ترسم أسواق السمك صورة غير متوزانة بين العرض القليل والطلاب الكثير في ظل تداخل مبررات كل طرف بين من يرجع عوامل ارتفاع الأسعار إلى قلة الإنتاج، كما يتحجج به مهنيو الصيد البحري بسبب تراجع احتياطي السمك وكلفة الصيد من جهة، ومن يستهجن تكريس ممارسات المضاربة والاحتكار مثلما يفسره المواطنون.
وبعد أن تراجعت أنواع معينة من السمك التي أبعدتها أسعارها المرتفعة من غذاء العائلة الجزائرية على غرار الجمبري وغيره من الأسماك ذات النوعية المميزة، شهدت أسعار السردين هذه الأيام تراجعا مما سمح للمواطنين من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود باقتناء هذه المادة الغذائية الضرورية وفي بعض الأيام الإقبال عليها بكثرة.
بالرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلتها الدولة للنهوض بقطاع الصيد البحري إلا أن النتائج المنتظرة لا تزال دون المأمول، فيما توجد مؤشرات تؤكد أن للقطاع أكثر من فرصة لتنمية موارده شريطة أن يتم ضبط خارطة يساهم في رسم معالمها كافة المتدخلين في معادلة إنتاج ومعالجة وتسويق الأسماك برؤية اقتصادية متوسطة وبعيدة الأمد، بحيث يمكن للقطاع حينها المشاركة في تعزيز مسار النمو.
وإذا كانت المؤشرات المباشرة منها يعكسها سوق السمك تميل لدعاة ضعف الإنتاج بكل ما يقدمونه من مبررات منها ما هو موضوعي ومنها ما هو قابل للنقاش، فإن الطاقات الطبيعية والقدرات الإنتاجية المادية والبشرية تطرح معطيات مغايرة تستدعي البحث في عمق إشكالية الأسعار التي لا يمكن للمستهلك الاقتناع أنها ناتج خالص لمعادلة العرض والطلب.
نظرا للارتباط المباشر مع القدرة الشرائية، فإن مسألة التحكم في أسعار السمك خاصة العادي تكتسي أهمية بالغة، علما أن لهذا المنتوج الطبيعي الذي لا يكلف أي شيء في إطعامه وتربيته أو علاجه يساهم في حماية الصحة الغذائية للسكان، ومن ثمة فانه غير مكلف بحيث لا يتحمل الصياد سوى أعباء الوقود والعمال وعتاد الصيد، والتي لا يعتقد أنها تمثل نسبة اكبر من عائدات الإنتاج في كل عملة صيد.
يبدو أن المهنة بكل ما حققته من مكاسب على أكثر من صعيد تشريعي واستثماري، فإنها بحاجة إلى توسيع لمساحة النقاش بين المهنيين وكافة المتدخلين لرد الاعتبار إلى كافة الحلقات التي تشكل سلسلة الصيد من مرحلة الإنتاج إلى التسويق مرورا بكل المحطات ذات الأهمية في إنتاج القيمة المضافة مثل التحويل الصناعي والتبريد وتربية الأسماك وتسمينها من أجل بلوغ هدف التصدير.