفتيات والسيدات برجال أصغر منهن سنا. وأثارت هذه الدراسة العديد من التساؤلات منها: هل يليق بالمرأة أن تتزوج برجل يصغرها سنا، على الرغم من أن ذلك من حقها شرعاً وقانوناً؟ وهل يقدر لهذا الزواج النجاح والاستمرار؟ وبحسب آراء المتخصصين فإن فارق السن لم يعد مُشكلة بوقتنا الحالي، ففي أغلب الأحيان يكون الطرفان متفاهمين، ولا تتدخل الأسرة في قرارهما، ولكن إن كان فارق السن كبيراً فسيحكم المجتمع عليه بالفشل وتكثر المضايقات بالأخص إن كان الفرق ظاهراً للعيان
والأمر اليوم لا يُعد ظاهرة، ولكنه يمثل حالات فردية محدودة تكون لها ظروفها الخاصة، أما إن كان ما يعرف بزواج «المصلحة» فإنه غالباً ما يفشل ولا يستمر طويلاً، فيجب أن يبنى الزواج على أسس ورباط متين وليس فقط لمجرد الارتباط أو الهروب من العُنوسة، أو الركض وراء الزوج لتدارك سن الخصوبة وإنجاب الأطفال، فنجاح الزواج يعتمد على مدى التفاهم القائم بين طرفيه، والحب والنجاح في هذه الحالة ممكن حتى وإن كان في تفاوت بالعمر وأهم تجربة عبر التاريخ في ديننا الإسلامي قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن تزوج السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهو أصغر منها عمراً، ولم يتزوج لفترة وفاء لها وإخلاصاً لها وحباً لها.
الزواج مثل أمور كثيرة في الحياة أحدهم يوفق فيه فيصبح سعيداً، والآخر يكون محبطاً وهو بذلك يمكن اعتبارها مسألة شخصية بحتة، إضافة إلى أن علم النفس يرى في ذلك أنه ربما يكون تعويضاً لفقدانٍ في حياة الشاب الذي يتزوج بمن تكبره بسنوات تتعدى العشر سنوات، وعدد السنوات ليس المقياس الحقيقي لنجاح الزواج أو فشله، ولكن مجموع التجارب الحياتية والإنسانية والثقافية هي المقياس الحقيقي لمدى نجاحه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19443

العدد 19443

السبت 13 أفريل 2024
العدد 19442

العدد 19442

الإثنين 08 أفريل 2024