خطـوات ممتـازة تُجســّد مبادئ ثورة أوّل نوفمبر

الجزائر المنتصرة.. مـن تكريس حـــقّ التعلم إلى المدرسـة الرقمية

أحمد حفاف

بعد الاستقلال، تمكنت الجزائر من التخلص من رواسب الماضي التي خلفها الاستعمار الفرنسي بسياسة التجهيل الممنهجة، إذ وضعت أسسًا قوية لتعزيز هياكلها التعليمية وأصلحت برامجها لترسيخ حق التعليم للجميع. وعلى مر السنين، نجحت في تكوين أجيال وكفاءات أسهمت في قيادة البلاد نحو بر الأمان والتنمية.
 
 أكد أستاذ التاريخ بجامعة البليدة02 ، محفوظ عاشور، فإن الجزائر قطعت أشواطا كبيرة بعد الإستقلال إلى غاية وقتنا الحالي، ما سمح لها باستدراك الماضي الأليم وتكريس حق التعلم ومجانيته، وفي هذا الصدد أردف يقول: “اهتمام الجزائر بالجانب الإجتماعي والتعليم لا يخرج عن إطار مبادئ ثورة نوفمبر 1954 وأهدافها التي تتمثل في بناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية وهذا ما كان في الواقع، ويظهر بتخصيص ميزانية كبيرة جدا للقطاع واشراك الجماعات المحلية التي كٌلها تهتم بحق التمدرس وفي كل مكان نجد مدرسة..”.
وأضاف مبرزا: “ الجزائر أقرت بأن يكون التعليم إجباريا لتخطي عقبات السابق واستدراك السنوات التي تعرض خلالها الجزائريون للتجهيل ومحاولات لطمس الهوية وتفكيك المجتمع، وحاليا ثمة عملا يُنجز لضمان جودة التعليم التي تستدعي الارتقاء بعلم النفس التربوي ومناهج التدريس، أما بخصوص البرامج فهي تُحيّن وتُراجع دون المساس بالثوابت الوطنية”.
وبحسب “ البروفيسور” عاشور المولود سنتين قبل الاستقلال، فإن الجزائر لم ترث جيلا كبيرا من المتعلمين لأن فرنسا لم تترك للجزائريين حرية الدارسة لدرجة منعهم من إكمال التعلم بعد المرحلة الإبتدائية، وقليلا جدا منهم من تدرج وأتم دراسته العليا، وحتى الجامعة الوحيدة التي بنتها فرنسا سنة 1909 كان يدرس فيها أبناء المعمرين والفرنسيين وقليل من الجزائرين من التحقوا بها مثل فرحات عباس الذي تخصص في الصيدلة ويوسف بن خدة.
وبعد الإنسحاب التدريجي للمؤطرين الفرنسيين وتعويضهم بإطارات من دول عربية شقيقة، تجاوزت الجزائر فترة نقص الموارد البشرية التي يمكن المراهنة عليها لتأطير المدرسة الجزائرية، وحققت تطورا ملحوظا تجلى في زيادة الهياكل التربوية ووضع برامج جديدة لها علاقة بالمواطنة عوضت تلك البرامج الموروثة عن الحقبة الإستعمارية، وهذا بعدما عملت تدريجيا على تعديلها في نصوصها وأهدافها لتصبح تتماشى مع الهوية الوطنية- يٌضيف الأستاذ الباحث.
كما اعتمدت الجزائر على أبنائها الطلبة الذين تخلوا عن مقاعد الدراسة للإلتحاق بالثورة أو تم طردهم ومنعهم من طلب العلم، فمثلما ساهموا في ثورة التحرير سخّروا أنفسهم لثورة البناء غداة الإستقلال، وفي هذا الصدد يقول البروفيسور عاشور: “اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين كان يضم عددا كبيرا من الطلبة الثانويين وحتى من الطورين الإبتدائي والمتوسط، والذين أعطوا دفعا كبيرا للثورة وبعد الإستقلال ساهموا رغم قلتهم في تسير الشؤون العامة للبلاد وتقلدوا بعض المناصب، من بينهم بلعيد عبد السلام الذي بنى الإقتصاد الجزائري ثم أصبح وزيرا أولا، وأحمد طالب الإبراهيمي الذي شغل الأمين العام لهذا الإتحاد الطلابي.”.
وحتى قبل الإستقلال أي قبل الخامس جويلية 1962 سعى الجزائريون لأجل التعلم بكل الوسائل مدركين أهمية سلاح العلم لنيل الحرية، حيث اعتمدوا على الطرق التقليدية في التدريس بالإعتماد على المدارس القرأنية والكتاتيب التي أنجبت نخب مثقفة، بينهم أعضاء جمعية العلماء المسلمين التي مازال عملها الإصلاحي يعطي ثماره لحد الآن- أوضح المتحدث.
وضمن سلسلة الإصلاحات التي قامت بها بعد الإستقلال، كان لزاما على الجزائر أن تُنجز مدرسة عليا للأساتذة في القبة بالعاصمة ثم ملحقات لها ومعاهد مختصة في تكوين المعلمين ضمن سلسلة الإصلاحات وتعزيز الموارد البشرية، وبعدما كانت تعتمد على التدريس بالأهداف والغايات اصبحت تعتمد على النوعية وتتوجه تدريجيا نحو المدرسة الرقمية تماشيا مع التطورات الحاصلة في العالم باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وإنشاء معاهد ومدارس متخصصة مثل ثانوية الرياضيات ومدرسة الذكاء الاصطناعي ومدرسة الأمن السيبراني- ختم عاشور قوله.

مـن تكويـن الكفــاءات إلى خلـق الــثروة

لعل ما يؤكد تطور الجزائر في مجال التعلم هو تزايد عدد الجامعات لدرجة أن كل ولاية أصبحت تضم جامعة خاصة بها، مما يسهم في تكوين الإطارات التي تعول عليها الدولة لتحقيق أهدافها، وهذا ما ينطبق على الأستاذ الباحث في الهندسة المعمارية محمد أيت سعدي الذي نهل من العلم بجامعة البليدة 01 ثم أصبح يشغل نائبا لرئاستها.
 لقد قضى أيت سعدي قرابة 42 سنة بجامعة البليدة 02 منذ أن كان طالبا ثم تقلد بعض المسؤوليات في التسيير، ومن هذه التجربة تبين له كيف انتقلت الجامعة الجزائرية من مؤسسة تقليدية تعتمد على السبورة والطبشور إلى صرح علمي متكامل يصنع الإبداع ويشارك بفاعلية في الإقتصاد الوطني.
في تصريح لـ “الشعب” أوضح “ البروفيسور” أيت سعدي :« عقب الإستقلال كانت الجامعة تسعى لسد العجز الكبير في الكفاءات الوطنية، وكان التعليم موجها لتكوين الإطارات بهدف بناء مؤسسات الدولة والإدارة والإقتصاد، وخلال تلك الفترة لم يكن للطالب أدوار أخرى في الحقل الإقتصادي أو التنموي، ومع مرور الزمن والتحديات المتسارعة لعصر العولمة واقتصاد المعرفة، أدركت الجامعة بأن عليها أن تؤدي أدوارا جديدة تتجاوز التكوين التقليدي نحو الإبتكار وصناعة المستقبل”
وكان لزاما على أن تتحول الجامعة الجزائرية إلى الجيل الرابع –بحسب أيت سعدي - فهي لم تعد تكتفي بمنح الشهادات للمتخرجين فحسب، بل أصبحت تُسهم في إنتاج الثروة وتخلق القيمة المضافة، ويتجلى ذلك من خلالها المؤسسات الجديدة التي تدعمت بها لربطها مع المحيط الإقتصادي، مثل الحاضنات، مراكز المقاولاتية، وغيرها والتي تساعد على تحويل أفكار الطلبة ومشاريعهم المبتكرة إلى شركات اقتصادية.
فضلا عن ذلك فقد واكبت الجامعة الجزائرية ادخال الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة، مما سمح بالمزج بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، زيادة على إطلاق منصات رقمية للتواصل مع الطلبة والموظفين، وهذا تمهيدا للتحول إلى جامعة الجيل الخامس على المدى القريب، ختم محدثنا قوله.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025