«الشعب» ترافق القافلة الصحية إلى أعماق ولاية تيارت

غياب التكفل الصحي بالرّحل ساهم في تفشّي الأمراض المزمنة

الأطفال بدون تلقيح والنّساء الحوامل يحتجن إلى رعاية

تتوفّر الجزائر العميقة على موارد طبيعية وبشرية حيوية ونادرة تستدعي البحث عنها، لذا كانت وجهتنا هذه المرة الناحية الجنوبية لولاية تيارت على حدود تيارت، الاغواط، سعيدة والبيض، بالضبط بمنطقة ضاية بن هوار، حيث يتجمّع السكان الرحل من عدة  بلديات بولاية تيارت كشحيمة، مدريسة، عين كرمس وسيدي عبد الرحمان، حيث رافقنا قافلة صحية من المؤسسة العمومية الاستشفائية لدائرة عين كرمس، والمتكونة من أطباء، شبه طبيين، نفسانيين، إداريين ومخبريين لتفقد الحالة الصحية للسكان الرحل.

 وعند نزولنا بأول خيمة للسكان الرحل بهذه المنطقة، استقبلنا شاب في العشرينات يسأل عن سبب الزيارة، وعند معرفة ذلك رحّب بالجميع، وكان المشرف على القافلة الأخصائي النفساني السيد سبايس بومدين الذي يعرف المنطقة وأهلها كونه قد زارها من قبل، لذا اتخذناه دليلنا. المشرفون على القافلة يعرفون كيفية التصرف لذا جلبوا معهم طبيبات وقابلات ومخبريات لملاقاة النساء، وعند الخروج حكت لنا السيدة فاطمة قرصلي ما جرى بالداخل، حيث رأت مناظر يقشعر لها البدن من خلال نقص الرعاية الصحية، عدم معرفة مدة الحمل عند بعض النساء، ومن ثمة جهل تاريخ الوضع. ومن خلال الحديث مع بعض أرباب العائلات التي زرناها لاحظنا ان التكفل الصحي بالمواشي أصبح أكثر اهتماما بالمرأة الحامل والمولود، فمثلا طرحنا اسئلة عن زيارة الطبيب وأنواع المخاطر التي تواجه النساء الحوامل، تلقينا أجوبة مدهشة كجهل بداية الحمل للأزواج الذين تقع عليهم مسؤولية نقل الحوامل الى المصحات كون المنطقة لا يوجد بها الوسائل الضرورية، بعض الأزواج أو جميع ممن استجوبناهم لا يولون اهتماما بهذا الموضوع بينما أبانوا عن دراية لمّا طرحنا عليهم أسئلة عن حالة المواشي وطريقة تغذيتها وتوليدها وجلب العلف لها بأثمان باهظة، في حين يجهل هؤلاء كيفية التكفل الصحي بأسرهم.
 القابلات المرافقات للقافلة الصحية كان لنا معهن حديث حول الموضوع على غرار القابلة فاطمة قرصلي، التي قالت أن هذه الحالات تتكرر في المناطق البعيدة عن المصحات والمشافي، ويكمن المشكل في بعد المسافات وآخر في عدم اكتراث الازواج بالمشكل حتى تقع الكارثة، فمثلا ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكري سببهما يعود ربما الى العمل الشاق الذي تقوم به الزوجات من خلال الاعتناء بالمواشي وحلبها، والمشاركة في تغذيتها ونقلها وطبعا التعب الشديد يؤثر على الصحة وخاصة على الحامل، تقول القابلة فاطمة.
انعدام الثّقافة الطبية..
طرحنا سؤالا على إحدى النساء الحوامل البالغة من العمر 23 سنة، وهي أم لطفلين وتنتظر الثالث، لكنها تجهل عملية الحساب وحددتها في مخيلتها منذ انقطاع الطمث وأنها لم تزر أي طبيب أو قابلة، وأنها تتمتع بصحة عادية بدون مضاعفات حتى الان غير أن القابلة طالبت الحامل بإجراء فحوصات دوّنتها لها، وبأن تتوجه إلى العيادة المتعددة الخدمات في اليوم الموالي.
سيدة أخرى اكتشفت بأنها حامل خلال زيارة القافلة الطبية لها بعد إجراء فحص الحمل الفوري، وبأن حملها يقارب الشهر، طلب منها زيارة العيادة فورا لتشخيص حالتها.
 ومن بين الحالات التي وقفنا عندها ارتفاع نسبة السكري، وتستلزم الحالات إجراء فحوصات دقيقة خلال 3 أيام متتالية حسب الطبيب عواد عيساوي المرافق للقافلة، والذي حدّثنا عن حالات أكثر تعقيدا بسبب غياب ثقافة زيارة الطبيب رغم أن دائرة عين كرمس تتوفر على 3 عيادات متعددة الخدمات بكل من عين كرمس، مدريسة وسيدي عبد الرحمان. الطبيب عيساوي الذي رافقناه في عملية الفحص صادف وأن قدم شخص من بعيد يحمل بنتا تبلغ من العمر 8 شهور ولم يقم بتطعيمها، وعندما سألنا هذا الشخص (ب - عامر) قال بأن أعماله الكثيرة حالت دون نقل ابنته الى العيادة أو أقرب مستوصف كونه يعتني بالمواشي، أي يرعى الغنم لأحد الموالين مقابل أجر، بينما يهمل أغلى ما في الوجود وهم الابناء، وأرجع هذا الشخص السبب إلى أن زواجه كان عرفيا ولم يقم بتسجيل ابنته لأنه لا يملك عقد زواج، فقاطعه الطبيب عيساوي بأن عملية تطعيم الأطفال لا تشترط وثيقة هوية، والمهم هنا هو صحة المولود ومن ثم يتم تقييده ومنحه دفتر التطعيم والتلقيح. ومن بين ما وقفنا عنده رفقة الاطباء عجوز أصيبت بارتفاع ضغط الدم، وهي في بيتها حتى زارتها القافلة التي تكفّلت بها بعد أن وجدتها في حالة تتطلّب تكفلا فوريا بها، السيدة قرصلي أضافت أن غياب ثقافة متابعة صحة النساء أدى إلى تدهور كبير.
 الأخصائية النفسانية شتوان سارة بعد أن زارت عدة عائلات، قالت إن دهشتها كانت عند وجود أطفال في عمر الدراسة ولا سيما الفتيات لكن الظروف أجبرتهم على عدم الالتحاق بمقاعد الدراسة، وحسب الأخصائية النفسانية فإن الأمهات ترمين الكرة للآباء كونهم هم من يتولون نقل الابناء الى المدرسة.
 المشرف على القافلة والأخصائي النفساني السيد سبايس بومدين أوضح أنّه من خلال تجربته مع السكان الرحل، أن المشاكل تكمن في غياب التكفل الصحي بالنساء والاطفال، وأكبر خطر هو عدم الاهتمام من طرف بعض أرباب الأسر، وأهم خطر يقول السيد بومدين المضاعفات التي تعاني منها النساء الحوامل بعد الحمل وأثناء الحمل وأمراض الذهنية (بضم الذال)، وهي أمراض مصاحبة للحمل. وبالنسبة للتكفل النفسي لدى النساء الحوامل، قال محدثنا السيد سبايس إن العيادة متعددة الخدمات تستقبل يوميا حالات للحوامل، وعن تفسير كلمة أمراض ذهنية قال سبايس أنها أمراض عصبية تصاحب الحمل وما بعده، وقد يصل إلى أمراض عقلية في حالة عدم التكفل بها آنيا.
أما السيد ايت حمي نور الدين أحد مرافقي ومشرفي القافلة، أكّد أنّ غياب التكفل الصحي يؤدّي إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى الهلاك، لذا يجب التحسيس المستمر بعملية المراقبة والفحص، وهو ما تسعى إليه القافلة الصحية لدائرة عين كرمس.
وعن حياة السكان الرحل، فقد وقفنا على استعمال الأكياس البيضاء الخاصة بالعلف كبيوت للإيواء وأخرى للمواشي. وعن الحياة اليومية صرّح لنا قاطنو هذه الخيم أن يومياتهم كلها مع المواشي من خلال تغذيتها وحراستها وتوليدها والاعتناء بها. وعن التنقلات إلى المدن أكّد السيد سعيدات أنّه لا وقت لهم لذلك والمستلزمات اليومية من مأكل ومشرب يجلبها لهم مالكو المواشي، وعن أسباب تفشي بعض الأمراض قال لنا شاب متزوج في العشرينيات أن مشاغل السكان لا تسمح بالتكفل بصحة الاطفال والزوجات كالطفلة التي جاء بها والدها على متن دراجة نارية لتلقيحها وهي مصابة بمرض، وتم فحصها وإعطاء موعد لوالدها لنقلها إلى العيادة متى تتاح الفرصة.
 وتبقى العناية الصحية خدمة عمومية ومجانية من طرف الدولة، والتكفل يتم من طرف مستخدمي الصحة ومن خلال عمليات التحسيس.
وفي الأخير نشيد بمديرة المؤسسة العمومية للصحة الجوارية لدائرة عين كرمس السيدة داودية صوفي، وكذا أعضاء فرقة القافلة الصحية على المساعدة المقدّمة لنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024