مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف بولاية معسكر، تبحث الكثير من النساء عن ملاذات جديدة لا تقتصر على التخفيف من وطأة الحر، بل توفر لهن مساحة لملء الفراغ والاستمتاع بوقتهن، أين تبرز قاعات الرياضة كوجهة عصرية ومتعددة الأبعاد، تتجاوز مفهومها التقليدي المرتبط باللياقة البدنية لتصبح متنفّساً حقيقياً، ومركزاً اجتماعياً يثري حياة المرأة المعسكرية.
تشهد معسكر اليوم تحوّلًا ثقافيًا لافتًا، يمس جانب منه، الرياضة النسوية، التي أصبحت تُشكّل ثقافة شائعة تتجاوز البحث عن اللياقة البدنية، حيث تقول رئيسة النادي الرياضي النسوي للأيروبيك كريمة بلكحلة، أنّ ممارسة الرياضة بمعسكر في الوسط النسوي، لم تعد مجرد “ترفيه” أو”نشاط جانبي”، بل باتت جزءًا لا يتجزّأ من نمط حياة الكثير من نساء المدينة، مدعومًا بقناعة متزايدة بأهمية الرياضة للصحة الجسدية والنفسية، مشيرة إلى أنّ هذا التحول لم يأتِ بين عشية وضحاها، بل هونتاج تداخل عوامل عدة، أولها الوعي المتزايد بفوائد الرياضة، وتوفّر مساحات آمنة ومخصّصة للنساء في قاعات رياضية عصرية، والأهم من ذلك، الدعم المتبادل بين النساء أنفسهن.
وأشارت كريمة بن كحلة، التي بادرت إلى تأسيس نادي رياضي بمعسكر، هو الأول من نوعه، قبل 10 سنوات، أنّ قاعات الرياضة أصبحت بمثابة حاضنات اجتماعية، تُقدّم فيها النساء الدعم لبعضهن البعض، وتُشجّع الواحدة الأخرى على التغلب على التحديات، سواء كانت شخصية أواجتماعية، مضيفة أنّ ذلك يثبت قدرة المرأة في معسكر، على إحداث التغيير الإيجابي في بيئتها، وإنتاج نسيج اجتماعي جديد يتميز بالنشاط، الصحة، والتضامن، حيث لم يقتصر تأثير هذا التحول حسب المتحدثة، على النساء البالغات فحسب، بل امتد ليشمل الأجيال الشابة في معسكر، ليُعيد تشكيل مفهوم النشاط البدني لديهن، فالفتيات اللواتي ترعرعن وهن يشاهدن أمهاتهن وعماتهن وخالاتهن يرتدن قاعات الرياضة بانتظام، لم يعدن يعتبرن الرياضة مجرد مادة مدرسية أو نشاط ثانوي، بل جزء طبيعي وأساسي من حياتهن اليومية.
ملاذ صيفي متعدّد الأبعاد
وقالت السيدة الخمسينية، كريمة بن كحلة، أنّ الجيل المؤسّس للرياضة النسوية بمعسكر، قد زرع في نفوس الفتيات الناشئات، بذورًا قوية للاهتمام بالصحة والنشاط البدني منذ الصغر، حيث لم تعد صورة الفتاة الرياضية غريبة أو مستهجنة، بل أصبحت مثالًا يحتذى به، ومصدر إلهام لفتيات وشابات أكثر وعيًا بأهمية الحركة واللياقة، وأقل ترددًا في الانخراط في الأنشطة الرياضية بمختلف أشكالها، حيث يلاحظ الاهتمام المتنامي بينهن، على رياضات وفنون الدفاع عن النفس التي تُقدمها بعض القاعات، وذلك لا يعكس فقط الرغبة في تحسين اللياقة البدنية، بل يعكس أيضًا تعزيز الثقة بالنفس، وتنمية لمهارات القيادة، وبناء شخصيات قوية قادرة على مواجهة تحديات الحياة.
ولطالما ارتبطت قاعات الرياضة في الأذهان بتحقيق أهداف بدنية محددة، على غرار خسارة الوزن، بناء العضلات، أو تحسين اللياقة العامة، ولكن في معسكر، ومع حلول الصيف الطويل، اتخذت هذه القاعات بعدًا آخر أكثر شمولية، فالمرأة المعسكرية لم تعد ترتادها فقط بحثاً عن قوام رشيق، بل وجدت فيها ضالتها لكسر روتين الصيف الذي قد يشوبه الركود أوالشعور بالملل، خاصة مع انتهاء الدراسة والعطلات الصيفية للأبناء.
حاضنات اجتماعية للتّمكين والتّضامن
وتُقدّم هذه القاعات اليوم مزيجًا فريدًا من الأنشطة التي تلبّي اهتمامات متنوعة. فإلى جانب التمارين التقليدية كالأيروبيك، الزومبا، وتمارين القوة، أصبحت العديد منها توفّر حصصًا لليوغا والبيلاتس التي تساعد على الاسترخاء والتخلص من التوتر، كما أن الجو العام داخل هذه القاعات يشجّع على التفاعل الاجتماعي، وتبادل الخبرات بين النساء من مختلف الأعمار والخلفيات، ممّا يخلق شبكة دعم قيّمة تساهم في تعزيز الصحة النفسية، حيث تقول الكوتش “منال” وهي مدربة تابعة لنادي “أكوامان لمختلف الرياضات”، أنّ قاعات الرياضة بمعسكر لم تعد مساحة لممارسة الرياضة، بل هي فرصة للهروب من ضغوط الحياة اليومية، وتجديد الطاقة، واكتشاف اهتمامات جديدة، حتى ان بين جدران هذه القاعات، تُنسج صداقات جديدة، وتُطلق طاقات إبداعية، وتتجدد الروح المعنوية، وذلك ما اعتبرته الشابة الثلاثينية، استثمار في الذات، يتجاوز حدود الجسد ليلامس العقل والروح.
وهكذا، تتحوّل قاعات الرياضة في معسكر خلال فصل الصيف إلى أكثر من مجرد مراكز للياقة البدنية، لتصبح ملاذات آمنة، ومراكز للنشاط الاجتماعي، ومساحات للتمكين الذاتي، حيث تجد المرأة المعسكرية فيها طريقة للحفاظ على لياقتها البدنية، ووسيلة فعّالة لملء وقتها الثمين بما يعود عليها بالنفع والسعادة.