تلوث المياه الجوفية بورڤلة

الاستعمال غير العقلاني السبب والصرف الصحي عمّق المشكل

ورڤلة: إيمان كافي

تعرف ولاية ورڤلة منذ سنوات مشكلة صعود المياه والتي تسببت فيها الكثير من العوامل، أبرزها الاستعمال غير العقلاني للمياه الباطنية، كما يشير المختصون في هذا المجال إلى خطر تأثير مياه الصرف الصحي على المياه الجوفية وللنقاش وضعية أثارها الدكتور سفيان سقاي المختص في الري في تصريح لـ»الشعب».

يعتبر الدكتور سفيان سقاي، أستاذ في الهندسة المدنية اختصاص ري بجامعة قاصدي مرباح ورقلة ورئيس فرقة بحث على مستوى مخبر هندسة المياه والبيئة في الوسط الصحراوي، أن الاستعمال غير العقلاني للمياه الباطنية ووجود صرف صحي مصباته تغذي الطبقة الحرة من المياه الجوفية، يعد أبرز مسببات ظاهرة صعود المياه المعروفة في منطقة ورقلة.
وقال الدكتور سفيان سقاي، أن الاستعمال المفرط لهذه المياه، أحدث نوعا من الاختلال في التوازن بين ما يخرج من مياه وما يستعمل، حيث تعتبر هذه المياه في نفس الوقت غير متجدّدة، فالمياه المستعملة لا تعود إلى الطبقة التي خرجت منها، لأن الطبقات التحتية هي الطبقات المستخدمة على غرار طبقة المركب النهائي في منطقة ورقلة وطبقة المتداخل القاري التي تستخدم في منطقة وادي ريغ أو المياه الآلبيانية، لتستقر المياه المستعملة في الطبقة الحرة الطبقة الأولى من المياه الجوفية.
هو ما أدى إلى ما يعرف بإشكالية صعود المياه، نهاية التسعينات وبداية الألفينات، هذه الظاهرة الناتجة عن الاستعمال اللاعقلاني للمياه الباطنية من جهة وعدم وجود مناطق لرمي هذه المياه أو إعادتها إلى الطبقات السفلى، مما تسبب في حالة من عدم التوازن.
هذه الظاهرة مع تواجد أنظمة الصرف الصحي الحديثة على المناطق الصحراوية التي كان يجب أن تكون بخصائص معينة تراعي طبيعة التربة التي تعد متحركة ومالحة، بالإضافة إلى المناخ القاسي في المواد المستعملة حتى تكون ملائمة ومطابقة ولديها ديمومة، ساهمت في اختلاط مياه الصرف الصحي والمياه المستعملة بمياه الطبقة الحرة، حيث إنه لا تمرّ سنتين أو ثلاث سنوات حتى تعود مشكلة صعود المياه ومياه الصرف الصحي لتطفو فوق السطح وهذا بسبب عدم التوازن بين المياه المستخرجة والمياه العائدة للطبقة الحرة.
 صعود المياه انشغال
وذكر المتحدّث، أن وجود طبقة حرّة مكونة من مياه مالحة وملوثة، ينتج عدة أخطار مباشرة وغير مباشرة على الإنسان، حيث يحوّل صعود المياه هذه المناطق إلى أراض غير صالحة للزراعة والبناء كما أن استعمال هذه المياه التي تنتجها محطات التطهير والتي لا تكون موافقة للمعايير الوطنية والدولية في السقي الفلاحي، يؤدي إلى منتج فلاحي قد يشكل خطرا على صحة الإنسان نظرا لتواجد المعادن الثقيلة ولو بنسب قليلة، خاصة في مياه الصرف الصحي المصفاة.
أما عن الأسباب غير المباشرة، فإن ظاهرة صعود المياه، تتسبّب في تجمع للمياه في شكل برك، تعد ملجأ للحشرات الضارة وتكون نباتات ضارة، خاصة أن المياه ملوثة ودرجة الملوحة فيها كبيرة جدا نظرا لملوحة التربة وتستعمل كمسابح من طرف الأطفال، مما يؤدي إلى ظهور أمراض كنا نعتبرها انقرضت وإن كانت الأرقام فيها قليلة، لكنها عادت بسبب هذه المشاكل، مثل التيفوئيد والكوليرا وغيرها.
كما أكد أن التوسّع الصناعي والفلاحي تسبب هو الآخر في رفع منسوب المياه الملوثة ومن بين الحلول التي اقترحتها السلطات حسبما أشار إليه، خاصة في المصانع هو استحداث محطات تطهير قبل رمي المياه المستعملة في الطبيعة، إلا أن الإشكالية هي هذه المحطات غير متواجدة في كل المصانع.
وتبقى الحلول التقنية المطروحة لحل المشكل، تستوجب ـ حسب رأي الدكتور سقاي ـ، إعادة النظر في نظام الصرف الصحي وبناء قنوات وليس القنوات المعتمدة الآن، بالإضافة إلى مراقبة حفر آبار السقي الفلاحي التي تتسبب في الاستعمال اللاعقلاني للمياه.
مضيفا أنه لابد من التفكير جديا في وضع إستراتيجية لتربية النشء على المحافظة على الماء والبيئة، انطلاقا من الأسرة وهو برنامج يستدعي تضافر جهود الأكاديميين الإعلاميين وجمعيات المجتمع المدني، من أجل خلق جسور دائمة ومتواصلة مع المواطن العادي، خاصة بالنسبة للأطفال في المدارس وسعيا لبناء مجتمع بذهنية جديدة مشبع بالثقافة البيئية، لأن الحرب القادمة هي حرب مياه والمجتمع القادر على الحفاظ على قطرة الماء هو المجتمع الذي يمكنه الحفاظ على الاستمرارية والديمومة والقوة.
الافراط يساهم في توسّع الظاهرة
وعن وضعية صعود المياه بمنطقة ورقلة، أوضح أن منطقة أم الرانب، اتخذت كمصب على أساس أنها الأراضي المنخفضة بورقلة قبل إنجاز دراسة جيولوجية، إلا أنه تبين أن المياه بعد نزولها إلى أسفل الأرضية الموجودة تحت التربة أن طبيعة هذه الأرضية غير نفوذة وبها ميلان نحو المدينة، لذلك تتسبب في عودة المياه إلى المدينة وهو ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه داخل الطبقة الحرة، حتى وصلت إلى درجة التشبع ونجم عن ذلك طفو للمياه على سطح الأرض.
ولأن هذه المياه عبارة عن مياه مستعملة ومياه خارجة من الطبقات السفلى (الطبقة الحرة) فهي مياه ملوثة، وأضاف أن في عام 2006، أقرت الدولة مشروعا لمحاربة ظاهرة صعود المياه، من بين إجراءاته، العمل على معالجة مشكل الصرف الصحي الذي تسبب في ارتفاع منسوب مياه الطبقة الحرة، وتمّ تغيير المصب النهائي نحو سبخة سفيون وهو المشروع الذي يهدف إلى محاربة صعود المياه في منطقة ورقلة وتجنب تلوث المياه الجوفية للطبقة الحرة وإخضاعها لعملية معالجة قبل استعمالها في مجال آخر هو الزراعة، من خلال تجديد شبكة الصرف الصحي ووضع محطات للرفع والضخّ ومحطة لتطهير المياه في سعيد عتبة بسعة 400 ألف ساكن، بالإضافة إلى محطتين صغيرتين في كل من أنقوسة بسعة 7000 ساكن وسيدي خويلد بسعة11  ألف ساكن.
وفي سنة 2016، قال الدكتور سفيان سقاي، أخذنا نفس النقاط التي ركز عليها مشروع 2006 وقمنا بدراسة مقارنة توصلنا من خلالها إلى أن التلوث سجل نقصا وهي نتائج تبقى بتحفظ، إلا أن ما لوحظ هو ارتفاع منسوب المياه في مناطق أخرى.
وفي عام 2017، تم إعادة الدراسة، من أجل التعرّف على أسباب صعود المياه في هذه المناطق التي تتواجد خارج نسيج المدينة والتي لم تعرف ظاهرة صعود المياه من قبل، إلا أنها قد تشهدها خلال السنوات القادمة.
توصلت الدراسة، إلى أن الإشكالية لم تكن في الصرف الصحي فقط وإنما في حفر الآبار بشكل غير مدروس وغير قانوني من طرف الفلاحين، حيث إن هذا الحفر العشوائي أدى إلى زيادة كميات المياه التي تستخدم في الفلاحة وهي مياه تعود إلى الطبقة الحرة وليس إلى الطبقة العميقة، مما يؤدي إلى صعود المياه، ناهيك عن أن هذا الاستعمال المفرط للمياه الباطنية، يغيّر من خصائص المياه، فكلما استعملناها أكثر كلما ارتفعت نسبة الملوحة فيها وقد تجعل العمل على تحسينها ومعالجتها، مكلفا أكثر خلال السنوات القادمة.
المياه القذرة بقناة وادي ريغ
 تهدّد الفلاحة
أما في منطقة وادي ريغ، فالإشكالية مرتبطة حسب محدثنا بقناة وادي ريغ التي يستخدمها أصحاب المشاريع كمصب نهائي للمياه القذرة وهي قناة، أنشئت لأغراض فلاحية، ترتبط بصرف مياه السقي الفلاحي للحفاظ على منسوب مياه منخفض، يساهم في إحداث التوازن البيئي الطبيعي والحفاظ على المقدرات الفلاحية للمنطقة.
ولذلك تشهد القناة تلوثا يتسبب في انهيار النسيج الغابي وتراجع للمردود الفلاحي، كما أن القناة مهدّدة وتعرف وضعية متدهورة، بسبب الإنسدادات الحاصلة على مستواها، ناهيك عن أن هذا التلوث أثر على الثروة الحيوانية والأسماك الصغيرة التي كانت تتواجد فيها، ولم تعد تؤدي وظيفتها بعد أن أنشئت لغرض فلاحي وسياحي، حيث لم تكن فقط مجرد قناة لصرف مياه السقي بل كانت تحفة سياحية تستعمل فيها القوارب للانتقال إلى تقرت، جامعة، المغير حتى المصب النهائي شط ملغيغ ولتبادل المنتجات الفلاحية من هذه الأراضي التي تعد هذه القناة رئة لها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024